ترامب… «لن نسعى لتغيير الأنظمة»
حميدي العبدالله
درجت السياسة الأميركية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية على خوض حروب والقيام بتدخلات هدفها المركزي تغيير الأنظمة، واستبدال أنظمة تسعى للاستقلال بأنظمة تقبل التبعية للولايات المتحدة.
وشنّت الولايات المتحدة هذه السياسة في الحرب الكورية مطلع خمسينات القرن الماضي، ونظمت انقلاباً في إيران ضدّ حكومات مصدق، ونفذت سلسلة من الانقلابات في أميركا اللاتينية أبرزها الانقلاب الدموي الذي أطاح بالرئيس التشيلي، كما أنّ الولايات المتحدة دخلت في حروب منهكة في جنوب شرق آسيا كبّدتها خسائر كبيرة عرفت بالحرب الفيتنامية.
لم تتوقف سياسة التدخل وتغيير الأنظمة بعد انتهاء الحرب الفيتنامية، ولكنها انحسرت قليلاً بفعل توازن القوى الدولي الذي ساد في عقد الثمانينات، ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار المعسكر السوفياتي عادت الولايات المتحدة إلى سياسة تغيير الأنظمة وبقوة أكبر من أيّ مرحلة سابقة، فكان غزو العراق وأفغانستان وليبيا والحرب على اليمن وعلى سورية.
لا شك أنّ هذه الحروب كبّدت الولايات المتحدة خسائر كبيرة، إنْ لم تكن بالأرواح ولكن بالممتلكات، واستنزاف الاقتصاد الأميركي، وأدّت أولوية الإنفاق على تمويل الجهد العسكري إلى تخلف أداء الاقتصاد الأميركي، وسهّلت العولمة التي سعت إلى فرضها الولايات المتحدة كونها تعمل في صالح شركاتها متعدّدة الجنسية إلى بروز منافسين اقتصاديين غير متوقعين، مثل الصين وكوريا والبرازيل والهند، وبدأت البضائع المنتجة في هذه البلدان تغزو الأسواق الأميركية وتقتطع حصةً كبيرةً لها في هذه الأسواق، وانعكس ذلك في تراجع إيرادات الخزينة، الأمر الذي أدّى إلى عجز كبير جراء العجز في الميزان التجاري، رتّب على الولايات المتحدة ديوناً تجاوزت إجمالي ناتجها القومي، وبلغت ديون الولايات المتحدة حوالى 20 تريليون دولار. كما أنّ العولمة أدّت إلى تراجع فرص تشغيل الأميركيين وانتشار البطالة، ولا سيما في ظلّ مزاحمة الأيدي العاملة الرخيصة جراء الهجرة غير الشرعية في الولايات المتحدة.
أدّى كلّ ذلك إلى نشوء أوضاع ضاغطة داخل النخب الحاكمة في الولايات المتحدة، وتحديداً في صفوف الحزبين اللذين تناوبا على حكم الولايات المتحدة منذ تأسيسها حتى الآن، جرى التعبير عنها في انتخابات عام 2016 والتي قادت إلى الفوز غير المتوقع للمرشح الجمهوري دونالد ترامب.
إنعاش الاقتصاد الأميركي يبدأ بوقف حروب الولايات المتحدة، والتراجع عن سياسة منح الأولوية للإنفاق الحربي، ولأنّ المبرّر الرئيسي لحروب الولايات المتحدة سياسة التدخل لتغيير الأنظمة، لذلك رفع ترامب شعار «لا سياسة تغيير الأنظمة».