عون الـ 13 بـ 31 ت1 رئيساً مقاوماً… يبني الجمهورية
هتاف دهام
عاد للجمهورية رأسها بعد فراغ دام أكثر من سنتين ونصف السنة. انتخب رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون أمس، رئيساً للجمهورية. جنرال أكد مراراً وتكراراً أننا نريد بناء الجمهورية. ولا نريد كرسي الرئاسة.
رأى أحد سياسيّي فريق 8 آذار في دخول العماد عون قصر بعبدا على السجاد الأحمر ووقع موسيقى الجيش ولحن التعظيم والنشيد الوطني، إحدى غرائب السياسة اللبنانية.
هذه المحطة المفصلية في تاريخ لبنان، كانت تحتاج منذ اللحظة الاولى إلى موافقة أخصامه الألداء. هذا في منطق السياسة، غريب ورغم غرابته حصل.
لم يعد يُجدي نفعاً تقويم ما حصل، رغم أنّ ثمة بطلاً مجهولاً يقبع في الظلّ أسهم على نحو حاسم في وصول الجنرال إلى سدّة الرئاسة، وهي الظروف الحرجة السياسية والمالية التي مرّ ويمرّ بها الرئيس سعد الحريري.
لولا هذه الظروف، لكان عمر الأزمة مديداً ومفتوحاً على المجهول. لا يُلغي هذا أنّ موقف حزب الله شكل الركيزة التي أحدثت كلّ العوامل الأخرى وجعلتها ذات معنى. وإن كان السؤال الذي يشغل بال الجميع ماذا بعد؟
انتهت أمس، جلسة مهزلة بعض النواب، بسلام. جلسة حضرها بعد غياب طويل النائب عقاب صقر. دخل «الصقر»، تلقته النائب نايلة تويني. ألقت عليه التحية بحرارة، ليبدأ جولته مصافحاته على زملائه باستثناء نواب الوفاء للمقاومة، أسعد حردان، سليمان فرنجية والجنرال عون الذي لم يكن قد دخل القاعة.
غاب عن بعض «السخفاء أو الكوميديين» كما نظر إليهم بعض الدبلوماسيين، أنّ الجلسة تنقل مباشرة على الهواء. يحضرها أكثر من 70 سفيراً وقنصلاً ودبلوماسياً وقادة أمنيين ورجال أعمال.
غلبت الرصانة على وجوه سفراء روسيا ألكسندر زاسيبكين، سورية علي عبد الكريم علي، إيران محمد فتحعلي، أميركا إليزابيث ريتشارد، بريطانيا هيوغو شورتر، فرنسا ايمانويل بون، منسقة أعمال الأمم المتحدة سيغريد كاغ، والقائم بالأعمال السعودي وليد البخاري. في المقابل، هز سفراء السويد وباكستان وسيريلنكا رؤوسهم ضاحكين على مجريات الجلسة بينما الصحافيون يفترشون بهو شرفات القاعة ويشاركونهم في النظرة الساخرة من عبث بعض النواب وألاعيبهم.
حصة الفكاهة والهرج والمرج، كما أرادها البعض، دامت أكثر من نصف ساعة، من وقت جلسة أمس، خلال تكرار جولة الـ 128 ورقة. قال الرئيس بري «صرلنا زمان ما انتخبنا، يبدو لازم نرجع نتعلّم، يا عيب الشوم»، مضيفاً «لسنا وحدنا والكلّ يراقبنا، كلّ اللبنانيين كما هناك السلك الدبلوماسي حاضر في القاعة، وما يجري ليس مدعاة للفخر والاعتزاز. يا عيب الشوم». فصفّق له النواب.
انقلب السحر على الساحر. كان هناك حرص ألا يفوز فخامة الرئيس من الدورة الأولى، لاعتبارات معنوية عند المتذمّرين من جلوسه على «عرش» الرئاسة. لم يحصد العماد عون الثلثين من الدورة الأولى، سجّلت 36 ورقة بيضاء، 6 أوراق ملغاة، 5 منها حملت عبارة «ثورة الأرز في خدمة لبنان»، وأخرى حملت اسم «الفنانة» ميريام كلينك، وورقة اسم النائب جيلبيرت زوين. فاز العماد في الدورة الثانية بـ 83 صوتاً لتتوزّع الأصوات الأخرى بين «البيضاء» وثورة الأرز المستقلة، وزوربا، والنائب ستريدا طوق.
سار أفرقاء بخيار عون، رغماً عنهم وكأنهم سيقوا إلى هذا الأمر سوقاً. لم يستطع هؤلاء تجاوز مرارة أن يخرج الجنرال من ساحة النجمة صاحب الفخامة.
سعت تلك المجموعات إلى التسخيف من شكل الانتصار. أرادت هزّ المسار. جرى العمل على لعبة الورقة 128 مرتين، لكي تُعاد الجلسة. ارتبط ذلك، لوهلة بمداخلة سامي الجميّل الذي سجّل اعتراضه وتوجّه إلى بري بالقول: «دولة الرئيس، أنتم تتحمّلون المسؤولية لأنّ الأوراق تأتي من قبل المجلس وهي ليست بحوزتنا». وكأنّ من دسّ الورقة رئيس الكتائب أو مَن اتفق معه، كما قال بعض زملائه وإنْ كانت بعض الفيديوات التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حصرت التهمة بالنواب ميشال المر وهاني قبيسي وعلي بزي وانطوان زهرا.
دأب مَن وضع اسم كلينك إسقاط المناسبة من وقارها. صبّت الاتهامات على النائب سيرج طورسركيان المعروف بفكاهته، وإن كانت الأرجحية، بحسب بعض النواب بعيدة كل البعد عن نائب الهانشاك هذه المرّة.
أما اسم زوربا فرُبط مباشرة بالنائب وليد جنبلاط. لا يُخفى على أحد أن رئيس التقدمي الاشتراكي يُعدّ الأكثر إلماماً بين السياسيين بالموسوعات والروايات. الكتب تتصدّر أولوياته واهتماماته، وزوربا اليوناني هي رواية للكاتب نيكوس كازانتزاكيس.
جنبلاط المهووس بالتغريدات استهلّ الجلسة بـ «دورة ثانية، منعادة يا شباب منعادة». غرّد في الثالثة: «نصوّت مجدداً، هذه هي الديمقراطية». ليختم: «هلمّوا يا شباب العرب، روما تنتظر». ولدى فوز عون غرّد: «عاش الرئيس».
مجرد أن تُعاد محاولات التصويت ثلاث مرات، يعني ذلك أنّ هناك محاولات لشنّ حرب أعصاب تريد أن تخرج الجنرال ومحبيه وتياره وحلفاءه من رباطة جأشهم.
لكن الرياح العونية جرت بما لا تشتهي سفن بعض المكونات. بقي الجنرال هادئاً إلى أقصى الحدود في الجولات الأربع، ربما ظهر القلق عند بعض حلفائه وأفراد عائلته أو السفراء الداعمين له، أكثر مما بدا عليه شخصياً.
إنّ ارتفاع نسبة الاعتراض 10 أصوات إضافية، خلافاً لما أوحت به البوانتاجات مساء الأحد، يؤكد وفق بعض أصحاب السعادة سوء التزام داخل كتلة المستقبل. وربما يكون هناك نواب خرجوا من كتلة اللقاء الديمقراطي والنائب ميشال المر، فضلاً عن كتلة النائب نجيب ميقاتي والجماعة الإسلامية والنواب بطرس حرب وروبير غانم ودوري شمعون ونايلة تويني.
من أراد تحويل حفل الانتخاب إلى مهزلة كان يرغب بإخراج الجلسة من جدّيتها. حاول بعض أصحاب السعادة تظهير «السخرية» وكأنها أصل الحدث، لكن المشهد بقي على حاله حتى سطعت الحقيقة، لتقول لهؤلاء إنّ ميشال عون أصبح رئيساً للجمهورية في بعبدا.
صفّق الجميع. غمرت الفرحة أعضاء تكتل التغيير والإصلاح والوفاء للمقاومة والكتلة القومية وبعض القواتيين. غمر النائبان ألان عون، سيمون ابي رميا الجنرال. الاثنان يجلسان إلى جانبه. أفرح وصول الجنرال إلى قصر بعبدا سفراء روسيا، سورية وإيران. ابتساماتهم أصدق تعبير. أما السفير البابوي غبريال كاتشيا لم يكن ممكناً وصف سعادته. لم يكَد يسمع بالنتيجة حتى صفقت يداه تلقائياً وبقوة في تعبير واضح عن تأييد فاتيكاني لانتخاب قائد مسيحي مشرقي قويّ رئيساً للبنان.
توجّه بري إلى عون بالتهنئة: يسرني يا فخامة الرئيس أن أرحب بكم تحت قبة البرلمان الذي أنت أحد أركان شرعيته اليوم، غامزاً من قناة أنّ الجنرال كان دوماً يؤكد أنّ البرلمان غير شرعي، لكنّ العماد كان يشدّد دوماً على أنه دستوري.
لو عادت للرئيس المنتخب، لكان يكتفي بالقَسَم لما فيه من البلاغة والتعبير بما يغني عن خطاب القسم «أحلف بالله العظيم أني أحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها واستقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه».
رغم ذلك، استخدم العماد عون في خطاب قَسَمه كرئيس دولة مسؤول، تعابير واضحة ودقيقة ألزم نفسه بها.
أكد الالتزام الكامل وغير الانتقائي أو الاستنسابي لاتفاق الطائف، لكن الأبرز من ذلك إشارته إلى إمكانية تطوير وثيقة الوفاق الوطني، لكن في إطار قيد التوافق الوطني.
تبدو هذه الصيغة كأنها صيغة بـ «ميزان الجوهرجي» الذي يشكل الوطني الحر إحدى دفتيه، من حيث الإشارة الى تطوير الوثيقة وتيار المستقبل الدفة الأخرى، وإن أشار العماد عون إلى أنّ ذلك يجب أن يتمّ بالاتفاق وليس بالإكراه.
استعاد فخامة الرئيس أمس، مقولة المناصفة الفعلية من خلال إقرار قانون انتخاب قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة. يبدو أنّ صياغة هذا البند تنطوي على إشارة إيجابية نحو عين التينة. الرجلان متلازمان، من حيث التأكيد على إقرار قانون انتخاب قبل موعد الانتخابات.
شدّد الجنرال على ضرورة الابتعاد عن الصراعات الخارجية واحترام ميثاق جامعة الدول العربية وخاصة المادة الثامنة منه وتأكيد القانون الدولي. بدت صياغة هذا البند بديهية في السياسة التقليدية، لكن الأكيد أنه يخاطب من خلاله هواجس المكوّنات السياسية المستقبل، القوات، الكتائب، والقوى التي تدور في فلكها .
أطلّ خطاب قسم فخامة العماد على المقاومة كفعل مؤكد على تحرير ما تبقى من أرض وحماية الوطن. يقترب هذا الفهم والنهج كثيراً مما تقوله مقاومة حزب الله لناحية الوظيفة المزدوجة المرتبطة بالتحرير والردع.
توسّع الرئيس عون في ملف التعامل استباقياً وردعياً وتصدّياً مع الإرهاب ليعطي موافقة ضمنية على وجود حزب الله في سورية ويغطي دوره في محاربة الإرهاب والقضاء عليه لحماية لبنان استباقياً من ارتداداته.
وضع انتهاء الفراغ دلالة دخول لبنان والمنطقة الى عصر سياسي جديد. عصر انتصار خيار مقابل خيار آخر مضاد. يدرك ذلك رئيس تيار المستقبل سعد الحريري. سيأتي الأخير رئيساً للحكومة ضمن هذا المناخ. كلّ كلامه المنمّق وتحييد لبنان عن سورية ليس سوى شعارات من جانب واحد. ألقى أمس السلام على نواب حزب الله وابتسم لهم، وإن كان يدرك أنّ هذه الكتلة لن تكلّفه برئاسة الحكومة إلا إذا…
ثمة قضايا ثلاث تجول في خاطر السياسيين واللبنانيين هل وصل عون الى «قصر الشعب» مقيّد الجناحين بفعل التفاهم مع الحريري وشراكته في الحكومة؟ أم أنه لا يزال لديه القدرة على الطيران والتحليق في سماء الإصلاح وبناء دولة المؤسسات ومكافحة الفساء وبناء الجمهورية؟
وقّع رئيس الجمهورية فور وصوله الى بعبدا مرسوماً باعتبار الحكومة مستقيلة وكلفها بتصريف الأعمال ريثما يتم تشكيل الحكومة الجديدة، على أن تتركز الأمور منذ صباح غد على تكليف رئيس جديد للحكومة وتأليفها. فهل ستُشكل حكومة أم أن حكومة تصريف الأعمال ستمضي حتى موعد الانتخابات النيابية؟ كلّ ذلك يستدعي معرفة ما إذا كان التفاهم بين الجنرال والتيار سيكون يسيراً وسهلاً.
وبعيداً عن الفوضى المفتعَلة التي أحدثها تلاعب الأصوات رغم حراجة المرحلة، لكن إيجابية مضمون خطابَي فخامة الرئيس والرئيس بري طغت على السلبية. ما يؤشر إلى إمكانية التفاهم على ملفات الحكومة.
تكمن الخطوة الأولى في معرفة ما هي مطالب الأستاذ كي يُبنى على الشيء مقتضاه لا سيما أنّ حزب الله ورئيس المجلس متلازمان في ما يتعلّق بتشكيل الحكومة.
إنه الرئيس 13 منذ الطائف. انتخب في 31 تشرين الأول. ربما يكون ميشال عون الرئيس الأول الذي صنع محلياً. فهل سيصنع تحوّلات لبنانية محض تحمي الاستقرار وتطوّر نظام الحكم في لبنان؟