«تفاصيل صغيرة»

زارني بعد غياب شهور طويلة لعلّها تجاوزت السنة. وكالمعتاد بدأنا أسئلة الاطمئنان: العائلة، العمل، الحرب، الحبّ، لا سيما أنّه صديق قديم من أيام الجامعة.

فاجأني حين قال: «أتدرين ما مشكلتي؟ إنني في مرحلة ما فقدت الإحساس، تبلّدت، لم يعد فرح يحرّكني أو حزن يقضّ مضجعي. فجأة، شعرت أن روحي تغرق في بحر من الكآبة، أصبحت عاجزاً عن التفاعل مع ما حولي، وللمرّة الأولى أشعر أنني بحاجة ماسة إلى أن أحبّ. أحتاج إلى إحساس يهزّ كياني ، ليعيد إلى روحي ألقها وإلى قلبي نبضه. أحتاج إلى أن أشعر أنّني على قيد الحياة من جديد. لكن كيف لي أن أجد الحبّ وهل نجده بالبحث عنه؟».

قلت له: يا صديقي، لطالما قلتها الحبّ نوعان: حبّ تسعى إليه وحبّ يسعى إليك. فأما الذي تسعى إليه فتحكمه إرادتك ورغبتك في الوقوع في الحبّ لملء فراغ نفسيّ أو عاطفيّ. وأما الحبّ الذي يسعى إليك فهو شبيه القدر، لا يُردّ ولا يُصدّ. شبيه الولادة والموت، لن يستشيرك حين يأتي، وإن حلّ بك قد يكون جنّة أو جحيماً. لكن في كلّ الأحوال، أن تحبّ وتفشل خير لك من قلب تحوّل إلى حجر أصمّ. فإن كان الحبّ هو الصدمة الكهربائية التي تنعش روحك من غيبوبتها فليكن… لكن دع في حسبانك أنه قد يصبح صليبك الذي تحمله».

قال: لم أفهم .أتشجعينني أم ترهبيني؟».

يا صديقي، ومتى كان الحبّ ينتظر جواز سفر أو إذن مرور؟ متى كان يستجيب لنصح أو توجيه؟ متى كان ينتظر أن تفتح له الباب أو تغلقه؟ إن كان سيأتي، سيأتي شئت أم أبيت. أكنت بانتظاره أم لم تكن. كن على قيد الحبّ كي تبقى على قيد الحياة. لن أعطيك نصيحة… «كن من أنت حيث تكون… واحمل عبء قلبك وحده ».

وللحديث تتمّة.

العبارة من قصيدة للشاعر محمود درويش.

منى عبد الكريم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى