لا مثالثة… والعهد هو لبنان

خالد الداعوق

ليس سهلاً في لبنان الحديث عن تعديل الدستور، فالأمر معقّد جداً، والتجارب التاريخية على هذا الصعيد لا تشجع أحداً على الدخول في مثل هذا الطرح، وتحديداً في الظروف الحالية الدقيقة. ولذلك نجد أنّ ما يُحكى عن المثالثة وما يشبهها يدخل في باب المنازعات السياسية والإعلامية وما يسمّى رفع السقوف لتحصيل بعض المطالب والمكاسب الآنية، خاصة أننا ندور منذ نحو خمسة أشهر في دوامة تشكيل الحكومة الجديدة.

لقد ارتضى اللبنانيون جميعاً بالتسوية التي أقرّت في الطائف أواخر العام 1989، خاصة أنها أخرجتنا من أتون حرب داخلية عبثية خسر فيها الجميع دون استثناء. وإذا قال قائل بأنّ بعض الأطراف لم تكن موافقة على اتفاق الطائف، وفي ذلك إشارة إلى رئيس الحكومة العسكرية آنذاك العماد ميشال عون، فإنّ الجواب يأتي سريعاً بأنّ المعنيّين أكدوا أكثر من مرة أنّ ذلك الموقف المعارض للاتفاق كان يتناول فقط البنود المتعلقة بانسحاب الجيش السوري من لبنان، أما في البنود الإصلاحية فإنّ العماد عون كان ولا يزال من أشدّ المؤيدين لها. وقد برهن ذلك في أكثر من محطة حين كان يؤكد ضرورة وضع هذه البنود الإصلاحية موضع التطبيق.

إنّ المصلحة الوطنية العليا تقتضي اليوم من جميع الأطراف الابتعاد عن كلّ طرح يمكن أن يزيد الانقسامات والمشاكل في البلد، والتركيز بدلاً من ذلك على كلّ ما يجمع ويوحّد، لأننا بحاجة ماسّة إلى تحصين وحدتنا وتمتين ساحتنا الداخلية والتعاون من أجل إخراج بلدنا سالماً، والحؤول دون تأثره بأيّ سلبية قد تطالنا نتيجة الأوضاع المتفجّرة سياسياً واقتصادياً على المستويات الإقليمية والدولية.

وقبل هذا وذاك علينا أن نكون صفاً واحداً في مواجهة العدو «الإسرائيلي» ومنعه من تحقيق أيّ هدف من أهدافه العدوانية ضدّنا، وفي هذا السياق لا بدّ من التنويه بالردّ الدبلوماسي الذكي جداً الذي قام به وزير خارجيتنا جبران باسيل، حيث تمكّن من التأكيد للعالم أجمع ممثلاً بأعضاء السلك الدبلوماسي العاملين في لبنان بأنّ ما عرضه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مجرد أكاذيب وادّعاءات لا صحة لها على الإطلاق.

وبالعودة إلى طرح المثالثة لا بدّ من التأكيد على أنه طرح مرفوض وغير قابل للحياة في لبنان، لا في هذه المرحلة ولا في أيّ مرحلة أخرى. كما أنّ طرح الأكثريات العددية مرفوض أيضاً وغير قابل للتطبيق في لبنان، وكما قال لي مرة أحد المسؤولين الأوروبيين لو أنّ المسألة متعلقة بالأعداد لكان الصينيون حكموا الأمم المتحدة بل العالم بأسره. أما ما يُقال عن أكثرية تحكم وأقلية تعارض فليس لهذه النظرية مكان في ظرفنا الحالي، حيث لا تزال الطائفية والمذهبية تفعل فعلها الفتاك في نظامنا السياسي، وحيث لكلّ طائفة ومذهب أكثرية وأقلية قد تتفق أو تختلف مع نظيراتها في الطوائف والمذاهب الأخرى، مما يعني أنّ لدينا عدة أكثريات وعدة أقليات وليس أكثرية واحدة تحكم وفي المقابل أقلية واحدة تعارضها.

لذلك نرى أنّ المطلوب اليوم بإلحاح تشكيل الحكومة الجديدة بأسرع وقت ممكن، على أن يتفق كلّ المشاركين فيها على عقد الخناصر من أجل انتشال البلد من الهوّة الاقتصادية التي وصل إليها بفعل سياسات خاطئة ومعالجات خاطئة، أو على الأقلّ لم تكن هذه المعالجات طوال سنوات سابقة على القدر المطلوب من الجدية، وفي مختلف الملفات الحياتية والخدماتية التي تفاقمت وازدادت مشاكلها وباتت حملاً ثقيلاً جداً على كاهل لبنان واللبنانيين، وعلى رأسها الأوضاع النقدية والمالية وملفات الكهرباء والنفايات والصحة العامة والإسكان وغيرها.

كذلك يجب أن تعكس الحكومة إرادة رئيسها، وأيضاً يجب أن تعبّر عن رؤية العهد الذي سيمثل نجاحه خلال السنوات الأربع المقبلة نجاحاً للبنان ونجاة له من كلّ ما يعانيه من أزمات ومشاكل، وبالتالي لا يمكن اليوم التمييز أو التفرقة بين لبنان والعهد، والذين يحاولون ذلك من خلال استهداف العهد ومحاولة تشويه صورته إنما يريدون خراب البلد.

أمين عام منبر الوحدة الوطنية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى