هل تستعيدُ مصر دورها؟
عامر نعيم الياس
أعلنت الوكالة العربية السورية للأنباء «سانا» نبأ زيارة قام بها وفد أمني رفيع المستوى برئاسة رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك إلى القاهرة التقى خلالها مسؤولين مصريين على رأسهم نائب رئيس جهاز الأمن القومي المصري، وتمّ الاتفاق خلال الزيارة على تعزيز «التنسيق السياسي والتعاون في مكافحة الإرهاب».
الموقف المصري من سورية قبل هذه الفترة كان يقوم على جملة ثوابت تتطابق مع الموقف السوري المعلن دبلوماسياً لخطوات حلّ الأزمة من الحفاظ على وحدة سورية، إلى الحفاظ على هوية الجيش السوري وعقيدته، مروراً بمحاربة الإرهاب، وحق تقرير السوريين مصيرهم بنفسهم، موقف يختلف جذرياً عن الموقف السعودي الخليجي من سورية، لكن ما الذي حدث اليوم ليتمّ الإعلان عن زيارة بهذا الحجم تعتبر خطوة بارزة على طريق إعادة الدفء رسمياً إلى العلاقات الثنائية بين الدولتين؟
في الأسباب يمكن رصد التنافر السعودي المصري الذي لم يصل إلى حدّ القطيعة ولا يتوقع له أن يصل إلى هذا الحدّ، في ما يخصّ الموقف الدولي الأممي من سورية، أيّ التصويت المصري على مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن، مع أنّ القاهرة صوتت على مشروع القرار الفرنسي، حيث تمّ قطع إمدادات النفط المتّفق عليها مع القاهرة، التي أعلنت فوراً عن مناقصة دولية لتعويض النفط السعودي، وسط تسريبات إعلامية بانتقادات سعودية قاسية وجّهت لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، هذا الأمر طرح إشكالية علاقة مصر مع حلفائها السعوديين وحتى الأميركيين الذين لم يتوقفوا والغرب عن انتقاد مصر السيسي فماذا عن أسباب النفور المصري؟
بالنسبة للولايات المتّحدة والغرب، يستمرّ اللعب وفق خطة إضعاف الدولة المصرية المركزية، وفتح العلاقات الأميركية مع الأقطاب في مصر على مصراعيها خاصةً مع جماعة الإخوان المسلمين، وفق النمط اللبناني الذي في أحسن أحواله يضع الدولة بممثليها على قدم المساواة مع الزعماء السياسيين المحليين والأفرقاء المعارضين لها، هذا الأمر يقلق الرئيس المصري أكثر من غيره في ظلّ استمرار الإعلام الغربي بوصف ما قام به، عندما أزاح الإخوان بدعم من الشعب المصري، بأنه «انقلاب».
أما بالنسبة للعلاقات مع الخليج وتحديداً السعودية يلاحظ إصرار الرياض على استجلاب موقف مؤيد للسياسات السعودية في الملف السوري يضرب عرض الحائط أولويات الأمن القومي المصري، ويضع مصر في مظهر الدولة المؤيدة لتفتيت سورية وإدارة صراع «طائفي» مع إيران وفق الرؤية السعودية السياسية وحتى الإعلامية، دون منح القاهرة أيّ ثمن مقابل ذلك، حيث يلاحظ في مرحلة الملك سلمان بن عبد العزيز وجود افتراق جوهري في سياسات الرياض بالنسبة لتحالفات الإقليم عن الملك السابق عبدالله بن عبد العزيز، ايّ العلاقة مع أنقرة والدوحة، تلك العلاقة التي أرادت القاهرة تسخيرها من أجل استخدام تأثير الرياض في ترشيد سلوك أنقرة والدوحة العدائي تجاه مصر في ملفات شكل النظام المصري، والعلاقة مع حركة «الإخوان المسلمين» المحظورة في مصر، لكن السياسة في عهد سلمان تختلف عن السياسة في عهد الملك عبدالله، وهذا يعدّ عاملاً إضافياً يساهم في الدفع نحو بلورة موقف مصري جديد من قضايا المنطقة، يمكن رصده عبر استقبال اللواء علي مملوك، والمناورات الروسية المصرية المشتركة في البحر المتوسط، والتسريبات عن زيارة وفد أمني سعودي إلى القاهرة بالتزامن مع زيارة الوفد السوري، فهل يستمرّ التحوّل المصري وتستعيد القاهرة جزءاً من دورها في العالم العربي بإرادة المحور المواجه للمحور الأميركي في المنطقة؟
كاتب ومترجم سوري