«ولاية الموصل»… أوهام الرجل المريض
معن حمية
إصرار تركيا على إبقاء قواتها في معسكر بعشيقة قضاء الموصل خلافاً للإرادة العراقية، ومحاولاتها الحثيثة للمشاركة في معركة طرد «داعش» من الموصل، وتوغّل قواتها في مناطق سورية عدة بذريعة دعم مجموعات سورية لمحاربة «داعش»، كلّ ذلك، يتمّ تحت شعار حماية الأمن القومي التركي. وهذا الشعار صار لازمة لكلّ موقف يطلقه المسؤولون الأتراك.
دعم تركيا للمجموعات الإرهابية المتطرفة في سورية ليس خافياً ولا مقنعاً، فهي خلال السنوات الخمس الماضية شكلت حاضنة للإرهاب المتعدّد الجنسيات، وممراً لهذا الإرهاب باتجاه سورية، ووفرت لهذه المجموعات الإرهابية على اختلاف تسمياتها، كلّ ما خصّص لها من دعم مالي وتسليحي قدّمته دول غربية وعربية، كما أنها تدير بصورة مباشرة العمليات التي تنفذها المجموعات الإرهابية. ومؤخراً احتلت تركيا مناطق سورية عدة، منها مناطق جرابلس ودابق، بذريعة طرد «داعش» من هذه المناطق، علماً أنها لم تلقَ أية مواجهة، ما يؤكد أنّ «داعش» تؤدّي دوراً وظيفياً يصبّ في مصلحة تركيا وفي مصلحة شركائها المنخرطين في حلف العدوان على سورية.
وعلى نسق سياساتها العدوانية حيال سورية، تواصل تركيا تعنّتها في الإبقاء على قواتها في معسكر بعشيقة العراقي، وقد جهدت من أجل أن يكون لها دور في العمليات العسكرية العراقية التي بدأت من أجل تحرير الموصل، لكن الموقف العراقي كان حاسماً في رفض أيّ دور لتركيا، في حين أنّ حلفاء تركيا لم يستطيعوا تأمين مشاركتها، ولكلّ حساباته.
لا شك في أنّ الاستماتة التركية من أجل الإبقاء على قواتها المحتلة في بعشيقة والمطالبة بدور لها في معركة الموصل، ليس من أجل تسجيل مشاركة في الحرب ضدّ الإرهاب، بل لتؤسّس على هذا الدور حضوراً في الموصل يكون نقطة انطلاق لفرض معادلة نفوذ وهيمنة في هذه المنطقة، بحسب ما يتوهّم قادة تركيا الجدد.
من هنا، فإنّ مفهوم الأمن القومي التركي الذي يروّج له المسؤولون الأتراك، ليس مقصوداً به أمن تركيا في نطاق حدودها الحالية، بل هو مفهوم يتّكئ على أحلام توسعية، وحكام تركيا الجدد مهجوسون باستعادة نفوذ الدولة العثمانية وهم يستخدمون الوسائل كافة بما فيها الإرهاب من أجل استعادة هذا النفوذ.
وفي مفهوم الأمن القومي التركي، لا تزال «ولاية الموصل»، وليس مدينة الموصل وحدها، هدفاً لتركيا، وفي الخلفية التاريخية أنّ الاتراك وبعد هزيمتهم في العام 1918، سجلوا احتجاجاً على معاهدة لوزان 1923، معتبرين أنّ ولاية الموصل التي تضمّ أيضاً كركوك وأربيل والسليمانية، جزء من الأراضي التركية. وهذا التفكير حكم سياسات الحكومات التركية المتعاقبة، من دون الإعلان عنه، وذلك نتيجة عامل الوهن الذي أصاب الرجل المريض.
مع بداية العاصفة الغربية ـ الصهيونية التي أطلق عليها تسمية «الربيع العربي» والتي فجّرت حروباً متدحرجة استهدفت العديد من الدول العربية، وفي ظلّ الدور الوظيفي الذي أسند لتركيا في هذه الحروب، تمّ نبش الدفاتر العثمانية، فوجد أردوغان وأعوانه ضالتهم، فلكي يصبحوا سلاطين لا بدّ من استثمار الدور الوظيفي المسند إلى تركيا من أجل استعادة النفوذ والهيمنة عبر التوسع.
بداية، رسم أردوغان وأعوانه خطة إعادة النفوذ والتوسع، عن طريق «الأخونة» وفق النموذج التركي، وذلك باتفاق غير معلن مع الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل». إلا أنّ هذه الطريق وصلت الى حائط مسدود، بعد الفشل الذريع الذي قوّض حكم «الإخوان» في تونس ومصر وليبيا، وتعثرهم في سورية، نتيجة الصمود السوري الأسطوري بمواجهة حرب كونية وإرهاب عالمي.
أردوغان الذي تحسّس فشل «إخوانه»، وانفضاض آخرين عنه، بعدما تكشفت حقيقة موقفه المزيّف حيال المسألة الفلسطينية، وبروز قرائن عديدة تؤكد تحالفه مع العدو الصهيوني، يحاول أن يستفيد من دور بلاده الوظيفي إلى أقصى الحدود، وهذه المرة من بوابة «ولاية الموصل»!
ما هو مؤكد، أنّ كلّ ما سعى إليه أردوغان وحكومته، قد سقط في اللحظة التي بدأ فيها هجوم القوات العراقية لتحرير الموصل من دون إعطاء أيّ دور لتركيا، ولذلك ستجد تركيا نفسها محاصرة على الأراضي العراقية، بعد أن أجمع العراقيون حكومة وقوى وشرائح اجتماعية على وصف القوات التركية في معسكر بعشيقة بأنها قوات احتلال، وأكدوا ضرورة إنهاء هذا الاحتلال بكلّ الوسائل.
تحطُّم أحلام تركيا الأردوغانية في «ولاية الموصل»، لا يعني أنّ الرجل المريض تخلّص من أوهامه، فهو سيستمرّ في دعم الإرهاب على الأراضي السورية، بزعم أنه يحارب «داعش»، والنتيجة ستكون على غرار جرابلس ودابق، إلباس «داعش» بزّات ما تسمّيه تركيا «الجيش الحر».
لكن، في كلّ الحالات لن تنعم تركيا بتحقيق أمنها القومي، وإنّ حلب لناظرها قريبة.
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي