الاستقلال… نقطة مضيئة في تاريخ لبنان
هاني ضيقة
لو عرف الإنسان قيمة الاستقلال، وأدرك حقيقة ما يحيط به من القيود، لانتحر كما ينتحر الطائر إذا حُبِس في قفص، فيكون ذلك خيراً له من حياة لا يرى فيها شعاعاً من أشعّة الحريّة، ولا تصل إليه نسمة من نسماتها.
رائعٌ أن نحتفل كلّ عام بعيد الاستقلال، لكنّ الأروع حقّاً أن ندرك كيف نوطّد أركان هذا الاستقلال وكيف نصونه ونحميه.
رائعٌ أن ترتفع الأعلام في هذه المناسبة العظيمة، لكنّ الأروع أن يعرف اللبنانيون كيف ينصهرون طائفة واحدة في ظلّ علم واحد. فالهويّة الوطنيّة هي، في حقيقتها، أمانة وفعل والتزام.
أنت مستقلّ، يعني أنّك حرّ في كلّ ما تريد شرط ألا تتعدّى حريّة غيرك.
أنت مستقلّ، يعني أنّك تعيش في وطن تكاد تكون الحريّة فيه سيلاً جارفاً لولا القوانين.
وطن اسمه «لبنان»، أنعم الله عليه ببركاته التي لا تعدّ ولا تحصى، وهنا يحضرني قول للشاعر المغترب داود عمّون:
يا بني أمي إذا حضرت ساعتي والطبّ أسلمني
فاحفروا في الأرز مقبرتي وخذوا من ثلجه كفني
وإليك ما يقوله إيليا أبو ماضي في لبنان:
لي في هوى وطني كتاب
يحكي على السطور من أيامي
سجّلت في متنه نصرانيّتي
ونشرت بين سطوره إسلامي
لقد آن لنا أن ندرك أنّ التنوّع في ظلّ الوحدة غنًى، والاختلاف ثروة، والتعدّديّة معين خير للجميع، شرط أن يحكم ذلك كلّه عقل يكبح جماح التطرّف البغيض.
نعم، نحن ندين بالولاء لطوائفنا وأحزابنا، على أن يكون ذلك كلّه تحت قبّة الوطن الجامع المانع، وإذا كان العالم كلّه يتكامل اليوم اقتصاديّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً متلمّساً سبيل وحدة إنسانيّة شاملة، فكيف نبقى نحن اللبنانيين أسرى التنابذ والتباعد والانقسام؟!
إذا كان العالم كلّه يدور اليوم في فلك التناغم والبحث عن القواسم المشتركة رغم ملايين الضحايا على مرّ العصور، فكيف لا يمدّ اللبناني يد الإخاء والتلاقي إلى أخيه في وطن كان على مدى التاريخ جسر تواصل بين شرق وغرب.
إنّني على يقين أنّ لبنان سيبقى رسالة فكر وحضارة في شرق تهبّ عليه الأعاصير من جميع الجهات. بالأمس كان لبنان حامل لواء النهضة في المشرق العربي. وهذا المشرق ينتظر اليوم شعلة هداية ومحبّة يحملها إليه لبنان في أدقّ الظروف وأصعبها.
فيا أبناء وطني،
لا يسعني في ختام هذا الكلام، بعد أن طاف بي شيطان الشعر، ووجدتُني عاجزاً عن صدّه، إلا أن أطلق هذه الأبيات المتواضعة أرصّع بها هذه المقالة:
وطنَ العلى عزّت بك الأوطانُ
وتراجعت عن غِيّها الحدثانُ
وُلد الزمانُ على يديك فصُنته
حتى نما وترعرعت أزمانُ
وتعلّم النُطقَ الخلودُ وقبلَهُ
ما كان نطقٌ ساحرٌ وبيانُ
فإذا تكلّم كان أوّل لفظةٍ
دارت على شفةِ الدنى لبنانُ
قممٌ، ملاعبٌ للنسور يصونُها
يوم الوغى الآسادُ والعقبانُ
وقفت تصدّ العاصفاتِ منيعةً
لم يحنِ قامة أرزها عدوانُ
ضُربت بأعماق الزمان جذورُه
وإلى النجوم تطلّعت أغصانُ
ما خُطّ سِفرٌ للحضارة خالدٌ
إلا ولبنانٌ له عنوانُ