الأزمة السورية… أمنيات البعض وأوهامهم!
إبراهيم ياسين
بعد ستّ سنوات ونَيَّف على تفجّر الأزمة في سورية، وانكشاف طبيعة الحرب الإرهابية الاستعمارية التي تشنّها الولايات المتحدة الأميركية والدول التابعة لها بواسطة أدواتها الإرهابية التكفيرية، التي تختبئ وراء تسميات متعدّدة لم يعد هناك أيّ التباس في طبيعة ما حصل في سورية، ويحصل منذ بداية الأزمة .
فالولايات المتحدة الأميركية، وفي سياق استراتيجيتها في المنطقة الهادفة إلى تعويم مشروع هيمنتها في المنطقة والعالم، تسعى لإعادة ضخّ الدماء وبعث الروح من جديد في «شرايين وقلوب» الأنظمة الهرمة التابعة لها، وإسقاط الأنظمة الوطنية الرافضة لهيمنتها والداعمة للمقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني.
ففي حين ركبت موجة ما سُمّيَ «بالربيع العربي» في مصر وتونس وليبيا… وأثارت الفوضى بواسطة الجماعات الإرهابية ولا تزال تثيرها حتى الآن، في سياق تثبيت نفوذها في المنطقة ومنع خروج هذه الدول من نطاق هيمنتها، أخفقت في تحقيق هدفها الأساسي، وهو إسقاط الدولة الوطنية السورية، وإقامة نظام يدين بالتبعية للولايات المتحدة الأميركية والمحور الرجعي الدائر في فلكها. وهذا الهدف، حاولت في البداية تحقيقه عبر التحريض الممنهج سياسياً وإعلامياً لدفع الشعب السوري للثورة ضدّ نظام الرئيس بشار الأسد تحت عناوين الإصلاح والحرية والديمقراطية، وهي مطالب لبّاها النظام وأقرّها دستورياً عبر مجلس الشعب والحكومة، وعملياً ضمن مؤسسات الدولة وأجهزته الأمنية لكن الولايات المتحدة الأميركية كانت تطمح بتحوّل ساحات المدن السورية، لا سيّما دمشق العاصمة إلى ساحات مماثلة لما حصل في ميدان التحرير في القاهرة، وفي شارع بورقيبة في تونس، من احتشاد مئات آلاف المواطنين الرافعين لشعارات الحرية، و»نريد إسقاط النظام»، وهو الشعار الذي رفع في كلّ من القاهرة وتونس وليبيا…
لم تلق محاولة واشنطن تأليب الشارع السوري ضدّ النظام وقيادة الرئيس بشار الأسد أيّ استجابة من الغالبية العظمى من الشعب السوري، لا بل أنّ ما حصل كان العكس تماماً، فميادين وشوارع المدن السورية غصّت بمئات الآلاف من السوريين الذين خرجوا لإعلان دعمهم والتفافهم حول الرئيس الأسد رفضاً للمخططات الأميركية والرجعية الهادفة إلى التدخل في شؤونهم الداخلية.
وقد كشفت هذه التظاهرات زيف ما روّج له الإعلام الغربي، والإعلام المشبوه المرتبط بالمشروع الأميركي من أنّ سورية تعيش احتجاجات شعبية تسعى إلى الإصلاح وتغيير النظام، وأنّ الرئيس بشار الأسد لا يملك الشرعية الشعبية، التي أكدتها وأثبتتها من جديد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي جرت في 3 حزيران من العام 2014، ولهذا لجأت الولايات المتحدة الأميركية إلى دفع الجماعات التكفيرية الظلامية المرتبطة بها للانتقال من حالة الاعتراض في الشارع، إلى حالة العنف المسلح ضدّ الدولة بكلّ مؤسّساتها العسكرية والمدنية.
وقد تبيّن بشكل لا يقبل الجدل بأنّ الولايات المتحدة الأميركية والأنظمة الإقليمية والعربية الرجعية، لا سيما تلك التي لها حدود مع سورية، قد أعدّت العدة لشنّ حربٍ إرهابية بالوكالة ضدّ الدولة السورية، وقيادتها وجيشها وشعبها، وأنّ هذه العدة تجسّدت في حشد عشرات الآلاف إنْ لم نقل مئات الآلاف من المسلحين الإرهابيين الذين جرى تجنيدهم وتدريبهم وتسليحهم بعد استقدامهم من نحو 93 دولة في العالم، بحسب تقارير دولية ومراكز بحثية غربية. وأنّ هؤلاء قد دخلوا الأراضي السورية عبر الحدود التركية والأردنية واللبنانية، ولولا هذا الدعم الذي قدّمته وما زالت تقدّمه أميركا والدول الغربية وأنظمة الخليج والنظام التركي لهذه الجماعات الإرهابية المسلحة لما تمكّنت هذه الجماعات من الاستمرار في حربها، ولكان تمّ القضاء عليها منذ زمن طويل. ومع ذلك فقد نجح الجيش السوري مدعوماً من حلفائه في محور المقاومة من إحباط أغلبية مخططات هذه الدول المتآمرة على سورية، ومنعتهم من تحقيقها، قبل أن ترسل روسيا قواتها الجو- فضائية، لمساندة الجيش السوري في حربه ضدّ الإرهاب وقواه المتعدّدة الأشكال والتسميات، مما قلب المعادلة الميدانية ومكّن الجيش السوري من أخذ زمام المبادرة على كلّ الجبهات، حيث نجح منذ أيلول 2015 وحتى اليوم، في استعادة مناطق شاسعة، كانت تحت سيطرة الإرهابيين، لا سيما الأحياء الشرقية من حلب وريفها الشرقي، ومعظم الريف الشمالي والغربي والجنوبي، إلى جانب ريف اللاذقية الشمالي، وريف حماة الشمالي ومعظم مناطق ريف محافظة دمشق، إلى جانب مدينة تدمر ومحيطها.
هذه الإنجازات والانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه، في مواجهة أعتى وأشرس حرب إرهابية كونية تقودها أميركا، لولا تماسك الدولة السورية وجيشها العقائدي والتفاف غالبية الشعب السوري حول جيشه، وقبل كلّ ذلك وجود قيادة شجاعة وصلبة وتمتلك الرؤية وبعد النظر بأبعاد هذه المؤامرة الخطرة على سورية والمنطقة، والإرادة والعزيمة على التصدّي ومواجهة هذه المؤامرة – الحرب، والدفاع عن سيادة واستقلال سورية وثوابتها الوطنية والقومية.
إذاً، من هنا، فإنه لا يمكن الفصل في هذه المعركة – الحرب بين الدولة والجيش والشعب والقيادة، باعتبارها معركة الدفاع عن سورية في وجه المحور الأميركي الصهيوني الغربي التركي الرجعي العربي، ومن الطبيعي أنه عندما تكون هذه هي طبيعة المعركة بين سورية ومحور المقاومة وحلفائهم من الدول الرافضة للهيمنة الأميركية والصهيونية، وفي الطليعة روسيا والصين، فمن الطبيعي، لا بل من البديهي أن يكون موقف القوى الوطنية والقومية والتقدمية العربية، أو غير العربية، أن تكون إلى جانب سورية قيادة وجيشاً وشعباً في تصدّيها لهذه الحرب الاستعمارية الإرهابية والسعي إلى إحباط أهدافها التي تتجاوز تدمير سورية والسيطرة عليها لتصل إلى القضاء على كلّ قوى المقاومة والتحرّر في المنطقة، بهدف إحكام السيطرة على عالمنا العربي ومحيطه، لنهب خيرات هذه المنطقة، وتمكين العدو الصهيوني من تحقيق حلم مشروعه في تصفية القضية الفلسطينية، والتسيّد على المنطقة.
لذلك كان من الخطأ مسارعة بعض القوى التقدّمية في بعض الساحات العربية إلى اتخاذ مواقف تفرّق بين «الشعب السوري وبين دولته وقيادته» في هذه المعركة، أو أن تنساق تحت تأثير الحملات الإعلامية المضللة، أو من خلال تمنيات وقراءات مغلوطة للواقع ولمجريات الأحداث، للقول بأنّ ما جرى في سورية كان احتجاجات شعبية، ترفع مطالب محقة جرى ركوب موجتها وحرفها في ما بعد عن أهدافها، وكأنما كان هناك حراك شعبي على غرار ما حصل في مصر وتونس، في حين أنّ الحقيقة مغايرة تماماً لما جرى… حيث أنّ الإحتجاجات التي حصلت في بدايات الأزمة لم تكن عفوية، بل كانت جاهزة ومنظّمة من قبل الجماعات الإرهابية ورُعاتها من أنظمة الخليج وتركيا ومن ورائهم العدو الصهيوني والدول الغربية، وتنتظر الوقت المناسب لانطلاقة الساعة الصفر لبدء المشاكل والمعارك…
وهذا ما أكدته وتؤكده الأحداث الجارية في سورية حتى اليوم.