الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.. أية أهداف وأية استراتيجية لمكافحتها؟
لور أبي خليل
إنّ النظام الوطني للنزاهة هو إجراء وقائي يستهدف تعزيز مناعة الإدارات العامة والمؤسسات العامة ضد ظاهرة الفساد من خلال عملية إصلاح تعزّز الشفافية في عمل المؤسسات وتفعل آليات المساءلة والرقابة التي يفترض أن تقوم بها السلطات الرقابية على أداء المؤسسات، وذلك لبناء منظومة شاملة تحكم سلوك الفاعل الاجتماعي، إضافة إلى بناء ثقافة تحارب انواع الفساد كافة. فقد انضم لبنان الى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عام 2008 التي تفرض على الفاعل السياسي إرساء نظام النزاهة الوطني، لا بدّ إذاً من أن تبادر السلطات اللبنانية الى اتخاذ خطوات عدة على الصعيدين التشريعي والتنفيذي بما يتوافق مع مواد الاتفاقية وتحديداً المادة الخامسة التي تلزم الدول الموقعة على الاتفاقية بوضع وتنفيذ سياسات فعالة لمكافحة الفساد وبتفعيل دور السلطات الرقابية.
ما هي التحدّيات التي تواجه تفعيل السلطات الرقابية في لبنان؟
عرف لبنان الكثير من الحكومات قاسمها المشترك هيمنة السلطة التنفيذية على بقية السلطات، ولم يجد الحكام أية قوى موازنة تملك القدرة على الوقوف في مواجهة الحكومة، للعمل بشكل فعلي على مبدأ فصل السلطات، خصوصاً أن اتفاق الطائف وضع السلطة التنفيذية في عهدة مجلس الوزراء مجتمعاً وليس في قبضة رئيس الحكومة بمفرده.
وقد ازدادت هيمنة السلطة التنفيذية، لأن أسلوب الحكم في لبنان مبني على المركزية الإدارية في اتخاذ القرار والهيمنة على أجهزة الدولة وعلى كل أدواتها. وعندها يصبح مَن يملك السلطة وزيراً كان أم رئيساً لمجلس الوزراء هو السيد المطلق أي الذي لا يقبل بوجود أية سلطة تشكك في قدراته أم تضع قراراته محل سؤال. ولا ننسى أن أجهزة الدولة في لبنان ساعدت جاهدة عبر ولائها الإعلامي ومدّها وتمجيدها لما يقوم به الحاكم. وهذا ما يُضفي غالباً على صفات الحاكم الألوهية. وتجدر الاشارة إلى ان المحكومين في هذه الأنظمة لا يملكون القدر الكامل من الحرية، لأنهم يخضعون لإرادة الحاكم، كل ذلك كان مصحوباً مع ضعف دور السلطات الرقابية.
ولمواجهة هذه التحديات يفترض تأسيس هيئة وطنية لمكافحة الفساد شرط أن يكون أعضاؤها خارج القيد الطائفي والمذهبي وهذا أمر يصعب تطبيقه لغياب الإرادة السياسية الجادة في تحقيق الإصلاح. إن المادة 6 من اتفاقية الأمم المتحدة لم تشر إلى إنشاء هيئة وطنية خاصة لمكافحة الفساد، لأنها اعتبرت أن دور الهيئات الرقابية في كل دولة يمكن أن يكون فاعلاً إذا أرست السلطة التنفيذية معايير لتفعيل دور هذه الهيئات. لذا يمكن البدء في إرساء الإطار القانوني والإطار المؤسسي داخل المؤسسات العامة والإدارات الرسمية أي تطوير التشريعات الآيلة الى تعزيز الشفافية في الحكم والإدارة.
كيف ذلك؟
يظهر المعيار القانوني لمكافحة الفساد في القطاع العام على شكل أربعة أعمدة: قانون نظام الموظفين، قانون العقوبات، قانون الإثراء غير المشروع وقانون تنظيم ديوان المحاسبة. أما الإطار المؤسسي فيشمل أيضا أربع دعائم: ديوان المحاسبة، الهيئة العليا للتأديب، مجلس الخدمة المدنية، والتفتيش المركزي. وتدخل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في الإطار المؤسساتي كإحدى الدعائم التي تُفترض إضافتها لتعزيز الشفافية والحكم الرشيد. إن دور كلّ من هؤلاء يحدّد ماهية تفعيل السلطات الرقابية إذ يظهر دور ديوان المحاسبة كمحكمة إدارية تتولى القضاء المالي مهمتها السهر على الأموال العامة فتكون مهمة الديوان حماية المال العام فندخل عندئذ في ضبط الفاعل الاجتماعي، أما الهيئة العليا للتأديب فتشمل جميع الموظفين في الإدارات العامة وفي البلديات والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة التابعة للدولة والبلديات باستثناء القضاة وهيئتي مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي ومؤسسة الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والجمارك وأفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية فتكون مهمة هذه الهيئة إنزال العقوبات المتعلقة بالموظف. وهنا يتحرّك النسق الإداري لعقاب الفاعل الاجتماعي، من ثم ننتقل الى مجلس الخدمة المدنية فتشمل صلاحياته جميع الإدارات والمؤسسات العامة وموظفيها والبلديات الكبرى باستثناء القضاء والقوى العسكرية فتكون مهام المجلس متعلّقة بتعيين الموظفين وترقيتهم وتعويضاتهم ونقلهم وتأديبهم وصرفهم من الخدمة. وهنا تكون السلطة مبنية على أساس النسق الأخلاقي لأن هناك سلّماً وظيفياً يُفترض بالفاعل اختياره ضمن المعيار الوظيفي. أما التفتيش المركزي فيتولى مراقبة الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات بواسطة التفتيش، ويكون هنا الفاعل تنفيذياً فنستخلص عندئذ أن النسق الإداري يتحرّك ضمن أربع صفات «صحة الاختيار، شفافية الضبط، نزاهة العقاب وفعالية التفتيش». فتكون هذه الصفات الأسس التي يفترض اعتمادها لإرساء فعالية السلطات الرقابية إلا أن الجدير بالذكر أن جميع الهيئات الرقابية تتبع لرئاسة مجلس الوزراء مما يُضعف إرساء معايير الحوكمة الرشيدة، لأن الهيئات الرقابية لا تستطيع تقييم أداء الفاعل الإداري ولا تثبيت الصفات التي ذكرناها آنفاً، لأنها تتمتع بالحرية المطلقة فسلطة الوصاية تكبّل عمل السلطات الرقابية وتُضعف وضع أنظمة ذاتية للإدارة والتوجيه والرقابة. فمجلس الوزراء في لبنان يستأثر بصلاحياته المطلقة في تنفيذ المهام الموكلة إلى السلطات الرقابية بما بتناسب مع مصالحه، فيكون هناك احتكار مطلق للسلطة واستبداد في ممارسة دورها. وهنا توزع الصلاحيات والمسؤوليات بشكل استنسابي بما يخدم مصلحة الطوائف والأحزاب الطائفية والمذهبية وليس بما يُفترض إرساؤه في آليات صناعة القرار الرشيد.
والسؤال الذي يفترض أن يُطرح ما هي أهداف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والتي سوف تقوم برسم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة هذه الظاهرة؟ وما هي أدواتها؟
دكتورة في العلوم السياسية والإدارية
باحثة وخبيرة في شؤون التنمية الاجتماعية
ومكافحة الفساد