الميليشيات الكردية.. نسخة مطوّرة لـ«داعش» أميركياً
سناء أسعد
بعد حرب دامت أكثر من خمس سنوات ضدّ سورية، لم يقتنع المخططون والمأجورون والانتهازيون، رغم ما تمّ توظيفه من خطط جهنمية وأدوات رخيصة، أنّ أمر السيادة السورية ووحدة أراضيها من الخطوط الحمر التي لا يسمح الإقتراب منها، أو حتى الالتفاف حولها، تحت مسمّيات مختلفة وذرائع لا يستوجب إطلاقها إلا من باب التبريرات الواهمة، وهذا ما أكد عليه الرئيس بشار الأسد… والدكتور بشار الجعفري منذ ان بدأت فكرة الفدرلة تلوح في الافق.. وهذا ما أكده صمود وتضحيات الجيش السوري منذ اللحظات الأولى للمؤامرة..
تعوّدنا دائماً وعند فتح أيّ باب للمناورة، أو لتنفيذ خطط من شأنها إحراز تقدّم أو انتصار ما، أن نرى أبواب العراقيل تفتح على مصراعيها، ومن ثم تبدأ التنديدات ويكثر الشعور بالقلق والحديث عن خيبات وخذلان هنا وخيانة هناك، وتتمّ صياغتها وبرمجتها على أنّ هناك مؤامرة يتمّ التخطيط لها تتطلب رداً حاسما،ً حتى قبل البدء بتنفيذها، متجاهلين أمر المؤآمرة الكبرى التي خطط لها زمناً طويلاً، من دون أن يحسبوا تبعاتها وما قد تحمله من نتائج بالدقة المطلوبة، لأنّ أقوى التوقعات كانت أن يؤول مصير سورية لما آل اليه مصير تونس وليبيا ومصر وبالفترة الزمنية ذاتها، لكن هذه سورية ومن بعد لم يدر؟
أكثر ما يثير الاشمئزار هو الثقة المطلقة بالوعود الغربية، التي باتت اليوم مثقلة بالعقد التي تزداد قياساً بأوزان وأحجام الخطط البديلة من قبل بائعي الوطن وبائعي الوطنية، الذين يصرّون على أنّ سيادتهم وحريتهم تكمن في ما يحيكه بيت العنكبوت وتديره أميركا بأياد عربانية قذرة، أيّ بناء وطن على أنقاض وطن ونيل السيادة من أكفان التبعية، والتمتع بالحرية من سلسلة إغتصاب الأراضي وإغتصاب الحقوق وصبّها في قالب جاهز ينصهر في بوتقته أيّ انتماء للوطن والتاريخ والجغرافية الموحدة والهوية الأصلية…
اليوم أكذوبة الحلم الكردي أخذت منحى آخر، وكشّرت عن أنيابها، وباتت تنهش بوحدة الأراضي السورية بوحشية غير مسبوقة، ملؤها الإجرام والإحتلال والانتهاك..
فالميليشيات الكردية ليست بعيدة، في نهجها المتبع، عن نهج أسيادها من حيث التورّط في المطالب والشروط المستفزة، التي يستغلّ أمر رفض تحقيقها كذريعة للتهديد والوعيد وحجة جاهزة لتبرير ردود الفعل الغاضبة.
اليوم قررت واشنطن اللّعب بالورقة الكردية بقوة، لخلط الأوراق من جديد وإقتلاع أيّ وجود للدولة السورية في شرق وشمال سورية، بعد ما أثار استفزازها أمران:
-الاستخدام الروسي لقاعدة همدان الإيرانية الذي شكل مفاجأة كبيرة وخارج حيّز التوقعات لجميع الأطراف. إضافة الى ذلك فهو يعتبر مؤشراً إلى أنّ هناك عملية كبيرة في سورية تعدّ عدّتها، لا سيما أنّ هناك خطوة تتبعها تتمثل بمشاركة سفن أسطول بحر قزوين في العمليات العسكرية القائمة حسب وكالة انترفاكس.
-الكلام التركي على حتمية التقارب مع موسكو وطهران، لا سيما أنّ أميركا على يقين بأنّ تركيا تعيش حالة من القلق لا توصف، بسبب تقدّم الأكراد على طول الشريط الحدودي الموازي لأراضيها. بل إنّ أكثر ما يقضّ مضجع تركيا هو أن أيّ تحرك جديد للأكراد من شأنه أن يمنحهم السيطرة على مواقع جديدة. لذلك، نسمع الآن ودائماً على لسان مسؤولين أتراك، لا سيما بعد قمة سان بطرسبورغ، أن تركيا حريصة على وحدة وسلامة أراضي الدولة السورية، لكن هذا الحرص ليس بمعناه الحقيقي، فلا هو محبة بسورية، ولا هو رغبة في بقائها موحدة، وإنما هو الخيار الأقلّ ضرراً وخطراً على تركيا بالنسبة لغيره من الجوانب والجهات كافة. كما أنّ ذلك لا يعني البتّة، أنّ ردّ الحكومة السورية على الهجوم الشرس الذي تقوم به ميليشيات «الاشايس» في محافظة الحسكة، هو ثمرة مؤامرة بين الحكومة السورية والنظام التركي، لتصفية الأكراد والتخلص منهم، كما يدّعي بعض المسؤولين الأكراد. هذا الادّعاء الذي لا يخرج عن كونه إملاءات أميركية مليئة بالحذر الشديد والانتباه المركز والسرعة القصوى لنيل المكاسب المرجوة، لا سيما بعد اقتناع الأكراد بغياب دور الدولة السورية هناك.
لم يعد مقبولاً من الأكراد الحديث عن الديمقراطية المزعومة والتبجح بالمظلوميات، أو القول إنّ التعاون والتنسيق مع واشنطن هو بهدف محاربة الإرهاب، كما صرح القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الدار خليل، عندما قال: «إنّ دور قوات سورية الديمقراطية جزء من حرب واشنطن على الإرهاب»، أيّ هم وحسب التفسير الصحيح للعبارة، جزء من الحرب ضدّ سورية، تلك الحرب التي توعّدت واشنطن بإطالة أمدها على لسان مساعد الرئيس الأميركي روبرت مالي، في مقابلة مع مجلة «فورين بوليسي»، حيث قال إنّ أميركا مستعدّة لعمل كلّ ما بوسعها حتى لا ينتصر النظام السوري… لذلك فإنّ الأكراد ليسوا إلا أداة رخيصة تأتمر بأوامر واشنطن لتحقيق أطماعها الاستعمارية، وهذا ما يفسّر تنفيذهم للأوامر بالانعطافة من الرقة إلى منبج، ومن ثم الابتعاد عن جرابلس باتجاه الباب، لضمان توسعهم الجغرافي في الأراضي السورية، خدمة لمشروعهم الفدرالي الذي يخدم المشروع الأميركي، بالتالي، من جهة، وللوقوف على خط التماس مع الجيش السوري والقوات الإيرانية والروسية من جهة أخرى، فيصير الأكراد ورقة تفاوضية بيد الأميركان تلعب بها وتحركها كيفما تشاء بين روسيا وتركيا وإيران وسورية.
لذلك نحن اليوم لن نقدّم الأعذار ولا التبريرات، ولن يستأذن أبطال الجيش العربي السوري أحداً في عدم التهاون بضرب ومحاربة كلّ من يحاول تفتيت وحدة سورية والنيل من سيادتها، ولن نبرهن لأيّ جهة حقيقة ما ندافع عنه من حقائق ثابتة متأصلة تجري في عروق كلّ سوري شريف يأبى الذلّ والهوان.
فتغيير إسم «جبهة النصرة» أو أمر اعتبارها معارضة معتدلة من قبل أميركا وأذنابها، لن يكون مبرّراً لتحييدها عن مرمى نيران الجيش السوري وحلفائه. وأمر الردّ على الأكراد في هجماتهم البربرية على الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني في محافظة الحسكة، وسرقتهم للنفط وارتكاب أفظع الجرائم، لن يكون من حيث الأهمية أقلّ شأناً من محاربة داعش.
لأنه، وفي صدد ما نواجهه، لن يكون الأكراد هنا بما يرتكبونه من إنتحار فاضح خدمة للمشروع الاستعماري، سوى إحدى أخوات «داعش» وإحدى الأدوات التي تستخدم ضدّ الدولة السورية في هذه الحرب الرعناء الظالمة.
المعركة تبلغ أوجها بما تتضمّنه من تسخين لكافة الجبهات وحرارة التصعيد من كلّ حدب وصوب، ونحن اليوم نشهد مرحلة حاسمة وخطيرة تكثر فيها الرهانات، ويسودها التململ والاتهامات الباطلة والمحاولات الفاشلة للمراوحة في قلب الدائرة، لضمان إستمرار الحرب بالسبل كافة، من جهة الحلف المعادي، وبالعزيمة والإصرار والثبات والاندفاع الهجومي ضمن خطة استراتيجية ثابتة من جهة الحلف المقاوم الذي سيكون النصر حليفه حتماً.