هل «ضحّى» الحريري بنواب المستقبل؟
روزانا رمّال
يتحدث مصدر سابق في كتلة رئيس وزراء لبنان الأسبق الراحل رفيق الحريري ومقرب منه لـ«البناء» عما جاء في خطاب الرئيس سعد الحريري امس، في بيت الوسط باستغراب، خصوصاً لجهة ما كشفه من انقسام في كتلته ومواقف جزء وازن من النواب الرافض لخطاب الحريري الابن أولاً وللتصويت لعون ثانياً، ويقول «هناك خلل اكيد في العلاقة بين الرئيس سعد الحريري وبين أعضاء كتلته النيابية، فما يجري من تباين بملف مصيري من هذا النوع يكشف عن عمق الانقسام الحاصل الذي لا يتعلق هنا بحرية التعبير أو صحة خيار من عدمه بل يتعلّق بمهابة ومكانة رئيس كتلة بحجم المستقبل التي تمثل موقف أغلبية السنة في لبنان». وهنا، يتابع المصدر، اعود الى الاجتماعات النيابية التي كان يعقدها الشهيد الحريري، حيث لم يكن ممكناً لاي نائب من نوابه ان يعترض على قراراته علناً بأي استحقاق مصيري فيه تصويت بحجم رئاسة الجمهورية، لم يكن شكل العلاقة بين رفيق الحريري ونوابه مثل شكل العلاقة التي يعيشها سعد الحريري مع اعضاء كتلته. فالاهتزاز واضح وعدم اظهار الولاء لسعد الحريري في أكثر الظروف حرجاً مثل وقفته امس، امام جمهوره لتبرير خطوته واضح ايضاً… يختم المصدر «أعتقد ان لغيابه عن لبنان وعن كتلته تأثيراً واضحاً، فعليه أن لا يعتبر أنه يملك من الآن فصاعداً ظهيراً في كتلته. هناك تمايز واضح لجهة انقسام الكتلة نصفين الاول معه والجزء الثاني مع رئيس الكتلة فؤاد السنيورة».
تحدّث الحريري عن المخاطرة السياسية بقراره وتحدّث ايضاً عن أنه غير راضٍ عن المرحلة التي وصل اليها، معتبراً ان هدفه كان منذ سنتين ونصف انتخاب اي رئيس يتفق عليه اللبنانيون، لكن مساعيه لم تفلح فاضطر الى التوجه نحو مرشح حزب الله. خسر ثروته، واعترف ايضاً أمام من استمعوا للخطاب، وكل هذا لم يقنع كامل اعضاء كتلته الذين كان قد سألهم الحريري في وقت قريب من الخطاب عن موقفهم وطلب منهم الجواب حالاً «لأنه لا يريد مفاجآت». فاجاب بعضهم سريعاً والبعض الآخر أجاب بغيابه عن حضور الخطاب.
النواب الأكثر جرأة كانوا أحمد فتفت ومحمد قباني وعمار حوري، حيث رفضوا أن يشهدوا هذه اللحظة التي اعتبروا فيها الحضور تأييداً، في وقت يؤكد فتفت أن جزءاً كبيراً من الحاضرين لن يصوّت لعون أيضاً، مثل فريد مكاري نائب رئيس مجلس النواب الذي أعلن هذا رسمياً معبراً عن أمنياته أن تكون المرة الأولى والأخيرة التي تتنافى فيها قناعاته مع الرئيس الحريري.
الرئيس فؤاد السنيورة قال إنه يؤيد خطاب الحريري بالكامل ما عدا مسألة ترشيح عون. ويؤكد على البقاء لجانبه. أما النائب فتفت فبدوره كرّر ما كان يكرّره دائماً في تصريحاته ان عون لا ينسجم مع قناعاته كعضو مؤسس لتيار المستقبل معتبراً أن هذا المرشح ليس إلا مرشح حزب الله وايران في لبنان، وهو غير مستعد للتصويت له. المعلومات تحدثت ايضاً عن رفض كل من سمير الجسر ورياض رحال وعمار حوري والنائب المغيّب عن لبنان عقاب صقر التصويت للعماد عون.
اذا بقي النواب المعترضون على موقفهم لجهة عدم التصويت لعون، وإذا صحت المعلومات، فإن هذا يأخذ نحو احتمالات عدة:
الاول: ان يكون الحريري قبل بالانقسام الحاصل الذي من شأنه أن يبرر فيه اسباب تبديل مرشحيه في كل مرحلة فيبقى الشارع السني مقسوماً، لكن هادئاً ومتوهماً أن قناعته لم تكسر بالشكل الكامل او السافر، خصوصاً بعد الحساسية التي عاشها الشارع من التشدّد العوني نحو السنة واتهام البعض لهم بالتكفير فيعتبر ان هناك ممثلين عنه يمارسون اللعبة الديمقراطية ويختارون عدم التصويت فتكون مناورة مفيدة للحريري وخدمة جيدة له.
الثاني والأهم: أن يكون الحريري قد قرّر التخلص من بعض الرموز في كتلته الذين يعرفون أنهم لن يفوزوا بالانتخابات المقبلة ضمن القانون النسبي الذي يعتبر ركيزة الصفقة الرئاسية والمرحلة السياسية المقبلة، بالتوازي مع معلومات سربت عن «المستقبل» حول رغبة القيادة بالقيام «بجردة عامة للتيار تضم ضخ وجوه جديدة شبابية وبعض المرشحين المتموّلين لخوض الانتخابات، ما يعني أن الحريري يتوجه نحو حرق اسماء بعض الرموز في تياره سلفاً تماهياً مع الصفقة، مقدماً كل ما يتوجب من تضحيات وبينها نوابه من أجل عودته رئيساً لمجلس الوزراء.
يحضر بالمناسبة وبالمقارنة تعاطي حزب الكتائب مع وزرائه المعترضين في ملف النفايات وهي أزمة ليست بأهمية الاستحقاق الرئاسي الذي قرر الحريري قيادته متحدياً بري ايضاً، فما كان من النائب سامي الجميّل الا واعلن قرار فصل الوزير الحالي سجعان قزي الذي لم ينسجم موقفه مع قراره باستقالة وزراء الكتائب من الحكومة، معتبراً انّ في هذا كسراً للكلمة العليا لقيادة الحزب. وفي تلك اللحظة كان الطرفان يدركان أن لحظة التمنع عن الامتثال هو قرار الانفصال عن الكتائب سلفاً. فهل يدرك نواب الحريري ان امتناعهم عن المثول لرغبته هو قرار بإنهاء حياتهم السياسية؟ هل فكر النواب قبل الاعتراض بهذا الاحتمال؟ أم أنهم مطمئنون لفشل مهمة الحريري ومرتاحون بالاصطفاف في أحضان رئيس الكتلة فؤاد السنيورة الذي يبدو «ملهم» المعترضين في لحظات الذروة؟
الأكيد أن تيار المستقبل ومعه الحريري يتحضر لدخول مرحلة سياسية جديدة بامتياز بأشكالها كلها.