فخامة الرئيس… الفرصة
ناصر قنديل
– مع دخول فخامة الرئيس العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا تنتهي مرحلة مليئة بالتطلعات والأحلام والعذابات والتضحيات والمعارك من جهة، وبالخصومات والمؤامرات والمشاكسات والحروب الكبيرة والصغيرة من جهة أخرى، وينجلي غبار معركة ليس فيها لبسٌ، انتصر فيها للمرة الأولى نموذج مخالف للمألوف في معارك الرئاسة اللبنانية، ليمنح لبنان فرصة ويمنحه لبنان فرصة، وتكون الفرصة لاختبار قدرة لبنان واللبنانيين على تحقيق التقدّم في قلب غبار المعارك الإقليمية والدولية وانقساماتهم العميقة من حولها، ويتوقف منذ اليوم اختبار الفرص على فخامة الرئيس وفريقه، الآتي إلى الرئاسة وفقاً لمعادلة، أنّ الظروف المعقدة معلومة ولن تكون عذراً لفشل، والمقصود بالظروف التعقيدات اللبنانية الطائفية والمصلحية من جهة، والتعقيدات الدولية والإقليمية المتداخلة معها من جهة أخرى. والفرصة التي أرادها العماد رئيساً لا تنفصل عن حلم الإنجاز والوعد بتحقيقه في ظلّ هذه الظروف.
– ما يصحّ بالنسبة للرئيس عن الفرصة يصحّ على من قاتل لتوفيرها، وفرضها ممراً إلزامياً على الآخرين. فحزب الله الذي ارتضى صرف وتسييل عائد معاركه وانتصاراته المتصلة منذ حرب تموز 2006 والمتصاعدة في سورية، يقول عملياً إنّ هذه هي وصفته التي يقدّمها للبنانيين في صناعة مشروع الدولة التي يطالبه جميع الحلفاء والأصدقاء بصرف فائض قوّته لفرضه، وهذه فرصة ليقدّم حزب الله المثال على كيف ستُدار الدولة بما يجعل مشروع قيام دولة قوية متعاونة مع المقاومة ممكناً، كما مشروع قيام دولة مدنية ترتكز إلى القانون وتعِد بالعدالة والخدمات والإنماء ممكناً في قلب المعارك الإقليمية التي يخوضها حزب الله ويتّهم بتوريط لبنان بها ورهن مصير استقراره بنهايتها. وهذه الفرصة لا يملك حزب الله التذرّع بضياعها لاحقاً برهنها بظروف يعرفها سلفاً، وبنى خياره على أساس فهمها ومعرفتها. الاختبار السياسي الأهمّ لحزب الله يبدأ اليوم، وقد تبوأ موقع المنتصر الأول في صناعة المنصب السيادي الأول في الدولة اللبنانية، بعد طول تقشف وزهد في مقاربة معادلة الدولة اللبنانية، التي ستحمل مع العماد الرئيس صورة مقاربة حزب الله لفرصته اللبنانية التي بناها بتضحياته وانتصاراته.
– بالنسبة للفريق السياسي الذي لا ينتمي للخيارات الكبرى التي يمثلها العماد الرئيس، والتي تمسك بتأكيدها في خطاب القسم الذي سيشكل من اليوم خطاب الجمهورية، التمسك بالمقاومة والحرب الاستباقية على الإرهاب وقانون انتخاب عادل ويمرّ ضمناً للنسبية. الرئيس العماد هو الفرصة الأخيرة المتاحة لإثبات أنّ اتفاق الطائف لا يزال صالحاً وقادراً على الحياة. فالسير بالعماد رئيساً كان بالنسبة لهم الدواء المرّ للتعامل مع داء التوازنات الجديدة التي قالوا إنّ حزب الله تمترس وراء العماد مرشحاً رئاسياً لتعطيل الرئاسة والتمهيد للمؤتمر التأسيسي، الذي سيبقى يطلّ برأسه، كلما تعثر النظام وأظهر عجزه عن صناعة الاستقرار، والتفوّق على الأزمات وامتلاك القدرة على احتواء الاستحقاقات، والتذاكي الذي ظهر في جلسة الانتخاب لا يستطيع أن يشكل خارطة طريق لأسلوب التعامل مع العهد الجديد، كما خطاب الرئيس سعد الحريري العدائي لسورية والمقاومة، ممثل الفريق السائر بالخيار الرئاسي عنوة لتفادي الأسوأ، الذي يعني استمراره الحؤول دون تشكيل الحكومة أو بالحدّ الأدنى تعريضها للفشل عند كلّ اختبار.
– الأهمّ هو ما يمثله العماد الرئيس من فرصة لفكرة العمل الحزبي، في نظام طائفي، فهو كشخص وأفكار وتاريخ ومسيرة ومنظومة قيم وأخلاق ورؤى، يشكل حالة غير مسبوقة لعديد من الخيارات التي تملك عبره فرصة استثنائية، فهو زعيم مسيحي، لكنه علماني، من أصول وتاريخ عسكريين لكنه كمدني، رئيس حزب شعبي كبير من لون طائفي طاغٍ، لكنه محاط بشراكات وتفاهمات عابرة للطوائف، مشروع الدولة يرمز إليه بقوة، كما يرمز هو لمشروع قيام دولة، حليف موثوق للمقاومة، وأب شرعي لمؤسسة الجيش، إصلاحي ومحارب ضدّ الفساد يرأس نظاماً قائماً على المحاصصة الطائفية التي تشرع الفساد وتشرع له الأبواب، ساعٍ جادّ لبناء دولة مؤسسات لا مكان للتمييز فيها، وزعيم يبحث للمسيحيين في الشرق عن طمأنينة انتماء لوطن ودولة يشعرون فيهما بدور مميّز خارج احتساب العدد. يعني خلافاً للديمقراطية، فرصة وتحدّياً، هو الرئيس العماد، والرئاسة فرصة له وتحدّ في آن واحد. وإذا كانت الفرصة واضحة، فالتحدّي هنا نابع من قدرة جعل البرامج أعلى مرتبة من السياسات الصغيرة، التي تختزنها الحكومة وتشكيلتها، والتعيينات التي ستتولاها. البرامج التي تقدّم الجواب على كيفية السير بين نقاط هذه التناقضات، قانون الانتخاب، مفهوم الأمن القومي، رؤية اقتصادية في ظلّ الحرب، كيف تكون الأجوبة على هذه التحديات مشاريع تسويات ممكنة، وتعبيراً عن مشروع تغيير واعد في آن واحد؟
– فخامة الرئيس نثق بك ونراك فرصة تستحق الرهان والأمل.