مختصر مفيد الأردن بين مفهوم الوطن والكيان الوظيفي
منذ اتفاقيات سايكس بيكو، والتوصيف الغربي عموماً والبريطاني خصوصاً للأردن هو أنه ليس وطناً قابلاً للحياة، كحال سورية والعراق الناتجين عن صياغات الاتفاقية، وليس كلبنان ككيان قلق وفالق للانفجارات ووسيط خدمات ومختبر صياغات ونقطة انطلاق للمؤامرات وخدمات مصرفية وإعلامية لمشاريع الغرب في المنطقة. ومثلما فشل اللبنانيون حكاماً ومعارضين فتناوبوا على الأدوار في تحويل بلدهم وطناً قادراً على امتلاك توصيف يجمعون عليه ويحكتمون إليه، ويصيغون مفهوماً راسخاً للمواطنة يحكمهم ويحكمون باسمه ويحتكمون إليه، رغم إنجازات المقاومة وعظمتها ومداها الأكبر والأبعد من لبنان، عجز الأردنيون ولا يزالون في تثبيت هوية نهائية لوطنهم، لدرجة يحتمي القوميون واليساريون كثيراً بخيمة العرش الملكي كعنوان للهوية ويحاولون تحييدها عن كل نقاش حول الخلافات، ليس بداعي الإيمان بنظام ملكي ولا بداعي الموافقة على اتفاقيات وادي عربة ومشاريع التطبيع، التي غالباً ما ينسبونها للحكومات المتعاقبة وينزّهون العرش الملكي عن الخوض فيها، بل ربما لأن العرش الملكي هو واحد من ركائز التوصيف للكيان.
في حقبة غير بعيدة منذ ربع قرن، بدأ جدياً تداول نظرية الوطن البديل عن الأردن، بالسعي لجعله الدولة الفلسطينية البديلة، بالاستناد للتداخل الديمغرافي الطبيعي بين الأردنيين والفلسطينيين وصعوبة الفصل بينهم، من جهة ولحجم الفلسطينيين المقيمين أصلاً أو لجوءاً في الأردن من جهة مقابلة. وفي قلب مشروع الربيع العربي والدور الذي لعبه الأخوان المسلمون في قلبه وواجهته، بدا أن الأردن على خط النهاية سيكون الوطن المزدوج، وطناً بديلاً لفلسطين وبواجهة الأخوان، لكن الانتظار واجب حتى تسقط سورية، وإلا فالمغامرة بالأردن ممنوعة بحكم خطر الفوضى فيه على أمن إسرائيل مع حدود رقيقة العرض بطول يزيد عن ستمئة كيلومتر. ومع تراجع مشروع الأخونة وهزيمته في مصر بعد انتكاسته القاتلة في سورية، صار البحث بالدور الوظيفي للأردن مطروحاً من جديد على الطاولة.
مع تصاعد الحديث عن استعمال أميركي بريطاني للحدود الأردنية في خدمات وظيفية في الحرب السورية تحت شعار الجبهة الجنوبية، لا يبدو منطقياً أنها قابلة للحياة، بمعنى قدرة الأردن على تحمل تبعاتها بتصادم مع سورية وحلفائها يهزّ جيشه ومجتمعه وعرشه حكماً، من دون أن يكون أحد في الغرب جاهز لحرب بحجم حمايته من السقوط، وفقاً لمعادلة بسيطة وهي أن من لا يفعل ذلك يوم أسقط الأتراك الطائرة الروسية وترك تركيا تقلّع شوطها بأيديها لن يفعل شيئاً ليحمي الأردن من السقوط، ما لم يكن المراد هو سقوط الأردن، خصوصاً أن تصديع خطوط الحدود وقدراتها الدفاعية في مواجهة سورية وحلفائها الذين لن يتجاوزوا خط الحدود داخل الأردن، وتثوير الداخل وضرب استقراره، سيشكلان بيئة مناسبة لجعل الأردن ملاذاً بديلاً لداعش من الموصل والرقة. وهذا وحده يفسّر الرفض الأميركي لإغلاق الباديتين السورية والعراقية على داعش.
انتباه أردني مطلوب لمخاطر مقبلة. .
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.