من التكليف إلى التأليف الحريري إلى أين؟
ميسم حمزة
ملفات كثيرة تنتظر الحكومة لتبصر النور، منها سياسية واقتصادية ومالية وحياتية، فهل ستولد مبصرة فترى المشكلات وتسعى إلى حلها، أم ستولد كالقطط عمياء لا تبصر شيئاً كسابقاتها؟
المشاورات النيابية أعطت الأكثرية للرئيس سعد الحريري ليكون الرئيس المكلف بتشكيل أول حكومة في العهد الجديد، كما يعتبرها رئيس الجمهورية.
الثقة جرت في توقيت لافت من حيث السرعة تحت عنوان الإسراع في التأليف والتشكيل لمواجهة الاستحقاقات المحلية والإقليمية، في ظلّ تركيبة سياسية تفرض أن تكون الحكومة انعكاساً للتمثيل السياسي الذي نتج عن الانتخابات النيابية.
وليس خافياً على أيّ متابع لعملية التشكيل، المعوقات التي يواجهها تشكيل الحكومة، ومنها مطالبة القوات اللبنانية عبر دعم إقليمي، غير غريب عليها اعتمادها عليه، وهي التي نشأت من رحم التدخل الإقليمي، بإعطائها حصة أكبر من حجمها الحقيقي مما تسبّب بأزمة مع التيار الوطني الحر، إضافة إلى التمثيل الدرزي الذي يريد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط الحصول عليه كاملاً، وتمثيل السنة من خارج تيار المستقبل، فيما يحاول الرئيس الحريري تجاهل وجوده والفرار من شرب كأسه الشديدة المرارة على شفتيه.
هذه المعوقات مرتبطة بسلسلة من العقد لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها، ومنها أنّ الرئيس المكلف لا يمكنه التمسك بمطلب القوات اللبنانية واعتباره مطلب حق، لا سيما أنّ ما تطالب به القوات لا يعكس حجمها الفعلي وإنما يمكن النظر إليه على أنه مطلب تعطيلي يُعَدّ من المعوقات الأساسية التي تواجه تشكيل الحكومة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن للرئيس المكلَّف التغافل عن وجود مكوّن أساسي في الوطن ومنعه من الحصول على حقه بالتمثيل الوزاري. فالحريري اليوم أمام وجود سنيّ قوي في المجلس النيابي فرضته الانتخابات النيابية الأخيرة التي أتت نتائجها، رغم كلّ المعوقات التي وضعها في طريقها، والأساليب العوجاء والشعارات المستهلكة التي استخدموها قبل وخلال الانتخابات التي لم يشهد تاريخ لبنان حجم طعون كالتي قدّمت ضدّها، لتعكس إلى حدٍّ ما، التمثيل الشعبي الحقيقي، فأتت نتائج الانتخابات النيابية لعام 2018، مختلفة كليًّا عن نتائج الانتخابات النيابية لعام 2009، التي دفع خلالها أكثر من مليار وأربعمئة مليون دولار للوصول إلى الأكثرية النيابية المتعارضة مع الأكثرية الشعبية الحقيقية، وفي ظلّ قانون انتخابي لا يتيح عدالة التمثيل في ظلّ قانون أكثري وتقسيماته الانتخابية.
وعندما نتحدث عن تشكيل حكومة جديدة، من المفترض أن نتحدّث عن حكومة وحدة وطنية تعكس التمثيل الشعبي الحقيقي، حكومة أعطيَ رئيسها المكلف الثقة للتشكيل استناداً إلى وقائع وأرقام لا يمكنه تجاهلها، مما يلزمه بالانخراط بمشروع بناء الدولة على أسس وطنية صحيحة، لذلك لا يمكن للحريري أن يعمل على تشكيل حكومة كما يريد هو، لأن بهذه الطريقة لن تبصر الحكومة النور، وإنْ نالت ثقة هزيلة فلن تتمكّن من مواجهة معضلة البيان الوزاري، فكما أعطيَ الثقة لتشكيل الحكومة من الممكن أن تسحب الأكثرية النيابية هذه الثقة منه حتى ولو لم ينصّ القانون على مهلة التأليف فإنّ من حق الأصيل أيّ الأكثرية النيابية أن تسحب هذا التكليف استناداً الى ما عبّر عنه القانون بالاستشارات «الملزمة».
الواقع اليوم مختلف كثيراً، وموازين القوى الإقليمية التي اعتاد الاتكال عليها لم تعد قادرة على اختصار الواقع بشخص، وحتى الشارع الذي اعتاد الاستناد إليه لن يحتمل السياسات الاقتصادية التي يحلم وحلفاءه الداخليين والخارجيين بتنفيذها، وحلم التوطين الذي يخلصه من الدين الذي جرّ الفساد منذ العام 1992 البلد إليه، سيرفضه حتى الحلفاء المحليون الذين يظنّ أنهم الجدار الذي يحميه، والربيع الذي انتظره تيار المستقبل وحلفاؤه اتضح أنه شتاء ستكنس سيوله الذين سعوا إليه وموَّلوه.
المواطن اللبناني يعاني، والمعاناة بوابة الوعي، والوعي سيكون النور الذي يرشد الناس إلى طريق الخلاص. المواطن اليوم يعي طبيعة التحديات ولن يقبل بجرّ البلد نحو مغامرات بناء على حسابات خارجية، فلبنان يحتاج إلى حكومة إصلاح حقيقي، حكومة قوية قادرة على حلّ أزماته وتحديداً الأزمة المالية. وهذا لن يتمّ إلا عبر قيادات أثبتت وما زالت تثبت أنها نظيفة الكفّ ومخلصة وعلى قدر كبير من المسؤولية.