تحرير فلسطين… يبدأ بتبنّي استراتيجية المقاومة
أسامة العرب
منذ النكبة لم يتبقّ من مساحة فلسطين التاريخية سوى 21 بالمئة فقط، ألا وهي الضفة الغربية التي تمّ ضمّها حينها إلى الإدارة الأردنية بموجب اتفاق أريحا عام 1949، بالإضافة إلى واحد وربع بالمئة منها أيضاً، ألا وهي غزة، التي جرى وضعها آنذاك تحت الإدارة المصرية، وإذا أضفنا إليها أيضاً الربع بالمئة من مساحة فلسطين، والتي هي مساحة القدس الشرقية، فلا تتعدّى المساحة المتبقية من فلسطين التاريخية سوى اثنين وعشرين ونصف بالمئة فقط من مساحتها الحقيقية، وهذه أقلّ من نصف المساحة التي أقرّتها الأمم المتحدة طبقاً لقرارها الجائر الرقم 181.
ومن ثم في عام 1967 جاءت النكسة الكبرى وقام الكيان الصهيوني باحتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة، وضاعت كلّ فلسطين وقسم من الأراضي العربية المجاورة، وجاء القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن يطالب إسرائيل بالانسحاب الكامل من جميع الأراضى التي احتلتها في 5 حزيران عام 1967، أيّ من الاثنين والعشرين والربع بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، بالإضافة إلى الأراضي العربية المحتلة، وحتى اليوم لم ينفذ هذا القرار لأنه ببساطة ليس هنالك ما يلزم إسرائيل بالتنفيذ لعدم خضوع القرار للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
والحقيقة المرّة، أنه منذ العام 1967، لجأت دولة الاحتلال إلى التوسع داخل حدود عام 67، عبر بناء المستوطنات، حيث تشير البيانات إلى أنّ عدد المستوطنين قد بلغ في نهاية العام 2011 في الضفة الغربية 537 ألف مستوطن، وحوالي 200 ألف مستوطن في القدس الشرقية. ولهذا، لجأ الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في بيان صحافي له بمناسبة ذكرى احتلال فلسطين للتأكيد على أنّ اليهود يسيطرون اليوم على أكثر من 85 بالمئة من أرض فلسطين التاريخية.
هذا عدا عن أنّ بناء جدار الفصل يخترق الضفة الغربية بما فيها القدس بطول يبلغ حوالي 731 كيلومتراً ويصادر حوالى 10 بالمئة إضافية من مساحة الضفة، أيّ اثنين ونصف بالمئة إضافية من مساحة فلسطين التاريخية. وفوق كلّ هذا يقيم الاحتلال نحو 85 نقطة تفتيش و572 حاجزاً في الطرق تتكفل وحدها بتحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم يومي. كما يقطن قطاع غزة حوالي 6429 مستوطناً، فيما تبلغ مساحة المستوطنات الصهيونية هناك حوالى 155 كيلومتراً مربعاً تقريباً، ومساحة المناطق المسماة بالمناطق الصفراء 16 كيلومتراً مربعاً والمناطق الأمنية 58 كيلومتراً مربعاً والمواقع العسكرية 3 كيلومترات مربعة، أما المناطق المجرفة التي كانت لأغراض توسعية صهيونية فتبلغ مساحتها 8 كيلومترات مربعة، وكلّ ذلك يشكل ما نسبته 40 تقريباً من مساحة القطاع البالغة 365 كيلومتراً مربعاً، أيّ نصف بالمئة إضافية من مساحة فلسطين التاريخية. ونجمع كلّ ذلك لنجد انّ ما تبقى لا يتعدّى 12 من مساحة فلسطين التاريخية، أيّ 3241 كيلومتراً مربعاً فقط من أصل «27000 كيلو متر مربع».
ومع كلّ ذلك لا يزال العدو الصهيوني رافضاً التفاوض مع الفلسطيني ما لم يعترف بيهودية الدولة الإسرائيلية ويتخلى عن المطالبة بحقه بالعودة، أيّ بمعنى آخر، فإنّ عليه أن يتنازل عن حق فلسطينيّي الشتات بالعودة إلى وطنهم ويستبدله بحق الصهاينة الأجانب بالعودة إليه، وكلّ ذلك تحت طائلة الاستمرار بسياسات التهويد والاستيطان بخطى ثابتة، بغية انتزاع ما يريده الإسرائيلي من الفلسطيني بالقوة.
أما عن المجازر التي لا تتضمّن ضحايا الحروب بين الكيان الصهيونى والبلاد العربية حتى اليوم والتي بلغ عددها حوالى نصف مليون شهيد، فحدّث ولا حرج: مجازر القدس، ومجازر حيفا، ومجازر بلد الشيخ، ومجزرة العباسية، مجزرة عرب الخصاص، ومجزرة الشيخ بريك، ومجازر يافا، ومجزرة السرايا القديمة، ومجزرة سميراميس، ومجزرة السرايا العربية، ومجازر الرملة، ومجزرة يازور، ومجزرة طيرة طولكرم، ومجزرة سعسع، ومجزرة الحسينية في صفد، ومجزرة حيّ أبو كبير، ومجزرة قطار حيفا، ومجزرة دير ياسين، ومجزرة قالونيا، ومجزرة اللجون في جنين، ومجزرة ناصر الدين، ومجازر طبرية، ومجازر عين الزيتون، ومجزرة صفد، ومجزرة أبو شوشة، ومجزرة بيت داراس، ومجزرة الطنطورة، ومجزرة جمزو، ومجزرتا اللد ومجزرة المجدل ومجازر الدوايمة ومجزرة عيلبون ومجزرة الحولة ومجزرة الدير والبعنة ومجزرة عرب المواسي ومجزرة مجد الكروم ومجزرة أبو زريق ومجزرة أم الشوف ومجزرة جيز ومجزرة وادي شوباش ومجازر عرب العزازمة في بئر سبع ومجزرة شرفات ومجازر بيت لحم ومجزرة بيت جالا ومجازر مخيم البريج ومجزرة قبية ومجزرة نحالين ومجازر دير أيوب ومجازر غزة ومجزرة قلقيلية ومجازر كفر قاسم ومجازر مخيم خان يونس ومجزرة السموع ومجازر رفح ومجازر الكرامة ومجازر الخليل ومجزرة الحرم القدسى ومجازر نابلس ومجزرة بيت ريما ومجزرة بلاطة ومجازر حي الدرج ومجزرة عجلين ومجزرة طوباس ومجازر حي الزيتون ومجازر مخيم جباليا ومجازر حي الشجاعية ومجزرة شريان القطاع ومجزرة مخيم عسكر ومجزرة اليضرات ومجزرة حي الصبرة ومجزرة حي الشيخ رضوان ومجزرة السعف ومجازر بيت لاهيا ومجزرة شفا عمرو…
وتأسيساً على ما تقدّم، يثبت لنا بشكل واضح أنّ الإرهاب الصهيوني يشكل آفة خطيرة وتهديداً مصيرياً ووجودياً لشعبنا وأمتنا، فهو لم يكتف بسرقة أراضي آبائنا وأجدادنا وبطرد شعبنا الأبي من وطنه، إلا أنه لا يزال مستمراً بسياساته التوسعية الاستيطانية وبجرائمه ومجازره العنصرية التي لا تعدّ ولا تحصى، رافضاً المساومة وتقديم التنازلات ومُصرّاً على التآمر علينا بشكل علني ومخزٍ، وذلك بهدف تقسيمنا إلى جزئيات اثنية وطائفية ومذهبية محكومة مباشرة من قبله.
لذلك، نتأكد أننا اليوم بحاجة إلى نهج المقاومة أكثر من أيّ يوم مضى، نحتاجه لتحرير أراضينا المحتلة ولإعادة الكرامات المفقودة ولردع غطرسة العدو الصهيوني عنا، لا سيما بعدما رسّخت انتصارات محور المقاومة صحة وصوابية هذا الخيار، وبرهنت أنه السبيل الوحيد لانتزاع الحقوق بدون تقديم التنازلات المذلّة، وللدفاع عن أراضينا وعن حرية شعوبنا، وبذلك أسقطت إلى غير رجعة، أوهام الواهمين الذين يهرولون بخزي نحو التطبيع المجاني مع العدو الصهيوني بما يشكل انحداراً للموقف العربي والإسلامي وتراجعاً عن ثوابت الأمة التي تقوم على أبجدية ثابتة هي أنّ العدو الصهيوني هو العدو المركزي لجماهير أمتنا الأبية وهو الذي يجب قتاله وتخليص فلسطين وشعبها من براثن احتلاله الغاشم.
ودعوتنا اليوم، إلى أن تنضوي كلّ قوى الأمة في جبهة شعبية واحدة وتنخرط في المعركة المصيرية بمواجهة منظومة الإرهاب الصهيوني المتشكلة من امبراطوريات مريضة وكيانات مصطنعة تهدف لتفتيت وتقسيم أمتنا ولتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي. وعموماً، فإنّ الميدان اليوم أدّى إلى إنتاج قطبين: الأول هو قطب مقاوم بوصلته الأولى والأخيرة فلسطين ووحدة الأوطان ومواجهة التوغّل الإسرائيلي إلى داخل أراضينا العربية والإسلامية، أما القطب الثاني فبوصلته طوي صفحة فلسطين والانخراط بمشاريع تفتيت منطقتنا وإقامة الكانتونات الإثنية والمذهبية المحكومة من تل أبيب. ولكن من اختار قضية فلسطين والخط الوطني الحر فسوف يكون مصيره النصر عاجلاً أم آجلاً، أما من اختار طوي القضية الفلسطينية المركزية وتفتيت الأوطان فسوف يكون مصيره العار والخزي، وسيأتي اليوم الموعود الذي ستتحرّر فيه فلسطين وأراضينا العربية المحتلة كافة، وسيندم المتخاذلون…
محام، نائب رئيس
الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً