تركيا في سورية: لا يمكن اللعب في ملعب الكبار
د. هدى رزق
في خطابه عبر منصة الأمم المتحدة أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استيائه من ظلم النظام الدولي. لم يحاول أن يكون دبلوماسياً. كان شعبوياً كما هي الحال في أدائه السياسي المحلي. كانت معظم المقاعد الفارغة عندما قدّم خطابه الناري وتبيّن أنّ معظم زعماء العالم ليسوا مهتمّين بمضمون الخطاب الذي ألقاه والذي اتسق مع رسالة سبق ووجهها إلى الإدارة الأميركية في طريقه الى نيويورك. ايّ حول الهدف من الاستيلاء على تل ابيض من يد داعش وتسليمها الى وحدات الحماية الكردية وربطها مع عفرين، حيث إنه يمكن أن تصل إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط.
تحدث الرئيس التركي عن الأكراد والهدف من ربط ثلاثة كانتونات: القامشلي وكوباني وعفرين، لتشكيل منطقة تمتدّ من الحدود السورية مع العراق وتركيا في الشرق إلى الحدود السورية التركية في الغرب.. وقال إنّ منبج هي للعرب. اما الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف فتصرفوا كما لو انّ منبج تنتمي الى وحدات الحماية الكردية وهذا خطأ بالرغم من هذا الخطاب.
تستعدّ تركيا الآن للمرحلة المقبلة من عملية درع الفرات ، التي تتضمّن الانتقال جنوباً ضدّ معقل داعش في الباب. لن يكون تحرير الباب سهلاً بل سيكون أكثر صعوبة من جرابلس من أجل القضاء على داعش، لذلك سيتطلب الأمر تعاوناً مع الولايات المتحدة وإرسال خبراء على الأرض والتعاون في القصف الجوي.
برزت مؤشرات التعاون الأسبوع الماضي، عندما احتجّ بعض عناصر من الجيش الحرّ على وجود القوات الأميركية الخاصة مع القوات التركية في مدينة الراي ووجّهوا لهم الشتائم وطالبوهم بالانسحاب.
كان الحادث محرجاً لتركيا لأنها كانت تعلن انّ الجيش الحر يعتبر من القوى المعتدلة، لكن تصرف هؤلاء أعطى انطباعاً معاكساً . تراجع الجنود الاميركيون الذين لا يتجاوز عددهم 30 جندياً، لكنهم ما لبثوا ان عادوا في وقت لاحق بعد تدخل الجيش التركي ما أزعج الجيش الحر الذي احتجّ قسم منه وانسحب من أجل الانضمام إلى جبهة النصرة، التي أصبح اسمها فتح الشام، التي تعتبرها كلّ من واشنطن وأنقرة منظمة إرهابية.
اورد الجيش التركي في بيان له بعد الحادث أنّ القوات الأميركية هي ضمن قوات التحالف التي تساعد القوات التركية في العمليات التي تجري بين اعزاز والراي شمال سورية.
وعلّق المتحدث باسم البنتاغون على الحادثة أنّ تركيا هي من طلب القوات الخاصة الأميركية لـ كون الولايات المتحدة تعمل مع القوات التركية والمعارضة السورية تقدم المشورة والمساعدة .
وكان الرئيس التركي قد اعتبر بعد الحادث انّ موقف الولايات المتحدة من الجيش الحر هو الذي أدّى الى هذه الحادثة، وذلك قبل توجهه إلى نيويورك، في اشارة الى الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة حول الأكراد في سورية، لكن مع ذلك تعتمد تركيا على دعم الولايات المتحدة في توجهها جنوباً نحو الباب.
الولايات المتحدة ليست متحمّسة تجاه فكرة إنشاء المنطقة الآمنة. ويقول المحللون العسكريون إنّ تركيا لا يمكنها تأمين هذه المنطقة حسب رؤية أردوغان لأنّ الأمر سيتطلّب نشر الآلاف من الجنود الأتراك في سورية لسنوات عدة. وهذا سيكون متعذراً .
كذلك لا يمكن لأنقرة أن تقوم بعملية عسكرية في الباب من دون دعم الولايات المتحدة، لهذا السبب طلبت من القوات الأميركية المساعدة، لا سيما أنها معركة محفوفة بالخطر وذات تكلفة عالية.
أما الجيش الحر غير القادر على القيام بأية معركة من دون دعم تركيا فلا يمكن الاعتماد عليه كقوة قادرة على الصمود في معركة الباب من دون أن تدعمه الولايات المتحدة وقوات سورية الديمقراطية والتي تتألّف بمعظمها من مقاتلي وحدات الحماية الكردية التي أعربت عن عزمها على القتال في الباب، لكن لا يبدو أنّ الولايات المتحدة متحمّسة لذلك.
فالعملية العسكرية التركية في سورية تتمّ بموافقة واشنطن. أما فرص المواجهة بين وحدات الحماية الكردية والجيش التركي، فهي غير محتملة وتقلّصت إلى حدّ كبير، فتركيا تريد من القوات الأميركية أن تكون ضمن قواتها الخاصة في سورية من أجل منع الاحتكاك والمواجهة بين وحدات الحماية الكردية والجيش التركي.
يبدو أنّ تركيا، قد تخلّت عن قتال الأكراد والمطالبة بانسحابهم من منبج الاستراتيجية التي حرّرها الأكراد من داعش هذا الصيف، ولأنّ معركة طردهم من منبج يمكن أن تأتي بنتائج عكسية لتركيا، نظراً لأنه من الواضح أنّ الولايات المتحدة في هذه المرحلة لن تتخلى عن دعمها لهذه المجموعة، التي تتمتع أيضاً بقدر من الدعم من روسيا.
وعليه، يمكن للدعم الدولي الذي تلقّاه درع الفرات أن يسقط مما يوحي بأنّ التركيز على تحرير الباب له الأولوية، وهذا يمهّد الطريق إلى حلب، ويمكن أن يشكل هدفاً استراتيجياً لتركيا أكثر بكثير من حلفائها.
وفيما كانت تركيا وروسيا قد قرّرتا إقامة خط ساخن بعدما تمّ تطبيع العلاقات بينهما، جاء الاجتماع في أنقرة بين القادة العسكريين غيراسيموف وخلوصي عكر لكي ينشط الموضوع من جهة وليطرح ملاحظات. فالروس يعتقدون أنّ تركيا، بعد دخولها سورية بضوء أخضر من موسكو، قد تجاوزت الحدود المتفق عليها للعملية. وكان الجنرال الروسي غيراسيموف قد أبلغ رئيس الأركان العامة التركي خلوصي عكر أنّ عمليات الجيش التركي في سورية قد انتهكت القانون الدولي. وهو حذّر من أنّ التوسع في هذه العملية يمكن أن تكون له مخاطر سياسية وعسكرية. جاء التحذير الروسي في أعقاب الاقتراح الأميركي الرئيس باراك أوباما إلى أردوغان من أجل القيام بعملية مشتركة ضدّ الرقة.
أراد الجنرال الروسي معرفة الأبعاد التنفيذية للعملية، لكن الجنرال خلوصي قد أبلغه أنّ تركيا تفضل السلامة الإقليمية لسورية، وأنّ عملية الدرع الفرات تهدف إلى ضمان أمن الحدود التركية.
أبلغت روسيا تركيا أنّ جميع العمليات التي تقوم بها من دون علم وموافقة الحكومة السورية ستعتبر بوصفها انتهاكاً للقانون الدولي.
لا يمكن لروسيا أن تعدّل موقفها الراسخ لصالح العلاقات مع تركيا، ولا يحتمل أن تقف موسكو وتشاهد تركيا وهي تدعم المجموعات المسلحة ضدّ الجيش السوري، الذي يكسب بدعم روسيا في جميع أنحاء حلب.
فالتقارب بين تركيا وروسيا بحاجة الى أكثر من خط ساخن، إذ يتطلب من أنقرة تغيير موقفها تجاه بعض جماعات المعارضة السورية. لكن لا دليل على هذا الأمر لغاية اليوم. لكن يبدو انّ المحادثات طالت موضوع البحر الاسود الذي يشغل الروس في حين أنّ الامور أوضح بالنسبة الى سورية، حيث تعي تركيا أنّ اللعب في الملعب السوري لم يعد متاحاً، ومهمتها اليوم المشاركة في التخلص من داعش وليس صنع السياسات التي تقوم بها الدول الكبرى بالرغم من خطاب التظلّم…