نصف جواب أميركي لنصف هزيمة: إلى الهدنة دُرّ
محمد شادي توتونجي
بنصف جواب، أميركا تصنّف «جند الأقصى» إرهابياً، لتستبق لقاء كيري لافروف. نصف جواب، هو بمثابة نصف الهزيمة، بعد أن اضطرت إلى تصنيف «النصرة» إرهابية، إثر الإعلان عن التفاهم الروسي – الأميركي. وحاولت الخديعة مجدداً، فانفجر بالونها الاختباري، لصبر الحلف السوري – الروسي بعملها الإجرامي في دير الزور، برد قاسٍ من عمليات مشتركة للطيران السوري – الروسي في ريف حلب والقنيطرة ودير الزور ورسالة صاعقة على أجنحة صواريخ «كاليبر» بتدمير غرفة «الموك» في «دارة عزة»، التي كانت سداسية الأبعاد، باستهداف ثلاثين ضابطا استخباراتيا من ست دول: أميركا، بريطانيا، «إسرائيل»، تركيا، السعودية وقطر. التي لم تكتف روسيا بالقيام بها، فحسب، لكنها نشرت المعلومة والخبر اليقين وكانت قادرة على الاحتفاظ بها، جاعلة تلك الدول تبتلع الصفعة بسكون. لكنها أصرت على إظهارها لزيادة الضغط عليهم. ولم تستطع، تلك الدول، حتى إنكار الخبر أو تأكيده، لئلا تلتزم بردّ على هذا العمل، لأنها تعلم، يقيناً، بأنها ستكون عاجزة عن الرد على الرد، الذي ستكون نتيجته الحتمية حربا كونية لا يعلم أحدٌ ماهيتها.
تمّ استلام بريد الصورايخ. وردّ عليه ببريد ديبلوماسي، كان آخره ردّ كلام أوباما عن عدم إمكانية حلّ الأزمة في سورية عسكرياً. تلك الرسالة التي تعادل إنكسار كبيراً أمام الديبلوماسية العسكرية الروسية، التي عصفت بدوائر القرار الأميركي، الذي يعيش حالة من الفوضى الديبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية العارمة، غير المسبوقة بتاريخه، في وقت حرج من الانتخابات الرئاسية الأميركية. فهذه الرسالة التي أطلقها أوباما، كانت على طبقتين:
الأولى، موجهة للحلف السوري الروسي – الإيراني والقوات الحليفة، لطرق باب الهدنة من جديد. والتي أكد الناطق باسم الولايات المتحدة الأميركية، بان كي مون، أنها لم تمت. وأكد كلامه، هذا، كيري.
والطبقة الثانية، لصقور الحرب في أميركا وعلى رأسهم أشتون كارتر، وزير الدفاع الأميركي وصقوره في «البنتاغون» ووكالة الاستخبارت المركزية الأميركية، الذين كانت لهم اليد الطولى في إدارة الحرب في سورية والمنطقة، مع أدواتهم: من السعودية إلى تركيا، الذين حاربوا وعملوا بكل جهد على نسف الإتفاق الروسي – الأميركي، لقناعتهم بإمكانية حسم الحرب عسكرياً. وأظهروا عدم قدرة أوباما على حسم الملف، لأن أوباما فعلياُ، هو رئيس الولايات المتحدة الأميركية ورئيس وزرائها، حسب الدستور الأميركي، فكيري السياسي، الذي كان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، والذي أصبح وزير خارجية أوباما، يعتبر أن هذا الملف الذي وقعه وصنعه، هو ختام حياته السياسية ولا يريد أن يفشل به. بينما يدير أشتون كارتر، هذا الملف، على أساس أنه باكورة عمله في القيادة. الأمر الذي أظهر للعلن الفوضى السياسية والديبلوماسية والعسكرية، في الإدارة الأميركية مؤخراً، على مستوى العمل والتصريحات بين البيت الأبيض والإدارة العسكرية الأميركية. وما يؤكد هذا الكلام، هو الاجتماع المغلق الذي قاده أوباما مع لجنة الأمن القومي والدفاع الأميركية، قبل يومين، بعد ضرب دير الزور.
الأميركي يعلم جيداً أن هذه هي الفرصة الأخيرة له، بين نصف الهزيمة أو الخسارة الكاملة. نصف الهزيمة، شعارها إلى التفاهم مع الروسي وشعارها «إلى الهدنة در» وبداية الحل السياسي للحرب السورية، وفق شروط التحالف السوري – الروسي مع حلفائه. وهو يدرك اليوم، أنه يفاوض ويواجه بوتين المنتصر بحزبه «روسيا الموحدة»، بالغالبية الساحقة وبسيطرته على الرئاسة لولايات جديدة، ثابت الخطى. وقد أعلن النصر من يوم ضم جزيرة القرم. وها هو يثبت النصر بإدخال القرم في الانتخابات البرلمانية ويسحق كل الخصوم. أو أن يرضخ للصقور ويعرقل الحل وتكون الواقعة، لأن الحروب، عادة، لا تنتهي إلا بأمرين: فوز أحد المتحاربين، أو بإتفاقية، أو هدنة، أو مفاوضات، أياً كان اسمها. والحرب بينهما، هو القرار الممنوع عند كلا الطرفين.
كما أنّ الأميركي يقرأ ويفهم جيداً، عمليات القضم على المستويين السياسي والعسكري، بشكل متوازٍ ومدروس. فبمقدار ما يحقق الجيش العربي السوري وحلفاؤه، على مستوى الجغرافيا السورية وإلحاق الهزائم بالمجاميع الإرهابية وقياداتهم الدولية، على مستوى غرف «الموك» والدعم الفني واللوجستي والتسليحي والإمدادات بالمقاتلين وبقضم وهضم متدحرجين في أرياف دمشق وحلب واللاذقية وحماة وحمص ودير الزور والقنيطرة. بالمقدار ذاته، يتقدم الروسي ديبلوماسياً وسياسياً، في قيادة المفاوضات والحصول على التنازلات تباعاً.
وبالتالي، فإنّ ما يحدث اليوم في المفاوضات الروسية – الأميركية، ما هو إلا تنظيمٌ وترتيبٌ للانسحاب بنصف هزيمة لهم وانتصارٌ تامٌ كاملٌ لنا. نقول انتصارا تاما، لأن ما لم يستطيعوا أن يأخذوه على طول ما يقارب السنوات الست، من أعتى الحروب الكونية على سورية، لن يأخذوه عبر السياسة. وإنّ جلّ ما سيحصلون عليه هو ما كان عرضه الرئيس الأسد، من حوار سوري ـ سوري في دمشق وتشكيل حكومة موسعة تضمّ كلّ أطياف السوريين، فقط. وهو انتصار لكلّ السوريين، لأنّ الجميع هم أبناء هذه الأمّ. وعندها تكون الأمّ قد استعادت أبناءها إلى حضنها، وإنْ كانوا قد عقوها لمدة من الزمن.
وها هي الأمّ السورية اليوم، تعلن انتصاراتها بتلك المصالحات، التي تثبت فيها بأنّ الدولة السورية هي صاحبة اليد العليا. وهي التي تعفو عند المقدرة. وبأنها الأمّ الحاضنة لجميع أبنائها، مع قدرتها على العقاب الصارم.
في الختام، لا بدّ من توجيه كلمة لكلّ السوريين الذي صبروا وصابروا، بالقول، بأنّ ما نصرنا إلا صبر ساعة. وبأن زمن الهزائم قد ولى وآتى زمن الإنتصارات.