حرب إلغاء؟ ماذا عن الكتائب والمردة؟
روزانا رمّال
منذ أن أعلن الرئيس سعد الحريري ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ضُخّ نفسٌ جديد في الشارع المسيحي تراوح بين القلق والترقب عند الأحزاب المسيحية الكبرى، وتوقف البعض عند مراقبة غايات الحريري وتفسيرها وربطها بين المناورة والمخرج المناسب وصولاً حتى ابتداع ما يمكنه أن يقف بوجه مبادرة لها أبعاد خطيرة التداعيات.
القوات اللبنانية أبدت اعتراضاً شديداً وازت فيه كل خياراتها السياسية فاتحة مرحلة من التشنج والفراق بينها وبين الرئيس سعد الحريري من دون أن تتفادى مأزق قد يوضع فيه فريق 14 آذار، فينكسر بانكسار العلاقة بين صقوره فكان أن وقع المحظور وساءت العلاقة كرد فعل اول.
لم يتحرّك الحريري كثيراً لإصلاحها ولم يتراجع عن ترشيح فرنجية حماية لعلاقته بالفريق المسيحي الأقوى في فريقه وهو القوات اللبنانية، ما عكس رغبة جامحة لدى الحريري بالدخول من أي باب كان للعودة للحياة السياسية ومجلس الوزراء اللبناني وإذا كان هذا الامر يتطلب نسف اعتمادات وتعهدات سابقة مع الحلفاء فليكن.
سار الحريري بخياراته وتواصل مع من أمكن إقليمياً ودولياً أن يلعب دوراً في دفع مبادرته نحو نهاية ناجحة، فكان أن حاول أن يعطي زخماً أو هالة لمبادرته مستخدماً علاقته الشخصية بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند فطلب منه تأييداً بدا بعد فترة أنه شخصي أو «خدمة شخصية» لخيار ترشيح الحريري لفرنجية، فاتصل هولاند بفرنجية وانتشر الخبر المفترض أن يحرك الأجواء الراكدة في لبنان والمفترض بشكل خاص ان يضغط على حزب الله فيظنّ انّ شيئاً ما دولياً قد بُتّ بهذا الاطار، فلم تنجح هذه المحاولة على الإطلاق وبدا الجميع متمسكين بخياراتهم.
في هذا الوقت لم يهدأ فريق جعجع السياسي لحظة واحدة واستطاع النجاح بقلب المشهد بأكمله على الصعيد المسيحي والمحلي بشكلي عام معززاً تواصله مع التيار الوطني الحر ومؤسساً لأول ورقة تفاهم مسيحية مسيحية بين أقطاب مرحلة ماضية فيها الكثير من السواد، فبدت على وجه قادة الطرفين، اي جعجع وعون، لحظة المصالحة غبطة انتصار لا مثيل لها.
أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع دعمه ترشيح العماد ميشال عون ضارباً أكثر من عصفور بحجر واحد، فاتحاً الاحتمالات على كل ما يمكنه من تحويل مسارات الرئاسة اللبنانية لا بل التحالفات المحلية، فنسف هذا التحالف مكوّني 14 و8 اذار وخلط الاوراق.
يعتبر تحالف القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وترشيح عون لرئاسة الجمهورية رداً مباشراً على ترشيح الحريري لفرنجية لرئاسة الجمهورية اولاً وتنسيقاً مباشراً للمرحلة الانتخابية المقبلة ثانياً، واذا كان هذا صحيحاً، فإنّ السؤال عن مدى تشكيل تيار المردة هاجساً او قوة قادرة على المنافسة هو المطروح اليوم.
تحالفات انتخابية على اسس متناقضة، هكذا ترى مصادر مقربة من تيار المردة هذا التحالف معتبرة أنه خطوة فرضت على الساحة المسيحية ولا تعدو كونها إلا واحداً من مخططات ترى في المردة تياراً فريقاً منافساً بالشارع المسيحي. وعلى هذا الاساس يتابع المصدر لـ «البناء» هناك حرب إلغاء أعلنت على تيار المردة بشكل صريح، فالجميع يعرف أن التأثير الأول مسيحياً سيكون انتخابياً أما الثاني فيتعلق بهالة حضور الرئيس في شتى الساحات المسيحية فمجرد وصول عون لرئاسة الجمهورية يعني أن تياره قادر على التوغل في أي ساحة مسيحية عملاً بالهالة التي يرخيها اي رئيس للجمهورية في مناطق تواجده، فيكبر تيار عون على حساب تيار فرنجية، وهكذا يصبح عون اول مساهم في مساعدة القوات اللبنانية على تحجيم خصم تاريخي مثل المردة.
الفكرة الأساسية التي تتداولها أجواء محيطة بالمردة تتمحور حول مخاوف ان يكون التحالف المسيحي مهمته الأساسية إلغاء هذا الحضور، بغض النظر عن الرئاسة اللبنانية. فالمباحثات بين القوات والتيار الوطني الحر بدأت قبل ترشيح الحريري لفرنجية، وهنا فإنّ مغزى التحالف هو انتخابي بالشكل الاول يبتغي الحصول على نتائج بعيدة الامد.
لكن وعلى المقلب الآخر تبدو الهواجس نفسها تحيط بحزب الكتائب اللبنانية، وهو متضرر آخر من المصالحة المسيحية بين فريقين كبيرين بحجم التيار الوطني والقوات، فالأخيرة خصم سياسي تاريخي للكتائب مهما تلاقت المصالح حيناً وتقاربت أحياناً، وعلى ما يبدو فانّ موقف سامي الجميّل رئيس الحزب الرافض للتصويت لعون والدخول في الجلسة وتحمّل مخاطر الخروج عن الأكثرية المسيحية تحيط به غايات انتخابية باتت قريبة. فحزب الكتائب سيتضرّر من وصول رئيس بحجم العماد عون الذي سيفرض حضوره في شتى الساحات المسيحية، وهنا يضطر الجميّل التذرّع بعدم الرغبة بالدخول بصفقة من هذا النوع متناسياً ليطرح سؤالاً اساسياً وهو «هل كان الجميّل ليعلن رفضه التصويت لجعجع الذي كان مرشحاً أيضاً بطرح سياسي مماثل من قبل الحريري وبحجة ماذا طالما أنّ قوة جعجع تؤثر سلباً على حضور الكتائب؟
وعلى انّ هواجس الكتائب تتوضّح يوماً بعد الآخر تبدو حروب الإلغاء المفترضة في المطابخ السياسية لحزبي الكتائب وتيار المردة أكثر ما يجعل من الفريقين يلتقيان دون قرار مسبق. وبأجواء انقلابية من هذا النوع ستحوم التساؤلات حول تحالفات الفريقين الانتخابية المقبلة لمواجهة التسونامي المسيحي المشترك هذه المرة، فهل يمكن أن نشهد تحالفاً بين المردة والكتائب؟
ام ان فكرة «اصدقاء سوريا» ستبقى تهيمن على سلوك رئيس الكتائب الشاب الذي يرفض الدخول في تسويات سبق ودخلها والده بظل الوجود السوري مع السوريين أنفسهم؟