مفاوضات متعدّدة المسارات وكلمة السرّ حلب
ناصر قنديل
– كما عشية نهاية المهلة المقرّرة قبل عام للتفاوض على الملف النووي الإيراني جرى تمديد المهل، والتحدث مرة عن خلافات عميقة ومرات عن عقد تقنية يجري العمل على تذليلها، يجري اليوم في التفاوض الروسي الأميركي الذي يقول الكثيرون إنّ موضوعه ينحصر بإعلان هدنة إنسانية في حلب، وتشير كلّ الوقائع والكلام المسرّب من مواضيع التفاوض أنه على الأقلّ تفاوض لرسم إطار سياسي عسكري للتعاون في سورية، وهو تعاون يتضمّن عملياً عبر واشنطن وموسكو، شراكة كلّ حلفائهما، لكنه تفاوض على الأغلب سيطال خريطة نظام دولي جديد ونظام إقليمي جديد، فبدون رابط علني بهذا التفاوض، يجري التبشير بقمة تجمع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في موسكو، وفجأة يعلن عن تأجيلها من الموعد المعلن في التاسع من أيلول إلى موعد يعلن لاحقاً، وفقاً لنائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، من داخل بيت العنكبوت بعد لقائه رئيس حكومة الاحتلال.
– مثلما يجد بوغدانوف وقتاً للتحضير لقمة نتنياهو ـــ عباس، وهو في ذروة الانشغال بقضايا التفاوض التي كان يتابعها من طهران لحظة بلحظة، قبل سفره للقاء نتنياهو، يجد وزير الخارجية الأميركي جون كيري المعني بإدارة هذا التفاوض ثلاثة أيام يمضيها في جدة، لإنضاج مبادرة للحلّ السياسي، يستحصل على موافقة سعودية وخليجية ويمنية على اعتمادها، وتقوم على عكس الأولويات التقليدية السعودية التفاوضية، بتضمينها بداية تقوم على تشكيل حكومة موحدة شكلت دائماً مطلب الحوثيين الرئيسي، بينما مقابل كلّ ذلك تتعقد المفاوضات الأميركية الصينية الباكستانية الأفغانية المخصصة لرسم حدود وظيفة البرّ الأفغاني ما بعد الانسحاب الأميركي من هذا البرّ مطلع العام المقبل، ويطرح الأوروبيون مخاوفهم من مستقبل الوضع في أوكرانيا، وتطرح السعودية استعدادها لتنسيق السياسات النفطية مع روسيا بعد سنوات مما عرف بحرب الأسعار التي خاضتها الرياض لدفع موسكو نحو الإفلاس، ويعلن الرئيس التركي رجب أردوغان عن موقع جديد لتركيا قادر على إقامة التوازن في علاقاته مع كلّ من الغرب والشرق.
– ليس صعباً اكتشاف الرابط بين مسارات التفاوض المتعددة، عندما يعلن اللاعب المحوري في هذه المسارات مجتمعة، وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ختام قمة العشرين من الصين، أنّ اهتمامات روسيا المتعددة بملفات العالم السياسية والاقتصادية والأمنية، لا تلغي حقيقة أنّ سورية لا تزال في أولوية هذه الاهتمامات، كما لا يبدو صعباً اكتشاف استحالة بقاء العالم وسط التخبّط في هذه الملفات المتعددة في حال فراغ دون صياغة تفاهمات، تعبّر عن الإجماع على استحالة جدوى مواصلة الصراع حولها وفي قلبها، فلا القبول السعودي بخطة كيري لليمن صدفة ولا هي أمر عابر، ولا قبول عباس ونتنياهو بقمة تجمعهما في موسكو كذلك، ولا مصير سوق النفط العالمية بتتويج موسكو والرياض كمديرين عالميين لها، وبالتأكيد ليست واشنطن بوارد تأجيل انسحابها من أفغانستان كبديل وحيد لتفادي التفاهمات على ما بعده.
– كلّ ذلك يقول إنّ التفاهمات قادمة وبسرعة، وإنّ التعقيد الذي يؤخر الدخان الأبيض يرتبط بسورية وتعقيدات التفاهم حولها، خصوصاً في ضوء التراجعات التي أصابت الجماعات المسلحة في جنوب غرب حلب، بعد التوازن الذي نجحت بإقامته بالسيطرة على معبر الراموسة مقابل سيطرة الجيش السوري على معبر الكاستيلو، وهذا يعني حاجة واشنطن لمنح حلفائها، كما في مفاوضات الملف النووي، مهلة إضافية لاستعادة التوازن، لكن على طريقة الملف النووي أيضاً، لأسبوع بأسبوع، بينما يبشر الرئيس التركي بالإنجاز قبل عيد الأضحى، أيّ خلال هذا الأسبوع، ويضيف وزير خارجية ألمانيا التبشير بحلّ وشيك.
– إعداد منصات المسارات الأخرى يبدو في طريق الاكتمال والصفارة تنتظر الإشارة من الميدان السوري، الذي سيكون خلال أيام على موعد مع مواجهات ضارية سترسم وحدها، ومن حلب تحديداً، سائر عناوين المشهد، رغم ما حاولت التفجيرات التي استهدفت مجموعة مناطق سورية دفعة واحدة قوله عن قدرة الجماعات المسلحة على التحرك والضرب في وقت واحد في مناطق عدة، لأنّ ما يجدي الآن هو القدرة على تغيير خرائط الميدان وليس القدرة على القتل للقتل، والأنباء من ميادين حلب تقول إنّ الجيش السوري يواصل التقدّم نحو خان طومان، ولم يتوقف عند استرداد الكليات العسكرية وإغلاق معبر الراموسة، وأنّ الإنجازات تتابع لتنهي مهل الانتظار والفرص الممنوحة لتعديل التوازنات.