السلسلة اليوم والتجزئة لثلاث سنوات؟
كتب المحرر السياسي
بين المناقشات الجارية في ساحة النجمة والقلوب الموزعة على استرضاء المصارف والشركات العقارية، أو العقول المنصرفة لإرضاء الضمير، تبقى العيون إلى بعبدا وقبة البرلمان دائماً هي المكان لإنتاج أو تظهير، ما ينتج للبنانيين في مطابخ الداخل حيناً والخارج أحياناً.
حتى اللحظة يبدو استحقاق الرئاسة كما استحقاق سلسلة الرتب والرواتب بين أيدي اللبنانيين وحلبة التنافس والمواجهة في ساحة النجمة بين أيدي نواب الأمة، الذين يفترض أنهم آتون للسياسة وفقاً لخيارات وتاريخ ورؤى تسهل عليهم القرار في الاستحقاقين الأهم اللذين يواجههما أي برلمان في أي بلد.
وحده النائب اللبناني يتعب ويشقى في الخيار، ليس لأن لبنان يختلف في التحديات والمعايير التي تفرضها مقاربة مثل هذه الاستحقاقات، بل لأن الاختيارات في برلمانات العالم تكون محسومة في عقل النائب ووجدانه ومعلومة وقابلة للتوقع من ناخبيه كما من المراقبين، إلا في لبنان حيث التورية وتعدد الولاءات يحكمان خيارات كثير من النواب، وفي غالب الأحيان يريحهم الاستناد إلى وسادة كلمة السر المنتظرة فيحتارون لأنها تأخرت، وليس لأنهم يفتشون عن التوازنات وجداول المقارنة بين الخيارات ودراسة الاحتمالات.
النواب في مقاربة سلسلة الرتب والرواتب يبحثون عن تسوية ترضي ناخبيهم المنتمين في أغلبهم لفئات ذوي الدخل المحدود المنتظرين منذ سنوات إقرار السلسلة، وبين صيغة ليس سقفها دائماً قدرة الموارد على تغطية الاحتياجات، بل عدم إغضاب التكتل الاقتصادي المتشكل من المصارف والشركات العقارية والضاغط بقوة للتهرب من المساهمة في تمويل السلسلة، تحت شعارات وهمية عن الاستعداد لتقديم بدائل.
المصارف بلغة الأرقام المتعلقة بموجباتها وفقاً لما يتداوله النواب لم تنتظر التمنيات والوعود فاتخذت قرارها بتوجيه إنذار للنواب عبر قرار التوقف عن العمل ليوم واحد، والنقابيون عبر هيئة التنسيق يعلقون وفقاً لمصدر نقابي قال لـ «البناء» ليل أمس هل سنسمع من النواب كلاماً من نوع، أن المجلس لا يشرع تحت الضغط كما سمعناها يوم نزلنا للشارع طلباً للإنصاف؟
وجواباً على إضراب المصارف قال الرئيس نبيه بري كما نقلت مصادر نيابية لـ «البناء» أنه لن يتراجع عن موقفه من آلية تمويل السلسلة التي اتفق عليها مع حاكم مصرف لبنان.
جلجلة السلسلة تبدو مستمرة على رغم وضوح الاتجاه للإنجاز وتلاقي كتل أساسية على حسم خيارها لصالح تأمين التمويل اللازم للسلسلة بأقل الأضرار الممكنة، وفي المقدمة كتلة التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة والمردة والقومي والبعث والاشتراكي، مقابل ارتباك واضح في كتلة المستقبل المدافعة عن مصالح المصارف والشركات العقارية، ومساعي تكتل التغيير والإصلاح من موقع رئيس لجنة المال والموازنة الوصول للتسويات.
الحل الأقرب صار ليل أمس جاهزاً للتظهير في جلسة اليوم، بصيغة تجزئة عائدات السلسلة المتراكمة على ثلاث سنوات بدلاً من خمسة، مع اعتماد مصادر الدخل التي أقرتها اللجان النيابية لجهة ما يجب أن يتوزع العبء فيه بين مداخيل يوفرها ما سيفرض من ضرائب على اللبنانيين، والمشاركة بالعبء التي فرضت على المصارف والشركات العقارية.
أما على ضفة الاستحقاق الرئاسي، فيبدو أن الحسابات داخل قوى الرابع عشر من آذار المتململة من ترشيح رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، قد وجدت ضالتها في الخطوة الجنبلاطية التي تمثلت بالتنسيق مع الفرنسيين على تبني ترشيح النائب روبير غانم، كمرشح وفاقي كما قال غانم في تمييز ترشيحه عن الرئيس التوافقي الناجم عن تسوية، مؤكداً وقوفه في خيار انتقائي يشبه خطاب جنبلاط بين قيم ومبادئ الرابع عشر والثامن من آذار، فهو مع المقاومة في مفهوم الثامن من آذار ومع السيادة في مفهوم الرابع عشر منه.
جنبلاط كلف من يجس له النبض لدى رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بترشيح غانم الذي تربطه علاقة جيدة بالحريري، كما ينوي استمزاج الرئيس نبيه بري بإمكانية فتح الطريق لجلسة النصف زائداً واحداً قبل نهاية الشهر ليكون الطريق سالكاً لرئيس على طريقة عام 1970، حيث وصل الرئيس الراحل سليمان فرنجية بفارق صوت واحد لسدة الرئاسة، كان لوالد جنبلاط دور رئيسي فيه، بمجرد التزام النواب بالفصل بين تأمين النصاب والاتفاق على شخص الرئيس، بينما ترى مصادر مقربة من رئيس القوات أن مسعى جنبلاط يهدف لتعزيز الطلب على أصواته كناخب مرجح في تأمين النصف زائداً واحداً، على حساب تيار المستقبل كناخب حاسم في أكثرية الثلثين، ولا تخفي المصادر شكوكها بوجود قطبة مخفية بتمرير الرئيس السابق أمين الجميل بتوافق يقوده جنبلاط ويسعى لتسويقه سراً بعدما رشح غانم علناً.
السلسلة إلى الواجهة
وسط هذه الأجواء بقيَ الهمّ الاجتماعي والمعيشي في أولويّة الاهتمامات السياسية والنيابية والحكومية، في ظلّ سباق مع الوقت في اجتماعات اللجان النيابية لبتّ سلسلة الرتب والرواتب، التي يُصرّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري على الانتهاء من درسها في اللجان اليوم، تمهيداً لإقرارها في الجلسة العامة يوم غد السبت، وذلك حرصاً منه على الوفاء بالوعد الذي قطعه لهيئة التنسيق النقابية التي تجاوبت مع طلب بري بوقف تحركها التصعيدي حتى صباح الاثنين، إفساحاً في المجال أمام اللجان والمجلس النيابي لإقرار السلسلة.
المصارف والصناعيون يرفضون
لكن ما كان لافتاً أمس، بالتوازي مع السعي لسحب فتيل الانفجار الاجتماعي لجوء جمعية المصارف إلى الاعتراض على زيادة الضريبة على أرباح المصارف من 5 إلى 7 في المئة، بل وذهابها إلى حدود إقفال المصارف اليوم، ما يطرح علامات استفهام حول الذهنية التي تتحكم بإدارة المصارف وممانعتها في رفض أي ضرائب على الأرباح الخيالية التي تجبيها، وإن كانت المصارف تتكئ في رفضها على مواقف رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة ومواقف لبعض المعنيين بالشأن المالي في البلاد، مع العلم أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي حضر اجتماعات اللجان لم يعارض زيادة هذه الضريبة، بل كان موقفه مرناً ومتجاوباً إلى حدّ كبير.
كذلك دخلت الهيئات الاقتصادية في جبهة الساعين لعرقلة إقرار السلسلة بحجة التخوّف مما وصفته «ضرائب كارثية على الاقتصاد الوطني وعلى المؤسسات الإنتاجية» فأعلنت رفضها رفع الضريبة على الفوائد المصرفية وزيادة ضريبة الدخل على العقارات والشركات الكبرى بمن فيها المدرجة في البورصة وغيرها، ما يشير إلى تحالف أصحاب رأس المال والشركات في مواجهة إقرار السلسلة والحؤول دون تحسين ظروف حياة أصحاب الدخل المحدود.
هيئة التنسيق تستنكر
وقد استنكرت هيئة التنسيق النقابية بعد اجتماعها مساء أمس بشدة موقف جمعية المصارف الرافض دفع الضرائب المتوجبة عليها، وقالت إن الجمعية كشفت بذلك عن وجهها الحقيقي الساعي إلى تراكم ثرواتها وامتصاص دماء اللبنانيين.
أوساط سياسية: السلسلة ستُقرّ
وبحسب أوساط سياسية ليلاً لـ «البناء» فإن مواقف جميعة المصارف والهيئات الاقتصادية لن يغيّر في مسار النقاش القائم في اللجان النيابية، وأوضحت أن المجلس بدءاً من الرئيس بري وكلّ الكتل النيابية مصمّم على إقرار السلسلة سريعاً ولاحظت الأوساط أن هناك من أوعز من أكثر من موقع وهم المتضررون من إقرارها لجمعية المصارف والهيئات الاقتصادية للتحرك بهدف العرقلة، لكنها أكدت أن عدم إقرار السلسلة هو الذي سيأخذ البلاد إلى مطبّات خطيرة ولذلك على الجميع في الدولة وأصحاب المصارف والاقتصاديين تحمّل مسؤولياتهم في تصحيح هذا الوضع الشاذ منذ حوالى 15 سنة.
اللجان تستكمل اليوم والجلسة العامة غداً
إذن، يعقد المجلس النيابي يوم غد جلسة تشريعية لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وقد تابعت اللجان المشتركة أمس درس السلسلة وتستكملها بعد ظهر اليوم، بعد جلسات ماراتونية ذخّرت بدفع كبير من الرئيس بري الذي حرص على ترؤس الجزء الأول من جلسة الأمس وضبط وقائع النقاش الذي دار حول مخالفات الأملاك البحرية، وجرى إقرار غرامات للمرة الأولى بنسبة 2.5 في المئة على الأراضي المخالفة للأملاك البحرية والنهرية و 7.5 في المئة على الأملاك المخالفة بمفعول رجعي لخمس سنوات، وقد وصفت المصادر النيابية لـ»البناء» هذا الأمر بأنه إنجاز مهم ليس لتغذية السلسلة فحسب، بل لاتخاذ مثل هذه القرارات للمرة الأولى بالنسبة لهذه المخالفات.
وكانت كتلة حزب الله طالبت بأن يكون المفعول الرجعي لـ20 عاماً غير أنّ كتلاً أخرى عارضت ذلك و بالأخص كتلتا القوات والتيار الوطني الحر وقد تُرك التخمين لوزارة المالية.
وقد أخذ موقف المصارف ورئيس جمعيتها حيّزاً من اهتمام النواب، حيث عبّر عدد منهم عن استيائهم وردّ بعضهم بعنف على هذا الموقف، في حين حاول البعض الدفاع مثل النائب غازي يوسف، غير أنّ الرئيس بري تدخّل حاسماً الموقف مؤكداً على تحمّل الجميع المسؤولية وعدم تهرّبهم منها، ومشيراً إلى أرباح المصارف وما تجنيه من الودائع. وقالت مصادر نيابية لـ»البناء» إنّ موقف المصارف غير مقبول لأنهم يعلمون أنّ الجميع يتحمّل المسؤولية، خصوصاً أنّ المصارف في لبنان تجني أرباحاً طائلة تبلغ مليار و 800 مليون دولار سنوياً.
وقد ناقشت اللجان أيضاً 12 مادة من الشق الإداري، وأقرت توحيد أساس الراتب في كل فئة باستثناء الهيئة التعليمية في التعليم غير الجامعي، واعتبار كل ما يزيد أساس الراتب بمثابة متمّمات له، وتستكمل اللجان المشتركة هذا النقاش اليوم لتكون السلسلة أمام الهيئة العامة يوم غد أو الاثنين.
المتضرّرون يحاولون عرقلة الخطة الأمنية في طرابلس
أما على الصعيد الأمني، فقد سُجّل يوم أمس تطوران بارزان الأول تمثّل بمحاولات قام بها مسلحون في طرابلس، استهدفت ضرب الخطة الأمنية بعد التحريض على الجيش الذي قام به داعي الإسلام الشهال، والثاني انطلاق الخطة الأمنية في البقاع الشمالي من خلال انتشار وحدات الجيش اللبناني في بريتال وحور تعلا.
ففي طرابلس، عمدت مجموعات من الشبان إلى قطع عدد من الطرقات احتجاجاً على توقيف بعض المطلوبين وقاموا بإحراق الإطارات، ما اضطر وحدات الجيش للتدخل من أجل فتح الطرقات.
وتزامن ذلك مع لجوء مسلحين ليل أول من أمس في التبانة إلى فتح اشتباك مع الجيش بعد قيام المسلحين بإلقاء رمانات يدوية في محلة التبانة، وعندما قامت دورية من الجيش بتعقب المدعو حسام دايخ الذي قام بإلقاء القنابل وتوقيفه، عمد عدد من المسلحين إلى إطلاق النار على الدورية، فجرت مداهمة مصادر النيران والاشتباك مع المسلحين وضبط أسلحة وتوقيف المدعو محمود قاسم. كما ألقت قوى الأمن الداخلي على أحد المطلوبين الخطرين في أحداث طرابلس والملقب بـ«بشلاوي».
وليلاً نفذ الجيش انتشاراً واسعاً وحواجز تفتيش في شوارع طرابلس.
ادعاء على موقوفين
إلى ذلك، ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على 15 شخصاً من الجنسيتين اللبنانية والسورية تبعاً للادعاء على المسؤول السياسي في الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد. كما ادعى على 17 آخرين من باب التبانة بجرم تشكيل مجموعة مسلحة.
وكان اللافت أن قاضي التحقيق العسكري الاول رياض أبو غيدا، أصدر أمس مذكرة غيابية بتوقيف رفعت عيد إضافة إلى 11 شخصاً في جرم الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح!
انتشار للجيش في بريتال
أما في البقاع الشمالي، فبدأت وحدات الجيش سلسلة من الإجراءات والتدابير في إطار الخطة الأمنية المُعدّة للمنطقة، فانتشرت أمس وحدات من الجيش في بلدتي بريتال وحور تعلا ونفذت عمليات دهم وتوقيف مطلوبين بتهم سرقة السيارات وأعمال الخطف والاتجار بالممنوعات، بينما أقامت قوى الأمن الداخلي وأمن الدولة حواجز على الطريق الدولية وعملت على تفتيش السيارات.
ومما يذكر أن الجيش كان قد أوقف مساء أول من أمس في عرسال ثمانية إرهابيين بينهم أحد أخطر المتورطين في تفخيخ السيارات وإرسالها إلى لبنان، المدعو قاسم محمد وهو ليس متورطاً عادياً في العمليات الإرهابية، بل صاحب قرار وقائد لوجستي في كل ما له بتمويل وتحضير السيارات المفخخة وأماكن تفجيرها.