ماذا يُعدّ لكركوك ومَنْ صاحب المشروع؟
مصطفى حكمت العراقي
لا تزال حرب العراق على الارهاب في ذروتها وفي مختلف اشكالها، حيث لن يكون خلاص البلد من الارهاب بمجرد اعلان تحرير الموصل، كما يصور الغرب، الذي يسعى لكسب ثمار الانتصار العراقي لاطلاق مشروع جديد، لكن بمظهر آخر، لتحقيق ما عجزت «داعش» عن تحقيقه في العراق وسورية. لذلك، فإن إعلان الموصل خالية من الارهاب وقد تتبعها الرقة، لن يكون بعيداً، لكنه لن يكون خلاصاً فعلياً من رجس الارهاب.
فالعراق لن يكون بمأمن من مشاريع جديدة، تحاك في عواصم إقليمية ودولية، تبدأ بأنقرة ولا تنتهي بواشنطن. وأنقرة وسلطانها الخاوي أردوغان، لن يكل ولن يمل من محاولات تحقيق احلامه التقسيمية والهدامة، التي يحاول أن يطبقها، حيث ادعى بأن بلاده تحترم الحدود الجغرافية لكل دولة، حتى لو كانت «ثقيلة على قلوبنا»، كما وصف، في اشارة منه إلى العراق وسورية. وقال أردوغان: «بعض الجهلة يأتون ويقولون، ما هي الصلة التي يمكن أن تكون لنا بالعراق؟ هذه الجغرافيا التي نتحدث عنها الآن، جزء من روحنا». كلام أردوغان، جاء بعد وساطة قام بها وزير الدفاع الاميركي، آشتون كارتر، التي بدأها في انقرة وألمح فيها إلى قرب التوصل لأتفاق بين أنقرة وبغداد، حول دور أنقرة في تحرير الموصل ومحاولة فك الخناق عن القوات التركية المتمركزة شمال العراق، بعد أن تمت احاطتها بقوات من الحشد الشعبي، حيث كشفت مصادر ميدانية مطلعة لـ«البناء» عن رسائل تلقتها القوات التركية، بأن أي حركة يتم اتخاذها من قبلهم خارج المعسكر، سيتم التعامل معها بحزم وقوة واعتبارها سعيا للوقوف مع «داعش». وهو ما جعل كارتر يهرول مسرعاً إلى بغداد، التي رفضت مشاركة تركيا في معركة استعادة الموصل من الارهابيين.
أما رد الاتراك ورئيسهم أردوغان، فكان بالعودة للميدان واستعمال الارهابين مجدداً. وتمت الاشارة إلى بعض الخلايا المتواجدة في كركوك، لتحريكها. وكانت عملية كركوك هي الرد التركي، من خلال القول: «اقبلوا بنا أو نستمر بتحريك الارهابين». وهذه المرة في كركوك، التي يعتبرها الاتراك عمقهم الاستراتيجي في العراق. وجاءت العمليات في مركز كركوك، مؤشراً لضرب أمنها، مقدمة لتدخل تركي أوسع، بدعوى حماية تركمان كركوك. وكأن التركمان، الذين أصبحوا نازحين وأصبحت نساؤهم سبايا، عندما دخلت «داعش» الموصل وعلى حدود أنقرة، غير ذات أهمية لدى أردوغان. واليوم أصبح دفاعه عن «قوميته» هو الاهم. وهو يطلق تصريحات جديدة لأقامة مناطق آمنة في العراق، كما قال مؤخراً، ليتحقق المشروع الذي تم اجهاضه في العام 2003.
اليوم، بعد أن أصبح الجيش العراقي ومن معه من قوات مساندة، يتجه لحسم ملف «داعش» في الموصل، تم الايعاز التركي وغرس الخنجر الاردوغاني بظهر تركمان كركوك، قبل غيرهم. وكان الايعاز لـ«دواعش» يرتدون الزي الكردي ويتكلمون اللغة الكردية، للقيام بالعملية، في محاولة يائسة لدق إسفين الفتنة الاثنية مجدداً، بعد أن فشلت جميع المخططات على أسوار الموصل، في ظل حكمة الشعب وصموده، رغم المواقف المخجلة للحكومة العراقية ووزارة خارجيتها، التي صمتت بوجه الاتراك ولم تتخذ خيارات من شأنها إيقاف تمادي أردوغان وعنجهيته الفارغة.
كل ذلك واكثر، يوحي بأن اردوغان ماض في مشروعه وقد يتخذ خيارات متهورة وطائشة، من شأنها منع تطهير كامل الارض العراقية من الارهاب. وقد يتخذ من كركوك محطة لتطبيق باقي فصول مشروعه، بعد أن اصبح تحرير الموصل مسألة وقت ليس الا. وبعد أن بدأ عملاؤه بالتساقط شعبياً وسياسياً وقضائياً وآخرهم اثيل النجيفي، الذي اتهمه القضاء العراقي بالتخابر مع دولة اجنبية، في اشارة إلى مساعدته الاتراك على دخول الموصل. وقد تتم محاكمته بتهمة الخيانة العظمى.