الموصل العراقية.. وبـ «عشيقة» أردوغان!
نظام مارديني
في وقت تقترب معركة تحرير الموصل من داعش، تتعالى الأصوات النشاز من هنا وهناك في محاولة مكشوفة لفرض إملاءاتها على الوضع الداخلي في العراق، وهو ما يكشف، في الواقع، عن حقيقة التدخل التركي في لعبة الصراعات المذهبية التي شهدتها البلاد. وقد جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة مع قناة العربية السعودية بضرورة أن تكون الموصل للعرب السنة، والكرد السنة، والتركمان السنة فقط، كجزء من هذه اللعبة الخطيرة التي تعتمد تقسيم العراق على تلك الأسس المذهبية البغيضة، ذلك أن الجميع يعرف ما يقوم به نظام أردوغان الأخواني من خدمات في دعم الإرهاب الداعشي، بعدما جعل تركيا ممراً لتسريب هذه العصابات الإرهابية إلى العراق وسورية، مستفيداً من الدعم الأميركي واموال البترودولار، وهو لذلك رأى في وقت سابق «ان الخليجيين والأتراك لا ينبغي أن يكتفوا بالمراقبة وأن عليهم المشاركة هذه المرة في معركة تحرير الموصل»!
فالتدخل العسكري التركي الاحتلالي أخذ أشكالاً وأساليب عدة، منها التوغل العسكري داخل الأراضي العراقية ومنها إصدار التشريعات لتمديد هذا الوجود وتسويغ شرعيته فوق الاراضي العراقية، ومنها إطلاق تصريحات من هنا وهنا وهي أشبه ببالونات اختبار وجس نبض الشارع العراقي الذي لم يتأخر حسم موقفه باعتباره الوجود العسكري التركي احتلالاً.
إن التدخلات التي يقوم بها نظام أردوغان في الشؤون الداخلية للعراق وارسال وحدات من الجيش التركي إلى ناحية بعشيقة تابعة لقضاء الموصل بمحافظة نينوى شمالي العراق، تقع على بعد 12 كيلومتراً شمال غرب مدينة الموصل، سيطر عليها تنظيم داعش في صيف 2014، مما دفع بأغلب سكانها إلى النزوح إلى محافظة دهوك في «إقليم كردستان» ، بالاتفاق مع رئيس «إقليم كردستان» مسعود البرزاني ومحافظ المدينة الفار أثيل النجيفي، من دون موافقة أو أذن من حكومة العراق.
إن دخول القوات التركية عدا كونه يشكل احتلالاً، فهو يكشف الدور المتآمر للبرزاني في اللعب بالأجندة المذهبية في العراق، وإلا كيف يطالب أردوغان بأن تكون الموصل للسنة أكراد وعرب وتركمان فقط، وهي محافظة عراقية وليست تركية؟ وبأي حق يفرض أردوغان إملاءاته على البلاد بشأن الموصل، وهي لجميع العراقيين؟ ولماذا تأخرت الحكومة العراقية عن التجاوزات التركية منذ سنة تقريباً، ولم تتقدّم بشكوى على الأقل الى مجلس الامن إلا أمس؟
لا شك في أن تصريحات أردوغان تعتبر سائبة ولا أثر لها من دون التنسيق مع الجانب الأميركي والسعودي، وهي لما بعد التحرير وليس لما قبله أو أثناءه، ويُعدّها المراقبون طوق نجاة لداعش بما تسبّبه من إثارة للفرقة بين مكوّنات المجتمع العراقي المشاركة في قتال التنظيم. وفي هذا السياق نتساءل عن السر الكامن وراء أطلاق رئيس وزراء تركيا بن علي يلدريم تحذيراته مما سمّاها «اشتباكات طائفية جديدة» في العراق بعد معركة تحرير الموصل!؟
ستبقى التصريحات التركية المكثفة والمضطربة تشبه كيساً من قيح يود الانفجار أو يحتاج لعمل ثقب فيه كي يندلق شيئاً فشيئاً عسى أن ينتهي ويُرمى بأقرب ناصية تملؤها أكداس القمامة، فهل سيخفّف أردوغان من الصورة القاتمة والمعقدة ويطالب بانسحاب القوات التركية من بـ «عشيقته»؟
أردوغان الذي نصفه دونكيشوت ونصفه الآخر مكيافيلي.. وصفه المستشرق الفرنسي «اوليفيه روا» بـ «الراقص فوق جثث كثيرة».