غارات أميركية منسقة مع سورية… أكاذيب وخفايا
كتب المحرر السياسي:
التحوّل الذي فرضته الغارات الأميركية الجوية على مواقع «داعش» و»النصرة» ونظرائهما في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور وإدلب صباح أمس، شكل نقطة انعطاف خجولة في التراجع الأميركي عن لغة العربدة لم تصل إلى حدّ الاعتراف بالحاجة إلى تعديل الموقف من سورية، وأكذوبة الرهان على معارضة يسمّيها الرئيس الأميركي «معتدلة»، من دون أن ينسى أو ننسى تسميته لهذا النوع من الرهانات بـ»الفانتازيا» التي تضيّع الوقت والجهد.
فتحت كوّة في جدار التأزّم الناتج من الإعلان الأميركي، منذ بدء التحضير لمشروع حلف الحرب على «داعش»، رفض كلّ تنسيق مع سورية، والعودة إلى نغمة تسليح وتمويل «معارضة معتدلة».
حدث التصعيد الأميركي الكلامي بحق سورية، تدخلت روسيا ونصحت سورية بالإعلان عن الاستعداد للمشاركة بأيّ تحالف دولي جدّي لمحاربة الإرهاب، والتحذير من مخاطر أيّ عمل داخل سورية من دون تنسيق مع الدولة السورية، لمنح موسكو فرص التفاوض بصورة أفضل مع واشنطن، فظهر وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحافي تضمّن ما كان مطلوباً بكلّ وضوح وحزم، وعلى رغم ذلك تكرّرت المواقف الأميركية نفسها، فأعلنت موسكو وطهران تأييد موقف سورية وإدانة أيّ انتهاك لسيادة الدولة السورية.
أجرت قناة «سي أن أن» حواراً مع المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس الأسد الدكتورة بثينة شعبان، فأعادت التذكير بمواقف دولتها، فنقل الإعلام الأميركي كلامها بصيغة تهديد، لتبرير كلام مقرّر صدوره عن الرئيس الأميركي، يهدّد بالتصعيد وضرب الدفاعات الجوية السورية.
بقي كلّ شيء معلقاً، وتجمّدت الغارات، ونصح البنتاغون الحليف المتحمّس للمشاركة بالحرب والعدائي جداً ضدّ سورية الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، بعدم الاقتراب من سورية وأجوائها وأراضيها، فأعلن أنه لا ينوي إرسال طائراته إلى الأجواء السورية وسيحصر حركته بالعراق.
حدث شيء ما فتلاقى الموقفان السوري والأميركي في منتصف الطريق، فماذا حدث حتى قبلت واشنطن تبليغاً مسبقاً بتفاصيل ما تنوي فعله، وحتى قبلت سورية اعتباره تنسيقاً؟
مصدر عراقي واسع الإطلاع قال لـ»البناء «إنّ معلومات استخبارية هامة تجمّعت لدى العراق، فتمّت تقاطعات المعلومات مع الأجهزة الغربية، وتمكن الأميركيون من تدقيقها في تركيا، وتمّ التشاور بصددها مع سورية، وموضوعها وصول أسلحة نوعية وتشكيلات قتالية وقادة بارزون عبر تركيا، إلى مناطق سيطرة «داعش» في سورية.
المصدر يقول إنّ إيران كانت في صورة ما يجري، وإنّ حجم الحدث الذي كان يجري تتبعه يستحق تخطي التحفظات المتبادلة، وتخفيض سقف التوتر السوري – الأميركي، وساعدت أحداث اليمن في تقارب أميركي – إيراني، فطلبت إيران ضمانات بعدم استهداف مواقع سورية بحجة ضرب «داعش» هذه المرة أو سواها، فحصلت على ذلك، وطلبت روسيا أن يتضمّن التنسيق تحديد مدى عرضي للمرات المستخدمة من الطيران الأميركي ومواعيد الدخول والخروج من الأجواء السورية ونقاطها، لتجري برمجتها على شبكات الدفاع الجوي السورية الحديثة، الروسية الصنع.
أصرّت سورية على أمرين وفقاً للمصدر العراقي، الأول إثبات جدية أميركية بخوض الحرب على «داعش» عبر دخول تركيا الحلف رسمياً، ووقف تدفق المال والسلاح ومنع وصول المقاتلين، والثاني أن يتمّ تسليم المعطيات الخاصة بالعمل عبر سفير سورية في نيويورك بشار الجعفري، لأنّ التنسيق تريده سورية عبر الإطار الديبلوماسي.
وافقت واشنطن مع شرطين أنها لن تتوقف عن القول، برفض التعاون مع الدولة السورية، والتمسك بالمعارضة التي تسمّيها «معتدلة».
يضيف المصدر أنّ العملية التي استدعت أياماً من التحضير، واستدعت استخدام صواريخ التوما هوك، استهدفت مستودعات تخزين مصنع للأسلحة الكيماوية تحت الأرض، والشحنات الواصلة للمستودعات تضمّنت موادّ أولية لصناعة هذه الأسلحة، تسمح إذا تركت شهراً واحداً بتحويل «داعش» إلى خطر يصعب التعامل معه عسكرياً بامتلاكه سلاحاً كيماوياً فعّالاً، وقال المصدر إنّ العملية نجحت بتدمير كلّ شيء وحققت أهدافها كاملة، خصوصاً بعدما نجحت سورية مقابل تقبّل التنسيق على مستوى الحدّ الأدنى، بفرض تغيير في موقع تركيا سيفرض الكثير من المتغيّرات على الميدان في وجه «داعش».
أما عن المشاركة العربية فنفى المصدر أن يكون أيّ من الدول العربية قد شارك في الغارات، وقال إنّ الكلام الإعلامي المتداول بعيد جداً عن الواقع.
وختم المصدر إذا كان الأميركيون يكذبون بالقول إنهم لم ينسّقوا، فالحكومات العربية تكذب أكثر عندما تقول إنها شاركت.
على إيقاع هذا التطوّر وخلفية ما يجري في قضية العسكريين المخطوفين، أطلّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله تلفزيونياً، ليعلن موقف الحزب الرافض للحلف الدولي، والرافض لمفاوضات حول العسكريين المخطوفين من موقع الضعف، ليخاطب السيد نصرالله قادة «داعش» حول تهديداتهم بالدخول لبيروت، قائلاً: لا… لن ولا يمكنكم أن تدخلوا لا بيروت ولا سواها، بينما عقد مجلس النواب جلسة روتينية لانتخاب رئيس للجمهورية جاءت تشبه سابقاتها بلا نصاب ولا انتخاب، ويستعدّ المجلس لجلسة تشريعية وشيكة لكن يبدو أنها لمرة واحدة فقط، لا تحلّ مشكلة الخلاف على التمديد للمجلس أو التوافق على الذهاب إلى الانتخابات النيابية.
وأمس رد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله على «التوحش السياسي» الذي يتعرض له الحزب بحسب تعبيره، في شأن التفاوض في قضية العسكريين المخطوفين من قبل الجماعات الإرهابية.
وأكد في كلمة متلفزة عبر قناة «المنار» أنه «منذ البداية كان من الواجب أن تتعامل القوى السياسية كلها كما الناس والإعلام، مع هذه القضية بمستوى القضية الوطنية الأخلاقية والإنسانية، وكان يجب أن يكون هدف الجميع استعادة العسكريين إلى أهلهم بأسرع وقت. هذا الهدف سيبقى هدفنا إلى أن ينجز»، معرباً عن أسفه، إذ إن «بعضهم حول هذه القضية إلى مادة للسجال وتوجيه الاتهامات الكاذبة وإثارة النعرات الطائفية وقلب الحقائق والتزوير والكذب ورفع مطالب هي أكبر من مطالب الخاطفين أنفسهم».
وقال: «من الطبيعي في قضية من هذا النوع أن الجهة المعنية تقوم بالتفاوض، ونحن فاوضنا في مناسبات عدة لاستعادة أسرانا، لذلك نحن لم نرفض على الإطلاق مبدأ التفاوض، وقلنا إن موقفنا هو أن الجهة المفاوضة تأتي بمطالب الخاطفين وتدرس هذه المطالب وتناقش، فقد يكون هناك مطالب معقولة وأخرى غير معقولة». وإذ شدد «على وجوب أن يكون التفاوض من موقع قوة، لا التوسل والاستجداء» لفت إلى أن «لبنان يعيش إذلالاً حقيقياً منذ أسابيع بسبب الأداء السياسي للعديد من القوى السياسية».
ورأى السيد نصرالله، أنه «إذا أردنا أن يعود العسكريون بصحة يجب أن نفاوض بقوة»، محذراً من أن « التفاوض من موقع ضعيف سيؤدي إلى كارثة».
وأوضح أن «مسألة الخطف المضاد، أمر غير جائز لا شرعاً ولا قانوناً وهو غير مجد، لأن الجماعات المسلحة لا تأبه. الخطف المضاد لا يوصل إلى أي مكان بل أسوأ من ذلك يحقق أهداف الجماعات المسلحة التي تعتمد الخطاب المذهبي التكفيري والتحريضي»، ونبه إلى أن هؤلاء «يريدون خلق الفتنة في لبنان ونقل الإرهاب إليه»، داعياً إلى عدم المس بالنازحين السوريين.
وفيما أكد «أننا ضد «داعش» وضد هذه الاتجاهات التكفيرية ونقاتلها»، شدد في المقابل، على رفض التحالف الدولي بقيادة أميركا «أكان المستهدف النظام السوري أو «داعش» أو غير «داعش»، ولا نوافق على أن يكون لبنان جزءاً من التحالف الدولي».
وزاد: «أميركا بنظرنا هي أم الإرهاب وأصله، وهي الداعم المطلق لدولة الإرهاب الصهيونية. أميركا صنعت أو شاركت في صنع الجماعات الإرهابية وهي ليست في موقع أخلاقي يؤهلها لقيادة تحالف على الإرهاب»، معتبراً أن هذا الأمر «فرصة أو ذريعة لتعيد أميركا احتلال المنطقة من جديد».
ورأى السيد نصرالله، أننا «قادرون على رغم الانقسام السياسي والتجاذبات أن نواجه الإرهاب من خلال جيشنا وشعبنا وصمودنا». ورد السيد نصرالله على تهديدات بعض الجماعات المسلحة بدخول العاصمة قائلاً: «لا تهددونا بدخول بيروت فما زلنا على قيد الحياة».
المخطوفون في لقاء سلام ـ أردوغان
وفيما يحضر ملف العسكريين المختطفين في لقاء رئيس الحكومة تمام والرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد سلام في مقابلة تلفزيونية «أن لبنان لن يرضخ للابتزاز الذي يمارسه خاطفو العسكريين اللبنانيين»، معلناً «أن الحكومة طلبت في المفاوضات غير المباشرة التي تتم مع الخاطفين أن تكون نقطة الانطلاق الثابتة في التفاوض وقف عمليات القتل».
وكانت سارعت جبهة النصرة أمس إلى الإعلان عن استهداف مكان تواجد الجنود اللبنانيين المحتجزين لديها بصاروخ موجه. ونشرت عبر موقعها على تويتر صورة للصاروخ، الذي سقط وفق المعلومات في مكان بعيد عن موقع تواجد العسكريين. وأكدت مصادر مطلعة أن الخبر لا أساس له من الصحة و»جبهة النصرة» قامت بفبركته للعب على وتر الفتنة كما عاداتها.
إلى ذلك، أكد عضو هيئة العلماء المسلمين حسام الغالي لـ«البناء» أن الهيئة تحاول الضغط على المشايخ السوريين الموجودين في عرسال، للحديث مع المسلحين في الجرود لوقف عملية ذبح العسكريين المخطوفين، لأن الاتصال المباشر معهم مقطوع. ولفت إلى أن أحد الأجهزة الأمنية أبلغ الهيئة أن المبادرة القطرية لم تتوقف وهي مستمرة، لإيجاد حل لقضية العسكريين.
استشهاد جندي في طرابلس على يد داعشي
وفي مجال أمني آخر، واصلت القوى الإرهابية في طرابلس اعتداءاتها ضد الجيش. وفجر أمس أطلق مجهول النار على مركز للجيش في البداوي ما أدى إلى استشهاد الجندي محمد خالد حسين من بلدة تكريت في عكار. وكشفت مصادر طرابلسية لـ«البناء» أن القاتل يدعى م.ح وهو من المقربين من تنظيم داعش الإرهابي. وأشارت المصادر إلى وجود تحضيرات لاستهداف الجيش في طرابلس، ونقل سيناريو استهداف الجيش في عرسال إلى مختلف المناطق اللبنانية.
وعقد أمس اجتماع أمني برئاسة نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل، واتخذ إجراءات وتدابير لترسيخ الأمن في البلاد بحسب ما أعلن مقبل.
تعقيدات في الاستحقاق وانفراج في التشريع
على الصعيد السياسي والنيابي الداخلي، بقيت الأمور معقدة على جبهة الاستحقاق الرئاسي بعد أن أرجئت جلسة الانتخاب الثانية عشرة إلى 9 تشرين الأول المقبل بينما اندفعت مسألة التشريع إلى الأمام من خلال حصول تقدم ملامح اتفاق على موضوع سلسلة الرتب والرواتب والتي تعتبر مفتاح الجلسة على حد تعبير رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمام زواره أمس.
وعلمت «البناء» أن الاجتماع الذي عقد بين وزير المال علي حسن خليل وممثل قوى 14 آذار في هذا الموضوع النائب جورج عدوان أحرز مزيداً من التقدم في شأن السلسلة حيث برزت ملامح الاتفاق على زيادة 1 في المئة على ضريبة القيمة المضافة T.V.Aوإعطاء ست درجات للمعلمين والموظفين وتقسيط السلسلة على سنتين من دون مفعول رجعي. وإذ أكدت المعلومات أن عدوان كلف شخصياً بالتفاوض عن 14 آذار، أشارت إلى أن لقاء بري ورئيس كتلة المستقبل النائب فؤاد السنيورة المرتقب سيتمحور حول الاستحقاق الرئاسي وليس حول موضوع السلسلة.
وأعرب بري عن ارتياحه للتقدم في معالجة هذا الأمر مؤكداً أن الجلسة التشريعية المقبلة لن تتناول أي بند في جدول الأعمال قبل السلسلة. أما في شأن الاستحقاق الرئاسي أشار بري إلى أن «العقبات الأساسية هي لبنانية وللأسف بتنا نحتاج إلى تدخل خارجي».
وتوقع النائب عدوان لـ«البناء» أن «يعقد اجتماعً لهيئة مكتب المجلس بعد غد الجمعة لوضع جدول أعمال الجلسة التشريعية التي ستعقد الأربعاء المقبل لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، واليورو بوند وقوانين مرتبطة بالتصديق على قروض وتعديل مهل قانون الانتخاب».
إلا أنه في النقطة الأخيرة، أكد النائب نقولا فتوش لـ«البناء» أن تعديل مهل قانون الانتخاب يعني تأكيد الخطأ بعدم مراعاة المهل، لافتاً إلى أن المهل لا يمكن تعديلها إنما يمكن وقفها. وأشار إلى أن لا شيء اسمه تشريع الضرورة، فهذا التشريع هو بدعة ومخالف للقانون، لأن الهيئة العامة هي من تقرر التشريع لا أي شخص آخر.
وإذ سأل ما هي طبيعة المهل وهل يحق للمشترع تعديلها، لفت إلى أنه سينتظر اقتراح القانون لإبداء الرأي القانوني السليم.
واعتبر فتوش، من جهة أخرى، «أن التمديد للمجلس النيابي هو إنقاذ للبلد، ومن يأخذ التمديد بخفة يعني أنه لا يأخذ في الاعتبار المخاطر المحدقة بالبلد».
في المقابل أكد تكتل التغيير والإصلاح بعد اجتماعه الأسبوعي أن المطلوب اليوم إعطاء أولوية للتشريع بالاستناد إلى المبادئ القانونية الدستورية والعادلة، مطالباً بإبعاده عن كل ما يخل بالمبادئ.
شكوك حول ما بعد التمديد
إلى ذلك شككت مصادر نيابية باستمرار فريق 14 بحضور جلسات التشريع بعد تمرير التمديد وقوننة ما كانت صرفته حكومة السنيورة وهو ما يعرف بقضية الـ11 مليار دولار إلى جانب السلسلة وقضية اليوروبوند. وأضافت إن هذا الفريق لم يتراجع عن استخدام ورقة التشريع كورقة ضغط في الموضوع الرئاسي بهدف انتخاب شخصية ضعيفة أو محسوبة عليه.
إلى ذلك لفت البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي إلى أنه «لا يحق لأي فئة أو مكوّن أو تحالف سياسي أو مذهبي أن يُهيمن على البلاد وينحرف بالديمقراطية التوافقية عن غايتها وهي خير البلاد العام». واعتبر بعد زيارته دار الفتوى أمس على رأس وفد روحي لتهنئة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بتنصيبه أن «المطلوب الولاء للبنان أولاً والتقيد بالدستور والميثاق وتطبيق وثيقة الوفاق الوطني نصاً وروحاً، وسد الثغرات الدستورية التي تتسبب بتعثر سير المؤسسات الدستورية، بعد خبرة دامت خمساً وعشرين سنة». وشدد على «واجب العمل من أجل التفاهم بين الفريقين المتنازعين «8 و14 آذار»، وانتخاب رئيس للجمهورية، وإجراء المصالحة الوطنية، وتأمين انتظام المؤسسات العامة، وتنزيه القضاء ودعم الجيش والقوى الأمنية، وضبط السلاح غير الشرعي».