احتمالات ما بعد الموصل والرقة: دولة أشباح تحت الأرض وخلايا نائمة وذئاب منفردة
ميشيل حنا الحاج
لم تكن هناك مفاجأة كبرى في صدور تهديدات أبو محمد العدناني، الناطق باسم «الدولة الإسلامية»، في رسالته الصوتية التي وجهها في شهر حزيران 2016 بمناسبة اقتراب شهر رمضان، منذرة الدول الغربية ودول أخرى، بتوقع مزيد من الهجمات ضدها… فهذه التهديدات، لا ينبغي أن تكون مفاجئة تماماً على ضوء التراجعات المتواصلة في قدرات «الدولة الإسلامية» المتمثلة في تقلص تدريجي للمساحة الجغرافية، أيّ الأراضي التي تسيطر عليها الدولة، سواء في سورية أو في العراق، نتيجة التنافس بين روسيا وأميركا، في قصفها أو مهاجمتها للدولة، وهو التنافس الذي تدخلت فيه الآن تركيا أيضاً. فالأرجح أنّ هذه التهديدات، قد جاءت بعد لجوء الدولة لتقييم موضوعي للواقع القائم، ولاحتمالات المستقبل على ضوء الواقع الجديد الآخذ في التبلور، في كلّ من العراق وسورية بعد خسارتها على الصيد العراقي محافظتي الأنبار وصلاح الدين، واقتراب خسارتها للموصل، وخسارتها على الصعيد السوري لكلّ من تدمر والشيخ مسكين ومضايا وغيرها من مناطق الغوطة الدمشقية، ومساحات واسعة في شمال العراق، حيث اضطرت لمغادرة منبج وجرابلس ولاحقاً دابق، إضافة للمعركة المحتدمة في حلب والتي أدّت لخروج «داعش» منها، واقتراب خروج جبهة النصرة ومسلحين آخرين منها.
ومن منطلق هذه الخسائر الجغرافية الواسعة لداعش، والتي باتت معالمها تلوح في الأفق منذ ثلاثة أشهر، لم ينبغ أن يبدو بيان ابو محمد العدناني مفاجئاً لأحد. والواقع أنني شخصيا لم أفاجأ به، ليس لأنني كنت أحاول قراءة ما يدور في خلد أبو محمد العدناني وقيادة «الدولة الإسلامية»، بل لأنني في حقيقة الأمر، لم أكن إلا مقدّراً ومراجعاً لكلّ الاحتمالات المتاحة أمام داعش، بما فيها الاحتمالات الصغيرة والهامشية، الى جانب الاحتمالات الكبرى، ووجدت أن مزيدا من الهجمات في أوروبا في الوقت الحاضر، وفي ظل الظروف القائمة حاليا، هو الحل المؤقت والمتاح أمام الدولة للحفاظ على بقائها حية في أذهان مريديها ومناصريها، وحتى في عيون المعجبين بها ولو عن بعد أيّ الذئاب المنفردة ، على أن تنفذ هذه الهجمات من قبل خلايا «الدولة الإسلامية» النائمة في أوروبا وربما في أميركا، أو من خلال ذئاب منفردة باتت «الدولة الإسلامية» تركز الآن على تشجيعها على التحرك انتصاراً لها.
أما الدهشة الحقيقية، فقد تمثلت بعدم الاستجابة الفعلية، أو الفورية على الأقلّ لتلك الاستغاثة الحارة. فعلى أرض الواقع، لم تنفذ عمليات تذكر خلال شهر رمضان كما كان متوقعاً.
المفاجأة الفعلية إذن، كانت عندما لم تنفذ الذئاب المنفردة في شهر رمضان الا عمليتين، احداهما كانت مميّزة بدمويتها، وهي عملية أورلاندو التي حصدت 49 قتيلاً، ثم عملية دكا في بنغلاديش، الدولة المسلمة ، والتي حصدت 24 ضحية، وبدت كأنها الاستجابة الوحيدة الفعلية والمتأثرة بما كان مخططاً لشهر رمضان.
أما الفترة التي تلت شهر رمضان، فتلك كانت المرحلة التي استعر فيها كما يبدو، التوجه الفعلي لنصرة «الدولة الإسلامية». اذ وقعت خلالها في شهر تموز/ يوليو سبع عمليات، واحدة منها كانت عملية كبرى تمثلت بعملية الدهس في مدينة نيس الفرنسية والتي حصدت 85 قتيلاً، وتبعتها أربع عمليات متتابعة في أسبوع واحد، نفذت جميعها للمرة الأولى في ألمانيا، وبعدها عملية أخرى في كنيسة سان اتيان بفرنسا، وسابعة في أميركا… في موقع «باتون روج».
والأغرب في الأمر، أنّ سلسلة من عمليات الذئاب المنفردة قد نفذت لاحقاً أيضاً في شهر أيلول/ سبتمبر ، أربعة منها على الأقلّ، نفذت على الأراضي الأميركية، وفي أربع ولايات أميركية مختلفة هي نيويورك، نيو جيرزي، منيسوتا وولاية واشنطن، فكأنّ هذا الانتشار الذي يبدو مدروساً في مواقع العمليات عبر الولايات المتحدة من شرقها حيث ولاية نيويورك، الى غربها حيث ولاية واشنطن، انما يشكل رسالة قد تكون واضحة، بأنّ إرهاب «الدولة الإسلامية» عبر ذئابها المنفردة، سيطال الولايات المتحدة أيضاً، وليس الدول الأوروبية فحسب.
ولكن ما يلفت النظر حقاً، أنّ عمليات الذئاب المنفردة التي حثّ عليها أبو محمد العدناني، قد نفذت فعلاً، رغم تأخرها لما بعد انقضاء شهر رمضان. وبعضها تحقق قبل مقتل أبو محمد العدناني بأيام قليلة، حيث جرى اغتياله بإغارة من إحدى الطائرات في نهايات شهر آب 2016، كما نفذ بعضها في الولايات المتحدة بالذات بعد اغتياله، وهي العمليات التي نفذت في شهر أيلول، وكان عددها أربع هجمات في ولايات أميركية متفرقة في طول البلاد وعرضها.
نزاع الجولاني والبغدادي
لكن لجوء قيادة «الدولة الإسلامية» لإعادة تقييم الموقف بعد خسائرها في المساحة الجغرافية، لم يقتصر على كيفية تفعيل العمليات الخارجية، سواء عبر الخلايا النائمة أو من خلال الذئاب المنفردة، للحفاظ على التوازن والصورة الباهرة التي رسمتها لنفسها، بل امتدّ ليشمل الحاجة لموقع جديد لقيادة «الدولة الإسلامية»، على ضوء الاحتمالات التي تزداد وضوحاً يوماً بعد آخر، بخصوص ترجيح خسارتها في القريب، ربما غير العاجل، لموقع قيادتها أيضاً، اذا ما خسرت لاحقاً كلا من الموصل والرقة، كما توحي مجريات الحرب، وما تهدّد به الولايات المتحدة وغيرها، كالعراق وسورية. فالأمر لا يبدو أنه سيقتصر على مجرد خسارة بعض المساحات الجغرافية، اذ أنه يمهّد لاحتمال خسارة كلّ المساحات الجغراية التي تسيطر عليها «الدولة الإسلامية» في هذه المنطقة، بما فيها مواقع القيادة ذاتها.
ورغم أنّ قضية اختيار موقع جديد للقيادة، ليس مستعجلاً بالضرورة، فالمرجح أنّ دراسة للتعامل مع هذا الاحتمال، قائمة على قدم وساق، ورسمت لها عدة خيارات، أولها التصالح مع جبهة النصرة جيش فتح الشام ، ونقل القيادة الى إدلب. ولكن هذا الاحتمال ينطوي على خضوع أبو بكر البغدادي، المعلن من قبل «الدولة الإسلامية» خليفة للمسلمين، لقيادة أبو محمد الجولاني، قائد «جيش فتح الشام»، والذي نشب خصام مرير بينهما في السابق، منذ ثلاثة أعوام. وكان سبب الخلاف، نزاع بينهما على موقع القيادة، عندما كانا يعملان معاً كجبهة واحدة، نظراً لانتماء كليهما – آنئذ – لتنظيم القاعدة. ومن أجل ذلك، يرجح أنه قد تمّ استبعاد الانتقال الى إدلب، باعتباره احتمالاً غير قابل للتحقق، بدون إثارة نزاعات دموية بين الطرفين: داعش والنصرة.
وطرحت أيضاً، كما يقدّر البعض، في معرض استعراض كل الاحتمالات، إمكانية انتقال القيادة الى أفغانستان، ليس للعودة للانضواء تحت جناح تنظيم القاعدة التي كانت «الدولة» سابقاً جزءاً من تشكيلاتها، بل لممارسة القيادة انطلاقاً من اقليم خراسان الذي أعلن عن وجوده أحد فصائل طالبان، بعد أن انشقّ عن تنظيم طالبان، وأعلن مبايعته لأبو بكر البغدادي، كاشفاً عن هيمنته على أحد الأقاليم الهامة في أفغانستان، مطلقاً عليه اسم امارة خراسان.
وبدا ذلك احتمالاً أقرب الى القبول دون غيره. ومع ذلك انطلق المخططون لداعش، كما توقع بعض المحللين الساعين لتوخي الاحتمالات التي بوسع قيادة «الدولة الإسلامية» تفعيلها في حالة خسارتها لمواقعها في الموصل والرقة، لتدارس احتمالات أخرى، لكون خراسان، مع تواجد القوات الأميركية في أفغانستان، قد لا تكون بدورها موقعاً آمناً لفترة طويلة. فسلاح الجو الأميركي سيبادر للتركيز على استهدافها بإغارات جوية كثيفة. وهنا طرحت ليبيا كواحدة من الاحتمالات القابلة للدراسة. ولكن إزاء الهجمة الكبرى على مدينة سرت فيما سمّي بـ«معركة البنيان المرصوص»، ومع خسارة تلك المدينة واحتمال انتقال المعركة المقبلة الى مدينة درنة، الموقع الآخر لداعش في ليبيا، تمّ استبعاد هذا الاحتمال أيضاً، باعتبار أنّ ليبيا، ليست أقلّ أمناً من سورية أو العراق. فطرح هنا احتمال الانتقال الى العمق الافريقي… الى قلب المجاهل الأفريقية، التي تشكل طبيعتها الطوبوغرافية، وما فيها من تشعّب وغموض، بل وغابات كثيفة في بعض المواقع، ما يوفر لداعش طبيعة قد تكون متقاربة مع تلك التي كانت سائدة في فيتنام، وعجز نصف مليون جندي أميركي عندئذ عن هزيمة الفياتكونغ فيها. الا أنّ بعد المسافات عن المواقع التي تريد داعش التركيز عليها، وهي دول الشرق الأوسط والدول الأوروبية، جعل هذا الاحتمال أيضاً، أقلّ واقعية وقدرة على تحقيق الأهداف المتوخاة من قبل داعش.
غير أنه كان هناك احتمال آخر قد يكون أقرب الى التحقق بسهولة ويسر، وهو نقل القيادة من الموصل، المدينة الثانية في العراق، الى المدينة الأولى فيه وهي بغداد ذاتها… الى المناطق السنية فيها، كحيّ الأعظمية مثلاً، عبر عملية مفاجئة تقودها الخلايا النائمة في بغداد… وهي خلايا كثيرة متعدّدة، بدليل ما تنفذه يومياً، من عمليات تفجير متلاحقة في العاصمة، أو في مدن عراقية أخرى.
وهناك احتمال بأن تنقل قيادة «الدولة الإسلامية» الى الرقة اذا ما سقطت الموصل وانهزمت فيها. وهناك من ذكر بأنّ أبو بكر البغدادي قد انتقل فعلاً الى الرقة، بل هناك معلومات شبه معلنة بوجود تشجيع أميركي سعودي على نقل قيادة «الدولة الإسلامية» وتركيزها في الرقة، ربما من باب الكيد لسورية. لكن هذا الاحتمال قد لا يكون مقنعاً، لتقدير البغدادي ومخططيه، كما يتوقع، أنّ هذا الوعد يسعى فحسب لإنهاء معركة الموصل بأقلّ خسارة من الدماء، واللجوء بعد ذلك لملاحقتهم مجتمعين في الرقة. فالرقة كما سرت ودرنه وخراسان، ليست أكثر أماناً لهم من الموصل أو غيرها من المواقع الجغرافية.
هناك اذن، احتمال واحتمال آخر، ثم احتمال ثالث فرابع، وكلها احتمالات قابلة للدراسة من قبل المخططين الاستراتيجيين لداعش، علماً أنّ معظمهم أكاديميين، او ضباط من ذوي الرتب العالية في الجيش العراقي السابق الذي حله بول بريمر، الحاكم الأميركي الأول للعراق.
فدراسة كلّ الاحتمالات حتى الهامشية منها، لدى تقييم مخطط استراتيجي ما، هو التقييم السليم، وقد لاحظنا نموذجاً لبعض… بل لسلسلة من الأخطاء التي ارتكبها الأميركيون في إهمالهم للاحتمال الهامشي، لدى تقييمهم في الزمن السابق غير البعيد، لعدة قرارات ومواقف استراتيجية. كما لاحظنا الكوارث التي عانت منها الولايات المتحدة نتيجة إهمالها ذاك.
ففي ايران، أخذ الطلبة الإيرانيون السائرون على خط الإمام الخميني الذي توقعه الأميركيون أن يكون صديقاً وحليفاً، أكثر من ستين موظفاً ودبلوماسياً أميركياً، كانوا متواجدين في السفارة الأميركية لدى السيطرة عليها من قبل الطلبة… رهائن بقوا في الأسر لأكثر من عامين. وبالنسبة لتجربة أفغانستان حيث قامت الدولة الأميركية بتسليح وتدريب مجاهديها لمقاتلة السوفيات الكفار… هذه التجربة انتهت بتجربة مريرة بل بدأت بظهور تنظيم القاعدة ، أفرزت مقتل ثلاثة آلاف أميركي لدى تفجير البرجين في نيويورك. ولم يختلف الأمر بالنسبة للنتائج الكارثية، التي أقيمت على أنقاض ما اعتبر انهيار النظام الدولي القديم بانهيار الاتحاد السوفياتي، وحلول محله، في وهم الأميركيين فحسب، نظام دولي أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة، لم تلبث أحاديته طويلاً، إذ انهارت نتيجة عودة الدم الحارّ للجريان في جسم الاتحاد الروسي، العمود الفقري للاتحاد السوفياتي، والركن الأساسي من أركانه.
إفراط في التفاؤل بشأن تحرير الموصل؟
فعلى ضوء النهج المستحبّ لدى العقلاء، في دراسة الاستراتيجية في نهاية مطافها نتيجة احتمال وجود متغيّرات قد لا تكون متوقعة خلال مراحل السير في تنفيذها … وليس على ضوء ذاك الوهج المغري الذي يلمع في بداياتها… يتدارس الآن المخططون الاستراتيجيون في «الدولة الإسلامية»، كلّ الاحتمالات لما بعد الموصل والرقة، اذا ما سقطت الموصل أو الرقة… أو كليهما معاً في مرحلة من المراحل.
لكنهم على الأرجح، ليسوا في عجلة من أمرهم. فمعركة الموصل مثلاً عندما تبدأ، لن تنتهي بالسرعة التي يتوقعها الأميركيون والعراقيون، ويعلنون جهاراً اكتمال استعداداتهم للشروع فيها قريباً. وهم يقرنون إعلانهم ذاك بتفاؤل كبير، دون أن يقدّروا بأنّ قوات «الدولة الإسلامية» التي غادرت مضطرة الرمادي والرطبة والفلوجة وجزيرة البغدادي وقاعدة القيارة، وغيرها من المواقع التي اجتاحتها القوات العراقية بالتعاون مع إغارات سلاح الجو الأميركي… انما توجهت هذه القوات الى الموصل، حيث يجري تجمّعها هناك، لتعزز ما كان يجري في المدينة من تحصينات، استعداداً لمواجهة القادمين لتحريرها مواجهة لن تكون سهلة أو يسيرة على المهاجمين، كما قد يتوقعون، اذ قد يجابَهون بمقاومة شرسة ربما تمتدّ لشهور طويلة.
فـ«الدولة الإسلامية» كما يبدو، تخطط لتحويل مدينة الموصل الى موصل – غراد، ومثلها مدينة الرقة، الى رقة – غراد. فلا ضرورة اذن للاستعجال كثيراً في مخططات انتقال قيادة «الدولة الإسلامية» الى موقع آخر، خارج الأراضي العراقية، أو خارج الأراضي السورية، رغم كلّ الهجمات الشرسة على «الدولة الإسلامية» من قبل كلّ الأطراف، إضافة الى الهجمة التركية الطارئة حديثاً في الشمال السوري تحت اسم «درع الفرات».
وهكذا بات علينا… على الجميع، أن ينتظر، لأن يكشف لنا المستقبل، عن مدى شمولية وعقلانية وجدية المخطط الأميركي لتحرير الموصل والرقة، وهل أخذ في حساباته كلّ الاحتمالات، أم أهمل بعضها، معتقداً أنّ الاستعدادات الداعشية لتحويل الموصل الى موصل – غراد، هي مجرد أوهام تدور في مخيلة أبو بكر البغدادي وأصحابه من المخططين والقياديين. فالمخطط «البغدادي» هو مجرد مخطط على ورق، كما يعتقدون، ولن يصمد طويلاً أمام الهجمات الصاعقة التي يفترض بها أن تفاجئه وتذهله، بل ولن تترك له مهرباً للجوء الى موقع آخر… موقع قيادة آخر قد يكون في مكان ما من جغرافية هذا العالم الواسع، أو في مخيّلة المخططين الاستراتيجيين للدولة الإسلامية.
وعلى ضؤ التجربة في أفغانستان التي اضطرت القاعدة وطالبان لإخلاء كابول والمدن الأفغانية، واللجوء الى الجبال ومنها جبال تورا بورا، اضافة الى ما وراء حدود باكستان مع أفغانستان، والاحتفاظ نتيجة لذلك بحدة القتال مع الأميركيين محتدماً على مدى 14 عاماً، فإنّ «الدولة الإسلامية» من المتوقع أن تجد لنفسها موقعاً آخر تنطلق منه… وانْ لم تجد، فسوف تنزل تحت الأرض، معتمدة على ثلاثة عناصر للبقاء حية وناشطة: أولها الاحتفاظ بزخم الدعوة لأفكارها ومعتقداتها عبر التواصل الاليكتروني من مواقع الكترونية وإذاعية وهواتف نقالة. وثانيها تكثيف تواجد الخلايا النائمة هنا وهناك، والتي ستظل تفاجئ الدول العربية والغربية بل والأميركية أيضاً، بسلسلة من التفجيرات والعمليات المفاجئة. وثالثها تشجيع انتشار «الذئاب المنفردة» الذين سيصبحون صنواً للخلايا النائمة، يفاجئون المجتمعات التي تطلعت للأمان، بعمليات أخرى مفاجئة وقاتلة، حيث ستعمل «الدولة الإسلامية» على تشجيع تكاثرهم وتنامي عددهم من خلال توجيهاتها الإذاعية والاليكترونية والهاتفية، التي ستنطلق من تحت الأرض، في مسعى حثيث لتجنيد موالين لها، لا يعبرون الحدود كما في الماضي لينضمّوا الى صفوفها، بل سيتكاثر عددهم ويزداد في طول أقطار العالم وعرضه.
وهنا من المتوقع أن تتحوّل المعركة مع «الدولة الإسلامية» الى معركة ضدّ أشباح، خلافاً لما كان الأمر عليه عندما تواجدوا في المدن كما في الرقة والموصل. فهم متواجدون الآن عبر بث يتمّ من تحت الأرض، وخلايا نائمة لا تظهر فوق الأرض الا لدى تنفيذها لعملية ما… إضافة الى ذئاب منفردة كثر يعيشون بين ظهرانينا، ويتناولون الطعام على موائدنا، ولكننا لا نعلم عن أمرهم شيئاً الا عندما يفاجئنا أحدهم بسكين، أو بفأس، أو بمعول، أو بسيف أو بخنجر، أو أية وسيلة أخرى من وسائل السلاح الأبيض.
فحسم المعركة في كلّ من الرقة والموصل، أمر ضروري. لكن الأكثر ضرورة منه، هو استئصال قيادة القاعدة ومجلس مخططيها الذين جاء الكثيرون منهم من الجيش العراقي السابق الذي أقدم العبقري بريمر على حله متيحاً الفرصة لنشوء، على ركامه، «دولة العراق والشام الإسلامية»، من كبار قادته ومخططيه العسكريين. فحسم المعركة الجغرافية مع «الدولة الإسلامية» سواء في العراق أو في سورية، قد لا ينهي وجودها تماماً، ولن يلحق بفكرها مقتلاً. بل قد يضطرها فحسب، للنزول تحت الأرض، عندما تصبح دول العالم عندئذ، تحارب أشباحاً مجهولين لا تعرف مواقعهم، بعد أن كانوا يقاتلون مسلحين متخندقين في مواقعهم المعروفة للتحالفات الدولية ولأقمارهم الصناعية ووسائل تجسّسهم الأخرى.
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب ــ برلين.
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي ــ واشنطن.