مصلحة «إسرائيل» ببقاء الرئيس السوري؟
روزانا رمّال
يمثل الملف السوري المطروح في أروقة البيت الأبيض منذ العام 2011 خريطة طريق تغييرية محتومة نحو منطقة بأفق جديد ورؤيا توسعية أميركية مختلفة عن سابقاتها. وأولى أولويات الحركة السياسية الأميركية ونقاط الربح والخسارة لها بعد فشلين متتاليين من احتلال أفغانستان الى احتلال العراق كشف عن عجز أميركي ميداني او بالحد الأدنى تكبيل عسكري غير مسبوق نظراً لمخاوف من إغراق الجيش الأميركي بحروب لا طائل منها أولاً وثانياً هرباً من المحاسبة التي يستند عليها الكونغرس بمحاسبة الإدارات. فصار لزاماً ترجمة التوسّع بطرق مختلفة، كان ضمنها التعويل على العقيدة والايديولوجيات وتكوين فرق محاربة أو مقاتلة باسم الإسلام لاجتياح المناطق والدول المقصود تركيعها ضمن هذا المشروع. وكانت سورية الأوفر حظاً في غزو إرهابي تكفيري قلّ نظيره على مدى تاريخها وتاريخ المنطقة السياسي. فالالتفاف حول الخيار الأميركي العريض تعدّى الحليف الأوروبي وصولاً إلى الحليف العربي الذي أخذ على عاتقه تمويل هذا الخيار.
بعد ثماني سنوات من الأزمة تخطو سورية أولى خطواتها الحقيقية باتجاه إعلان انتصار قريب ومثمر على كل الأصعدة. ويمكن القول إن هذا الانتصار كان غير محسومٍ قبل فترة من الآن، حيث بقي الخيار الأميركي الخليجي مستنفراً لاستنفاد كل ما بجعبتهما لاستكماله حتى لحظة تشابك المصالح من سورية حتى اليمن، يُضاف اليها دخول كبير لروسيا ومفاجئ على خط تحدي الأميركيين في الجبهات كلها من سورية الى أوكرانيا وصولاً إلى إيران، حيث الدعم اللامتناهي لطهران بالملف النووي أو بفرضه كحق يلازمها كأي دولة عادية لتُعاد الكرة مع كوريا الشمالية، حيث صارت روسيا الرقم الأصعب في تنسيق وترتيب أرضية تجمع الكوريين الشماليين لأول مرة، بالأميركيين مع العملاق الاقتصادي «الصين».
كل هذه التحوّلات ضيّقت الخيار الأميركي، لكن هذا لم يكن يعني فقط أنها هزيمة أميركية فقط، لأنّها قائمة على خسارة تأمين الأمن الحيوي لـ«إسرائيل» من خلال التخلّص من نظام سياسي يؤيد إيران ويتلقى الدعم منها يُضاف الى حزب الله الذي سبقه بكثير لتصبح «إسرائيل» محاطة بالخطر من الجهات كلها. وهذا ما كان يقلقها فعملت على تأمين الحدود في الجنوب السوري لثماني سنوات ومنعت دخوله في دوامة الحرب العسكرية، كما يلفت ابتعاد القيادة السورية عن حسم الملفّ لدقته وتركه إلى هذه الساعات التي تتقدّم فيها قوات الجيش السوري على حساب تصميم إسرائيلي عريض لخيار بناء «جيش لحد 2» المفترض أن يؤمن لها سياجاً بشرياً يحميها من جنود الجيش السوري وحزب الله والإيرانيين.
سقطت أهم نقطة في الحرب السورية برمتها. وهي هذا الجنوب الذي يعني الأميركيين أكثر من أي محافظة سورية نظراً، لكونه ملاصقاً للأراضي المحتلة. وبعد سقوط هذه البقعة الجغرافية كمشروع. يُعادُ الطرح نحو إمكانية عودتها للخيار السابق ما قبل الحرب، حيث تستيعد الدولة السورية سيطرتها عليها كأن شيئاً لم يكن لتطرح «إسرائيل» خيارات قوى أممية وغيرها كله لا يزال تحت عين التفاوض ورسائله وإشاراته.
تيقّنت الصحف الغربية أبرزها الأميركي والبريطانية من خيار انتصار الأسد وعودة الجنوب إلى حضن الدولة ونشرت الاندبندنت مقالاً حول اعتراف أميركي تاريخياً بانتصار الأسد منذ أسابيع لتصل أصداء هذا التطوّر إلى الصحافة الإسرائيلية وكتابها السياسيين الذين سعوا الى التفتيش عما يمكنه تخفيف وطأة هذا الانكسار الكبير، خصوصاً الصحف المؤيدة لبن يمين نتنياهو، وهي هارتس وجيروزاليم بوست وغيرهما، حيث انتشرت مقالات لكتاب اطلوا على القنوات الإسرائيلية بدورهم يشرحون «المصلحة» الإسرائيلية في بقاء الأسد في أسوأ أنواع البروبغندا التي تروّج لارتياح هو هزيمة بكل المقاييس، بعد قتال نظام سياسي لأكثر من ثماني سنوات دون نتيجة.
الحديث الإسرائيلي حول مصلحة تل أبيب في بقاء النظام السوري الحالي برئاسة الأسد، اقترن بحديث عن عدم استبعاد أن تقوم مصالحة بين الأسد و«إسرائيل» أي اتفاق سلام ينهي الأزمة بين الطرفين. وهو ما يؤسس لهدف سياسي كبير تسعى إليه «إسرائيل» هرباً من الهزيمة ونوعاً ما محاولة «ذكية» للاستفادة من صفقة القرن التي يعمل عليها للسنوات المقبلة على اساس تصفية القضية الفلسطينية من أساسها وتوقيع سورية الأساسي كآخر دولة عربية مع لبنان لتسقط كل خيارات الحرب في المنطقة وتتكرّس «إسرائيل» من جديد الرقم الأصعب فيها بخضوع الأنظمة لها.
الترويج لمصلحة إسرائيلية ببقاء الأسد يتعدّى التعمية على هزيمة والهروب الى الأمام منها ليصل الى محاولة ترويج لإمكانية ضم الأسد الى مشروع عصي تنفيذه منذ عهد والده الرئيس حافظ الأسد فيسقط عن سورية لقب الممانعة التي كانت تعني لعقود الدولة التي تمنع وترفض في الوقت نفسه تصفية القضية الفسلطينية والصلح مع «إسرائيل».
ربما يصعب تصديق فكرة تلازم المصالح بين «إسرائيل» والأسد بعد 8 سنوات من قتاله ودفع أموال باهظة من اجل ذلك، لكن لا يصعب التأكد من أن «إسرائيل» تفتح ملفاً تلو الآخر لنثر الغبار وتعمية الرؤية على إخفاقاتها التي توالت منذ عام 2000 و2006 ومشروع إسقاط سورية 2011.