الأحمد: نحن اليوم نُحْيي ذاكرة السوريين المجيدة
رانيا مشوّح
بألقها الدائم، ها هي تعود لتستقبل الإبداع مجدّداً. كل يوم ترفد الجمال وتستقطب الحالمين، تغنّي، ترسم، تعيش، تنعى الموت والسواد على أعتاب الفرح والشموخ والإحساس. من جديد، تطلّ دمشق متألقة بإبداعها، سابحة في خيال مبدعيها، ليفوحوا روعة وألواناً وبهجة في غدها المنبثق رغماً عن أنف كل متآمر. ومن هنا، واحتفاءً باليوم العالمي للتراث، وبعد ترشيح مدينة دمشق مدينةً مبدعةً في الحِرف التقليدية والفنون الشعبية، في «شبكة المدن المبدعة» لدى منظمة «يونيسكو»، أقامت وزارة الثقافة السورية، وبرعاية وزير الثقافة محمد الأحمد، مهرجان «أيام التراث السوري الرابع» في «خان أسعد باشا العظم»، حيث شمل المهرجان الذي افتتحه الأحمد، معرض صوَر، أزياء تراثية، معرض خطّ عربي، معرض فنّ تشكيليّ يستلهم التراث، معرض كتب التراث، معرضاً حيّاً للحِرف التقليدية الدمشقية، عراضة شامية، السيف والترس، ورقص المولوية.
كما تم تكريم عدد من الحِرفيين والمهندسين المعماريين السوريين، وذلك بحضور عدد من الشخصيات الثقافية والسياسية السورية.
الأحمد قال خلال المهرجان: تحرص وزارة الثقافة لمناسبة يوم التراث العالمي، أن تقدّم موروثاتها ونتاجها الغنيّ في هذا المهرجان الذي أقمناه بالتعاون مع وزارة السياحة. أسّسنا لمفهوم أننا عبر خمسة أيام متتالية سنقدّم الإرث السوري والدمشقي.
وأضاف: لدينا معرض فنّ تشكيليّ استوحى حارات دمشق وأزقتها وشوارعها. لدينا معرض للخطّ العربيّ، ومعرض صوَر للأزياء الشعبية والمِهن التقليدية، السيف والترس وغيرها. كل هذه الثقافات المتباينة يضمّها هذا المهرجان الذي نتمنّى أن نقول من خلاله إنّ سورية بلد غنيّ يحفل بحضارة متميّزة.
وأضاف: من خلال تجوّلي في المعرض أدرك تماماً سؤالاً يتردّد: «لماذا تم استهداف سورية؟»، والجواب: تم استهداف سورية لأنها بلد يتجذّر في الحضارة، لديه الكثير ليقوله، لديه ماضٍ مجيد حاولوا جاهدين ليمحوه وليمحوا حضارة شعب وأمة. مهرجان أيام التراث فرصة للتعرّف إلى كلّ ما تحتويه سورية من مِهن وصناعات تقليدية نسعى دوماً إلى عرضها والحفاظ عليها.
بدوره، قال المهندس علي المبيض معاون وزير الثقافة، الذي كرّم الحرفيين عن ضرورة هذا التكريم وأهميته: تعمد وزارة الثقافة إلى تكريم الرموز الثقافية والفنية التي نعتبرها منارات على طريق الثقافة السورية. هذا من أهم أعمال وزارة الثقافة. فنشر الثقافة عن طريق تكريم مناراتها يساعد في نشر الثقافة السورية التي نعتزّ بها، خصوصاً بعد الفترة العصيبة التي مرّت على قطرنا. لذا، يجب العمل كلّ بحسب موقعه، والتمسّك بعناصر الهوية الثقافية والحضارية السورية. إنّ تكريم هذه القامات يأتي خطوة على طريق حلقة ضمن سلسلة تسليط الضوء على هذه الرموز، على هذه القامات الثقافية والفنية والحرفية.
في حين تحدّثت أحلام الترك مديرة التراث في وزارة الثقافة عن المهرجان والتكريم قائلة: احتفاءً باليوم العالمي للتراث، نحتفل في وزارة الثقافة بـ«أيام التراث السوري»، وبترشيح مدينة دمشق مدينةً مبدعةً في منظمة «يونيسكو». هذا المهرجان هو الثامن عشر، إذ سبقته مهرجانات عدّة في باقي المحافظات. نركّز في المهرجان على عناصر التراث الشعبي في كلّ محافظة سورية. إنّ حماية التراث والحفاظ عليه من الواجبات الوطنية التي تشحذ عزيمتنا، ومن هذا المنطلق أطلقت وزارة الثقافة هذا المهرجان، كما كرّمت عدداً من الباحثين والحِرفيين الأوائل والفنانين الغيورين على تراث أمتهم، والذين تركوا بصمات لا تُنسى في ميادين التراث. وهذا التكريم هو ضمن خطّة الوزارة لصون التراث وتشجيع باقي الحِرفيين على العمل، خصوصاً بعد الحرب التي أثّرت على عددٍ من مَواطن التراث.
كما تحدّث إلى «البناء»، عدد من المشاركين في المهرجان، حيث قال الحِرفيّ بسام صيداوي ـ شيخ كار الجلديات وأحد المُكرّمين في المهرجان ـ قائلاً: مهنة الجلديات قديمة، توارثناها عن آبائنا وأجدادنا، ثم قمنا بتطويرها. هذه السنة أنا من المُكرّمين، خصوصاً بعدما شاركنا في معارض خارجية رفعنا رأس بلدنا من خلالها. حيث شاركنا في الهند والجزائر. الجلديات السورية أهميتها بالدباغة ومعروفة على المستويين العربي والعالمي.
أما إميلي فرح فنانة تشكيلية في مجال الخزف السيراميك ، وإحدى المُكرّمات، فتحدّثت عن مشاركتها قائلةً: مشاركتي مع باقي الحِرف كتكريم للحِرف والعمل اليدوي والتراثي لتطويره وتحسينه ليواكب العصر. الخزف هو أقدم حِرفة في التاريخ، وهو من المواد التي تحافظ على نفسها عبر العصور مهما تعرّضت لتغيير في المناخ. مشاركتنا جاءت للتعبير عن استمراريتنا وحضورنا كسوريين أوّلاً ومبدعين ثانياً.
كما أكّدت نهى ونّوس مديرة المعارض في الهيئة العامة السورية للكتاب في وزارة الثقافة، على أهمية الكتاب في عملية إحياء التراث السوري: طالما نتحدّث عن التراث والإبداع، فبالتأكيد هناك كتاب. مشاركتنا في هذا المهرجان في معرض يضمّ كتباً غالبيتها تراثية. هذه المشاركة هدفها إثبات أنّ الكتاب موجود في كلّ الفعاليات التي تخصّ الثقافة. والتشجيع على القراءة يكون في أيّ مكان لنا حضور فيه. عندما ننطلق من أيّ شيء نركّز على الكتاب، خصوصاً المتنوّع الذي يضمّ عدداً من الفنون للتعريف ببلادنا وبالحضارات الأخرى.
كما أشارت ونّوس إلى أنّ الهيئة تشارك في المهرجان بنسبة حسم 50 في المئة على إصداراتها خلال أيام المهرجان.
بدوره، قال عمار سمور رئيس وحدة إرشادية لصناعة السجاد اليدوي في الرحيبة عن مشاركته في المهرجان: مشاركتنا سنوية بحِرفة صناعة السجاد اليدوي. التراث عبارة عن حِرف يدوية، هذه الصناعة قديمة ومهمة لكنّها سابقاً كانت غير ممنهجة. لكن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل دأبت على تطويرها، ما أدّى إلى زيادة واضحة في الإنتاج. وزارة الشؤون تعكف على تفعيل الوحدات الإرشادية بعدّة طرق لإنعاش هذه الصناعة. الصناعات اليدوية هي ليست بثمنها إنما بروح وصانعيها وفنّهم.
أما الحِرفية اعتدال غلبة فقالت: إقامة مثل هذه المهرجانات دليل على نصر سورية واستمرارها. مشاركتنا كانت عبر الأشغال اليدوية والتطريز والكروشيه والبروكار، هذه الحِرف تعود إلى أكثر من 400 سنة منذ أن صمّمت الملكة إليزابيت فستانها في سورية من البروكار المطرّز بخيوط الذهب. ونحن نشارك دوماً لنقول للعالم إن مِهننا وحِرفنا لم تندثر بعد، بل تتطوّر وتتجدّد.
في حين قال أنطون طويل صانع أعواد موسيقية: صناعة الأعواد في سورية تعود إلى عام 1879، وهذا المهرجان يُحْيي التراث والفولكلور والصناعات التقليدية. وهذا النشاط مهمّ كاستمرارية للحياة، وهو عطاء أكثر من كونه مردوداً. هذه الصناعة مطلوبة جدّاً داخلياً وخارجياً رغم قلّة اليد العاملة.