«إسرائيل» بعد الردّ السوري: «ماذا عن حزب الله وإيران في الجولان»؟
روزانا رمّال
لا تريد «إسرائيل» ان تتوقف الحرب في سورية من دون فهم تتمة المشهد، فالمجموعات المسلحة المدعومة منها تنهار على الحدود المحاذية لمواقعها العسكرية والبلدات المحتلة، وحزب الله وإيران يقبعان في الجولان وهي كانت قد بذلت جهداً لإثبات ذلك للعالم ونجحت في أن تؤكد ذلك عبر الاعتداء على القافلة التي تضمّ عناصر وقيادات من حزب الله بينهم نجل الشهيد عماد مغنية الشهيد جهاد وعميد إيراني. كان ذلك في لحظة أرادت فيها إيقاف التوجه الغربي نحو إيران وتوقف التقدّم نحو توقيع الاتفاق النووي الغربي مع طهران والاعتراف بها وبحقوقها.
تعيش «تل أبيب» اليوم ما عاشته عشية توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وما كانت قد جهدت في التشويش عليه يعاد اليوم، الإرباك نفسه واللحظات عينها والكرة تتدحرج وبات على «إسرائيل» التدخل مباشرة لإحداث فارق، السعي لإيقاف هدنة لم تكتشف حدود مصيرها بعد ولم تتلمّس معالم المرحلة الحدودية الجديدة فيها هو الهدف الأهمّ. اتفاق الهدنة على كامل الأرض السورية التي توصلت اليها كلّ من واشنطن وموسكو لم يتحدث عن استثناءات في القنيطرة عما يجري بين جبهة النصرة والقوات السورية، ولم يتحدث ايضاً عن موقع «إسرائيل» في هذا الإطار، وهذا يعني أنّ جبهة الجولان مفتوحة على الاحتمالات كافة.
في مرحلة سابقة من عمر الأزمة السورية، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد بشكل مباشر افتتاح مرحلة إعلان المقاومة الشعبية من الجولان وبهذا وضع «إسرائيل» أمام خط أحمر رسمته حكومة نتنياهو داخل الجولان، عندما عقدت اجتماعاً رمزياً هناك لاحقاً للردّ عبر إعلان عدم التخلي عن الجولان أو التهاون فيه. كان هذا عشية زيارات متعددة لنتنياهو ولرئيس الكيان رؤوفين ريفلين الى موسكو في رحلات استيضاح واستشراف الحلول الممكنة وما يمكن لروسيا أن تقدّمه من ضمانات.
بعض ما جرى كان متوقعاً بالنسبة للكثيرين ممن انتظروا انكشاف المشهد على مصراعيه أمام «إسرائيل» واضطرارها الى الدخول في لحظة مصيرية بشكل سافر باعتداء جوي في سورية لحماية ما تبقى من قوى النصرة المقاتلة.
مشكلة تل ابيب في أيّ تفاهم لا يضع مسألة الأمن الحدودي للمستوطنات الشمالية ومصير الجولان كواحد من بنود الاتفاق بين الأميركيين والروس قائمة، وهذا يعني أمرين أساسيين بالاتفاق: الأول تخلٍّ أميركي مفاجئ عن ضمان ما يمكن أن تكون عليه شكل المرحلة المقبلة في الجولان، وهذا مستبعَد، والثاني أن تكون واشنطن وموسكو قد تركتا المشهد مفتوحاً بحيث يمكن لسورية و«إسرائيل» رسم قواعد الاشتباك بما لا يأخذ الأمور نحو حرب فيدخل ملف الجولان في التسويات تلقائياً.
التعقيد الأبرز يكمن في تحوّل سوري قد يأخذ الأمور نحو حرب جدية لا يبدو أنّ «إسرائيل» تريدها بالشكل الذي تستعدّ له سورية، او على الاقل بالشكل الذي لا تمانع من وقوعه، فمجرد الردّ المباشر على ما شنّته مقاتلات «إسرائيلية» من غارات على مواقع للجيش السوري في الجولان، يؤكد على يقظة سورية غير مسبوقة أخرجت احتمالات التهاون بالتعديات «الإسرائيلية» وإضافتها الى باقة التعديات السابقة في سورية خلال الأزمة، وإذا كانت «اسرائيل» قد اختارت توقيتاً تجده مناسباً بعد إعلان الهدنة، فإنّ هذا الاختيار بدا ركيكاً بعد الردّ السوري الذي على ما يبدو كان مستبعَداً من قبل «تل أبيب» بعد الهدنة التي شكلت بحساباتها رادعاً للقيادة السورية بعدم تصعيد الأمور.
أثبتت سورية أنها لا تخلط الأمور وأنّ التصدي لـ«اسرائيل» له حساب آخر، لا بل بدت أنها استغلت الهدنة للردّ المناسب، والمعلومات أكدت سلفاً أنّ الجانب السوري أبلغ قبل أيام عدة الجانب الروسي بأنّ دمشق ستردّ على ايّ اعتداء «إسرائيلي».
مصدر مقرّب من القيادة السورية يقول لـ «البناء» «إنّ نفي «إسرائيل» إسقاط الطائرة الحربية وطائرة الاستطلاع يعني هروبها من التصعيد»، مؤكداً أن هذا ما كان ليحصل لو أنه جاء قبل التفاهم الروسي- الأميركي، ايّ انّ سورية لم تكن لتردّ وتسقط الطائرتين ولو حدث هذا، فإنّ «اسرائيل» كانت لتردّ بدل النفي، اما اليوم فالأمور مختلفة، الحرب هناك بالنسبة لـ«إسرائيل» هي حرب النصرة على الحدود، الجيش السوري يحقق إنجازات كبرى هناك ويستعمل التفاهم الأميركي – الروسي للقضاء على النصرة. يتابع المصدر «يعرف الاسرائيلي اليوم انّ التصعيد يضعه في خانة التشويش على التفاهم، وهو لا يقدر على المجاهرة بدفاعه عن النصرة، حيث تشكل «محور التفاهم» لذلك فإنّ التوقيت «السوري ذكي»، يختم المصدر.
تبدو معارك «الحدود» مصيرية في سورية لتثبيت الاتفاق وإنجاح الخطوة السياسية الكبرى لتبقى الحدود مع الكيان «الإسرائيلي» أخطرها وأشدّها قدرة على خلط الأمور لارتباطه بأمنه الذي تحرص عليه واشنطن.
الحديث عن استرخاء اميركي في هذا الملف ليس وارداً، وليس وارداً ايضاً بالنسبة لروسيا التي تستعدّ لاستقبال نتنياهو مجدداً «قريباً» أيضاً، فهي جزء من اتفاق تسعى لتكريس نجاحه، فهل تقدّم موسكو ما يكفي من ضمانات حضورها في المنطقة لحسم تواجد حزب الله وايران في الجولان؟ السؤال الإسرائيلي الأخطر: «مَن هو البديل الذي سيحلّ مكان النصرة»؟ وهل هذا يعني إمكانية أن تغطي روسيا ما يلزم ولو كان معركة محدودة الأهداف من أجل وضع ملف الجولان على الطاولة والبتّ فيه؟