كركوك.. عود ثقاب تركي
نظام مارديني
ليس من الغرابة القول إن تفجُّر الحوادث في مدينة كركوك بالتزامن مع تقدّم القوات العراقية في معركة تحرير الموصل، وعدم السماح للقوات التركية بالمشاركة في هذه المعركة.. فكلما غابت كركوك عن واجهة الأحداث الكبيرة، عادت من جديد لتطفو على سطح البحر الهائج من التطورات الأمنية التي تواجه العراق.
وقد اختلف المؤرخون والباحثون في اسم كركوك. ويرى الدكتور مصطفى جواد إن اجتماع ثلاث كافات في هذا الاسم من الأمور النادرة، من حيث الحروف وتركيبها اللفظي، وهذا ما يدل على أنه من الأسماء الآرامية.
ومعنى اسم كركوك في السومرية، العمل العظيم «كار عمل وكوك عظيم». وقد ورد لها اسم آخر هو «أريخا» في عهد الملك سرجون الأكادي.. وتكشف الآثار أن عمرها يمتد إلى ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد. ويبدأ تاريخها مع انبثاق النار الأزلية عام 550 قبل الميلاد في العهد الكلداني، والتي مازالت مشتعلة حتى الآن، وسبب اشتعالها وجود الغاز المنبثق من تحت الأرض، حيث أخذ السومريون والبابليون والآشوريون من هذا الحقل الإسفلت لتعبيد شوارعهم وبناء معابدهم وبيوتهم وطلاء زوارقهم..
يُراد لهذه «النار الأزلية» أن تتحوّل مع المحتل التركي إلى حرائق تقتل كل ما هو حي في المنطقة.. فهي أي كركوك، صندوق مشكلات، ومَن يفتح هذا الصندوق ويحلّ ألغازه وطلاسمه سيفوز بالعروس، ولكن مَن هو الحداد الذي معه المفتاح؟
السؤال الذي يطرحه المراقب الآن، هو لماذا دفعت أنقرة إلى تفجير الوضع في هذه المدينة التي تمثل الموزاييك العراقي، من عرب وأكراد وتركمان، وكلدان وآشوريين وأرمن؟
ولماذا الحديث عن وجود مخطط إرهابي جديد لمهاجمة كركوك مجدداً بـ300 انتحاري، وذلك بعد إحباط هجوم «داعش» فجر الجمعة الماضي في محاولة لفرض السيطرة على مناطق عدة؟
لا شك في أن الزيارة المشبوهة لوزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر الى انقرة، ومنها إلى بغداد وأربيل العراقيتين تثير أكثر من علامة استفهام حول الدور المنوط بالقوات التركية في لعبة صياغة الوضع في شمال العراق بعد داعش! المعلومات تحدثت مؤخراً بأن ما حدث في كركوك هو جزء من المخطط. ستة عشر خبيراً تركياً في بعشيقة مهمتهم خلق فتن في «ولاية الموصل»..
وكيف انتقلت عناصر داعش بطائرة «مجهولة» الى كركوك، لتلتحق بهم عناصر من منطقة «المنسية» وهي أكبر تجمّع للإرهابيين الهاربين من بغداد والأنبار وديالى تحت سمع وبصر البيشمركة والأسايش؟ وعندما تمّ الاستنجاد بالتحالف الأميركي لم تفعل طائراته سوى قصف مجلس عزاء نسوي في حسينية!
الرجل الذي يطارد الأكراد في بلاده، كان يحثّ مسعود برزاني باستمرار على توجيه البيشمركة الى كركوك، وحيث المنجم النفطي، وإلى الموصل التي مَن يضع يده عليها إنما يضع يده على بغداد.
لم يكن جنكيز تشاندار، الصحافي التركي الشهير والذي ابتعد عن الكتابة يصدّق أن أردوغان يعطي الأولوية لصوت المؤذن.. الأولوية دوماً لصراخ التاريخ..!
الذي سيتظاهر من العراقيين من دون معرفة الأسباب التي أدت إلى «كمائن كركوك» من قبل أردوغان هو كمن يصفّق لنفسه، أو كالذي يدخّن في باب المكتبة بعيداً عنها، يحرق الحروف في رئتيه، علّها تصعد سوداء الى رأسه، وتكافح الصلع الذي احتلّ هالة العقل المشعّة!