الأسد ينتصر: بداية الانعطاف الأميركي الكبير
ناصر قنديل
– تبدو الجولة الخامسة من مؤتمر جنيف من أهمّ وأخطر، وربما أنجح جولات التفاوض في تاريخ الحرب على سورية، فقد رسم لهذه الجولة سيناريو الحسم على إيقاع خطة السيطرة على جزء من مدينة دمشق وعلى مدينة حماة، وتواصل الغارات «الإسرائيلية» على نقاط القوة السورية بذريعة تدمير شحنات سلاح لحزب الله، لكن المشغّل الذي أعطى الضوء الأخضر لعمليات نتنياهو ومحمد بن سلمان من واشنطن، وللوفد المفاوض الذاهب إلى جنيف لم يربط بين هذه وتلك، فهو وحده يعرف أنّ التصعيد التفاوضي يواكب انتصارات تغيّر الواقع العسكري بعكس اتجاه ما جرى في حلب، ولما سارت الأمور بشكل مناقض للتوقعات وتلقت الغارات «الإسرائيلية» ردعاً نوعياً، ولاقت غزوات النصرة بقيادة وتمويل السعودية، رداً كاسحاً، سحب خطته البديلة وترك الوفد المفاوض يتحدّث كالبلهاء عن فرض شروط المنتصر، وهو ينهزم شرّ هزيمة.
– تبدو غارات نتنياهو وغزوة بن سلمان التي أُعدّ لها الكثير سياسياً وعسكرياً كآخر محاولات تعديل التوازن العسكري التي تعقب انتصارات سورية وحلفائها في حلب، وتبدو واشنطن وقد أعدّت كلّ ما سيلي في حال النجاح وحال الفشل. وإذا كان معلوماً اللجوء للتصعيد في حال النجاح، فما نعلمه الآن هو كيف تتصرف في حال الفشل، وقد تتالت المواقف المخيّبة لآمال حلفائها، وما تحمله من انقلاب جذري على الخطاب التقليدي. فالحديث في البيت الأبيض صار عن الواقعية السياسية التي يشكل الرئيس السوري جزءاً من حقائقها التي لا يمكن إنكارها، وتبدو فرنسا كشريك في تصميم الهجمات شريكاً في الالتزام بالنتائج في حال الفشل مقابل التزام أميركي معاكس في حال النجاح.
– تسارعت الأحداث منذ دخول الأتراك إلى مدينة الباب لسباق محموم بين القوى الإقليمية لحجز مقاعدها في القطار السوري عبر بدائلها الميدانية، فسعى الأتراك للظهور كقوة ثالثة موازية لروسيا وأميركا في الميدان السوري، ووضعوا الأكراد هدفاً فلاقوا البطاقة الأميركية الروسية الحمراء التي أخرجتهم من الملعب، وجاء السعوديون و«الإسرائيليون» بخيار اللعب جنوب الملعب، والتسليم بكون الشمال ملعب الكبار متروكاً لروسيا وأميركا مبتعدين جنوباً، فحصلوا على فرصتهم، لكن الميدان قال كلمته الفاصلة وكان جنيف صندوق الرصيد الذي تجمع فيه الأوراق، وقد خرج نتنياهو وبن سلمان خاليي الوفاض من هذه الجولة التي تبدو الأخيرة قبل تبدّل المواقف.
– خلال يومين صدرت من واشنطن مواقف متتالية تثبت انّ ما قيل عن الرئيس السوري ليس مجرد اجتهاد أو فرضية او موقف ظرفي، بل هو سياسة رسمت ودرست كبديل لفشل آخر الغزوات، التي حاز كلّ من نتنياهو وبن سلمان الضوء الأخضر لتنفيذها من واشنطن، فبعد مواقف كلّ من وزير الخارجية والمندوبة الأميركية في مجلس الأمن صدر عن البيت البيض تفسير تأكيدي للموقف ذاته تحت شعار الواقعية السياسية.
– الكلّ يعلم أنّ جوهر البعد السياسي للحرب على سورية بات يتوقف على سؤال، حلّ بوجود الرئيس السوري أو من دونه، وأنه بحسم التوافق على الجواب الموحد من واشنطن أو موسكو تتجه سورية نحو مرحلة جديدة، فأن تقول واشنطن أنّ الحلّ يكون مع الرئيس السوري بشار الأسد انقلاب في مجريات الحرب والتفاوض، تماماً كما لو قالت موسكو إنّ الحل لا يكون مع الرئيس السوري، فأحد القطبين يجب أن يغيّر ليتغيّر المسار، وها هو يتغيّر.
– الأسد ينتصر في الميدان كما في السياسة.