هل تنهار العلاقات التركية ـ الإيرانية؟
هشام الهبيشان
يخطئ من يظن أنّ العلاقات التركية – الإيرانية، ستصيبها انتكاسة كبرى جراء ما يجري في الموصل العراقية، أو في حلب السورية، فليس هناك ما يدعو لقلق دوائر صنع القرار في كلّ من طهران وانقرة، بشأن احتمالات تدهور العلاقات الإيرانية التركية، في ظلّ ما يجري في الموصل وحلب، رغم اختلاف وجهات نظر البلدين، سواء في العراق أو في سورية أو في اليمن. سبب ذلك، مردّه أن هناك، في النهاية، حالة من تقاطع المصالح بين الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية والاستراتيجية الإقليمية التركية، مع أنّ البعض ما زال يراهن على تفاقم الخلافات بين البلدين، بالنظر للتباعد في التوجهات الاستراتيجية بين تركيا، حليفة أميركا الفاعلة في حلف شمال الأطلسي وإيران، العدو اللدود، إلى حدّ ما، لأميركا وللغرب عموماً وحليفة موسكو. الا أنّ جميع المؤشرات الواردة من طهران وأنقرة، تؤكد عكس هذه الفرضية وهذا الرهان.
وعبى الرغم من كلّ التصعيد الخطابي الرسمي بين الجانبين، حول ما يجري في الموصل وحلب، تؤكد حقائق الواقع أنّ حجم المؤشرات الاقتصادية لحجم التبادل الاقتصادي والتجاري وصل في عام 2014 إلى حدود 17 مليار دولار، بين البلدين. والمتوقع أنه كسر حاجز 19 مليار دولار للعام 2015. ومن المتوقع أن يتجاوز حاجز20 مليار دولار، للعام الحالي 2016. كما أنّ الاتراك يستفيدون، بشكل ملموس، من الغاز والنفط الإيراني، الذي يتدفق إلى أنقرة وسيتدفق منها الى العالم الغربي، قريباً. كما أنّ الزيارات المتبادلة بين زعماء ومسؤولي البلدين، في الفترة الأخيرة، تؤكد حجم التنسيق السياسي والأمني بين البلدين. ومن خلال هذه الزيارات، تمّ الاتفاق على زيادة التبادل التجاري بين البلدين، إلى أكثر من 30 مليار دولار بحلول عام 2023.
من هنا، يمكن القراءة أن حجم العلاقات والمصالح الاستراتيجية لكلا البلدين وحجم الزيارات المتبادلة للمسؤولين الإيرانيين والأتراك، يمكن، في أيّ مرحلة، أن يساهم في تقريب وجهات نظر الطرفين وكسر كلّ الرهانات على حصول انتكاسة في علاقاتهما. وهذا بالطبع، سيتمّ من دون التأثير على استراتيجية كلّ بلد في المنطقة العربية والإقليم ككلّ، رغم أنّ هناك اختلافاً في تعاطي كل من أنقرة وطهران مع الحرب على الدولة السورية ومع ما يجري في العراق واليمن. لكن هذا لا ينكر أنّ هناك تنسيقاً وتبادلاً للزيارات ولوجهات النظر بشأن هذه الحروب والازمات، بالتحديد.
في الإطار ذاته، لا يمكن للنظام التركي، في الواقع، أن يتبع سياسات إقليمية جديدة، ينهي من خلالها، التقارب مع النظام الإيراني، لأنّ النظام التركي يدرك أكثر من أيّ وقت مضى، أنّ إيران واحدة من أكبر قوى الإقليم الفاعلة، إنْ لم تكن هي القوة الأولى بالإقليم، خصوصاً بعد أن نجحت في تفاوضها مع القوى الدولية حول ملفها النووي.
وفي الشق الآخر، فإنّ الإيرانيين، كذلك، يدركون حجم القوة الاقتصادية والعسكرية لتركيا. ويعلمون أنها هي البوابة الأوسع لطهران للانفتاح على الغرب مستقبلاً، اقتصادياً وسياسياً. ويسعون لبناء وتجذير وتوسيع حالة الشراكة القائمة مع الأتراك، في هذا الاتجاه. غير أنّ هذا الانتفاع المتبادل والتفاهم الظاهر بين أنقرة وطهران، لا يخفي حجم التنافس بين البلدين على قيادة المنطقة. ولعلّ الحرب المفروضة على الدولة السورية، كشفت جانبا من التباين بين البلدين وعن الرغبة في احتلال موقع الدولة القائدة والفاعلة في الأحداث، فقد رمت تركيا بكلّ ثقلها ضدّ النظام السياسي للدولة السورية، فيما تدعم إيران بكلّ قوة الدولة السورية.
ما يدفع تركيا أيضاً، إلى تعميق التقارب مع إيران، أو مع بعض الدول العربية الخليجية ومع الكيان الصهيوني رغم الحديث عن تشكيل حلف سعودي تركي «إسرائيلي» لمواجهة تمدّد إيران في الاقليم ، هو حجم التحديات التي تواجه الأتراك، فقد بات حلم تركيا بأن تكون واحده من اعضاء دول الاتحاد الأوروبي، وهماً أقرب إلى الخيال، منه إلى الواقع. وعلينا ألا ننسى أنّ تركيا، في الفترة الاخيرة، بدأت تعاني عزلة إقليمية وضغوطا دولية، بعد فشل الرهان على «الإخوان» في مصر وعدم حدوث اختراق في الملف السوري وهي التي كان لها نفوذ كبير فيه بدعم المعارضة السورية «المعتدلة و الإرهابية»، التي تآكل جسدها السياسي والعسكري بشكل كبير، في الفترة الاخيرة.
من هنا، فإنّ خسارة تركيا لهذه الملفات والشكوك حول دورها في المنطقة وبعد خسارة تركيا أردوغان ملفات المعارضة السورية و«إخوان» مصر، هذه الخسارة، أدت إلى إعادة دراسة تركيا لسياستها الاقليمية وهذا ما دفع بالأتراك مجدّداً، لتعميق حالة الشراكة مع الإيرانيين، حتى وإنْ كانت ملفات هذه الشراكة تتمّ خلف الكواليس. وهذا ما ساهم، مرحلياً، بإذابة بعض الجليد الذي يغطي العلاقة بين أنقرة وطهران.
ختاماً، تسعى تركيا لتكون الحلقة الوسطى والقريبة من كلّ قوى الاقليم، خصوصا في ما يتعلق بصراع القوى الكبرى في الإقليم. فهي، بعد مجموعة تجارب، ثبت لها أنها ستكون الخاسر الأكبر من الفوضى. وهي، في الوقت ذاته، تسعى لفرض نفسها لملء حالة الفراغ العربي، على اعتبار أنها، في ظلّ غياب دور محوري لبعض الدول العربية المحورية، تستطيع أن تستوعب فوضى الاقليم العربي، فهي ستسعى إلى القيام بهذا الدور، مستفيدة من الخوف الخليجي والعربي عموماً، من المدّ الإيراني «المصطنع إعلامياً». وهذا ما سيعطيها مساحة كافية للمناورة مع كلّ قوى الإقليم. فهي تحوّلت إلى الشريك المحوري لبعض الدول العربية ولشريك هامّ للكيان الصهيوني. وفي الإطار ذاته، هي ستسعى لبناء شراكة استراتيجية عميقة مع الإيرانيين، حتى وانْ كانت هذه الشراكة ستبنى من خلف الكواليس.