سيناريو واشنطن بعد دير الزور «معلومة خاطئة» جديدة في اليمن؟
روزانا رمَّال
ليس بوارد المملكة العربية السعودية التي عبّرت عن استعدادها إجراء تحقيق بالاشتراك مع الأميركيين في مجزرة «الصالة» باليمن الاعتراف بأنّ ما جرى هو إحدى العمليات المدروسة التي كانت تستهدف قتل مسؤولين يمنيين موالين للرئيس علي عبدالله صالح والحوثي ممن كانوا يتواجدون في الحشد، وليس بوارد المملكة الاعتراف بأنّ خطأ استخبارياً أدّى الى الخروج بحصيلة إنسانية كارثية لا تغيّر من حسابات الحرب أو نتائجها بعدما كانت تتوخى اغتيال القيادات على ما أعلمتها استخباراتها التي «أخفقت» حكماً في حتمية تواجدهم في ذلك المكان لتأدية واجب العزاء، فتنتهي الحرب بالضربة القاضية كما كان مفترضاً، ليُطرح السؤال عن مصدر المعلومات السعودية ومَن الذي قدّمها للقيادة العسكرية، وعما إذا كانت قد وقعت جراء خطأ، حسبما بدأت بالترويج، وإذا كان الخطأ ناتجاً عن إخفاق استخباري مع الحلفاء فمن عساها تكون الجهة المروّجة لمصدر المعلومة الخاطئة وضمن أيّ إطار توضع؟
الحلف العربي الذي يشارك المملكة الحرب على اليمن بالتعاون مع غرفة عمليات أميركية خليجية مشتركة يتحمّل مسؤولية الذي جرى أمنياً، وايّ تحقيق ستباشر اليه المملكة حسبما أعلنت تهرّباً من الكارثة يعني أنّ جهة من استخبارات التحالف مسؤولة عن المعلومة الخاطئة المفترضة، وهنا فإنّ هذا الحديث لا يعني أنّ الرياض براء من الجريمة، بل هو تأكيد على انقيادها للغرفة الأمنية السوداء، وثانياً دليل على استعدادها السريع لتنفيذ جرائم بهذا الحجم، بغضّ النظر عن هوية الحضور ومراكزهم الأمنية.
ربما يؤخذ على الشعب اليمني اعتباره أنّ للحرب حدوداً ومحاذير، كما هو معترف دولياً، وان هناك اصوات واعتراضات ستمنع أيّ تجاوز من هذا النوع، وانّ الرياض التي تخشى ان يتطوّر مفهوم رعايتها للإرهاب اليوم بعد إقرار قانون «جاستا» الأميركي، ستبتعد عن كلّ ما يدينها دولياً، وستحاول استخلاص العبر، لكي تثبت للعالم أنها ليست كذلك. الإخفاق الاستخباري الذي وقع في صنعاء وأدّى لوقوع 700 بين شهيد وجريح يأخذ الى خطأ آخر نفذته الطائرات الأميركية في سورية لدى قصفها مواقع للجيش في دير الزور ويأخذ معها إلى حسابات سياسية تحرك من وراء العمليتين قد تتعلّقان بنيات تفاوض مقبلة تدعو في الحالة الأولى الى التنسيق بين واشنطن وروسيا، وفي الحالة الثانية الى الحوار بين الطرف الموالي للرياض والمعارض لها لإيقاف الحرب. هذا واحد من السيناريوات الأميركية المفترضة في لحظة تسارع التطوارت بالمنطقة حيث لا قدرة على فك ارتباط الجبهات.
عملياً، حصلت المملكة العربية السعودية على غطاء أميركي دولي لتنفيذ الغارة الاستثنائية التي لا يمكن أن تكون ارتجالاً سعودياً فيستحيل تنفيذ هذه الإبادة الجماعية من دون ضوء أخضر دولي قادر على إنقاذ المشهد بعد أن تحقق الغارة هدفها. وهنا فإنّ الهدف الذي يؤخذ اليه العارفون بالسلوك الأميركي «الإسرائيلي»، بالاستناد الى خطوات مشابهة تاريخياً، يؤكد انّ الهدف من هذه الغارة الإعلان عن عجز استكمال الحرب ورغبة باللجوء الى المفاوضات بالحالتين: فإما ان يتحقق الهدف المنشود وتنجح الاستخبارات بالقضاء على السيد عبد الملك الحوثي قائد حركة انصار الله والمسؤولين المفترضين في الاولى، فتنتهي الحرب بضربة قاسمة لصالح السعودية، واما ان تحقق السعودية أعلى نسبة ممكنة من عدد الضحايا فيهتز الضمير الدولي وتؤخذ قسراً نحو التهدئة والتسوية بفعل الضغوط، فترتضي المملكة بالجلوس الى طاولة الحلّ التي تستجديها دون الظهور بمظهر المنهار، خصوصاً بعد آخر ضربة لسفينة البحرية الإماراتية على يد الحوثيين، حيث يروّج أنّ غارة صنعاء أتت رداً عليها. وهو ما ليس دقيقاً كهدف إجمالي.
السياسة نفسها اعتمدت «إسرائيلياً» وأميركياً، وهي غالباً ما تُعتمد كمخارج نتيجة العجز عن أخذ الحرب الى وجهة محدّدة. وقد انتهجتها تل أبيب لدى قرارها استهداف تجمع المواطنين الذين لجأوا الى مقرّ الأمم المتحدة للاحتماء من القصف «الإسرائيلي» في مجزرة قانا في لبنان عام 1996، وكانت تدرك حينها عبر استخباراتها أنّ كلّ من يتواجدون هم مواطنون عزل من النساء والاطفال، لكنها كانت تعتبر انها فرصتها للهروب من الفشل، وحينها دعا المجتمع الدولي لوقف فوري لإطلاق النار وأخذت الأمور نحو تهدئة تدريجية.
مجزرة قانا التي كانت كبش الفداء تحضر مجدّداً في مجزرة الصالة باليمن، وقد نجحت «إسرائيل» بتعميم تجربتها وبالقدرة على كسر حاجز الردع بين ارتكاب جرائم من هذا النوع وبين هوية المستهدف. وهذا كفيل بترجمة حجم العداء الكبير والكراهية التي تمأسست لكلّ حليف لإيران بالخليج والمنطقة، خصوصاً لمن يحاول المشاركة بالحكم باليمن.
منذ فترة ولا تعير السعودية اهتماماً كبيراً لأيّ اتهامات لها حول علاقة مباشرة مع «إسرائيل»، ولا تردّ حتى على ما بثته القنوات العالمية من تقارير ومشاهد لمسؤوليها بحضرة المسؤولين «الإسرائيليين» مثل أنور عشقي وتركي الفيصل، وها هي قد تفوّقت على «إسرائيل» بحصد هذا الرقم المهول من الشهداء، وهذا لا يمرّ بدون تفسير حجم التمادي المسموح للمملكة تحت عين المجتمع الدولي برمّته. تقف الرياض وتعلن جهوزيتها إجراء تحقيق في ما جرى بالاشتراك مع الأميركيين، وهو الغطاء نفسه الذي أسس للغارة ولأخذ الصراع نحو مرحلة مختلفة بعد استنفاد الفرص وانعدام القدرة على حسمها، فهل تكون «الصالة» قانا الجديدة وكبش الفداء؟