متى يعود السيسي إلى… دمشق؟
د. وفيق ابراهيم
رميُ الكلام على عواهنه، ليس إعلاماً موضوعياً، لكن ما يجري في الشرق الأوسط من حوادث سريعة، تُنتج متغيّرات متوالية تمتدّ كالنار في الهشيم تشجع على الاستنتاجات المنطقية.
هناك إرهاب يضرب العالم وخصوصاً أجزاءه الإسلامية والعربية، ورعاته السعوديين والقطريين والأتراك أصبحوا معروفين بوضوح، مع غضّ طرفٍ غربي أدرك في معظم الأحيان حدود التواطؤ والإدارة الخفية. وعندما اشتدّ ساعد الإرهاب خشي على نفسه… ونفوذه في الشرق الأوسط، فأراد استثماره بحجة القضاء عليه ظاهراً ولإعادة تأسيس شرق أوسط موالٍ للولايات المتحدة الأميركية فعلياً.
الإرهاب اليوم لا يضرب واشنطن والاتحاد الأوروبي، إنه يدمّر سورية ومصر والعراق ولبنان واليمن والصومال… الأمر الذي يدفع إلى طرح التساؤلات الآتية: ما هو هذا الإرهاب؟ وماذا يريد؟ وهل هو واحد؟
تأسّس هذا الإرهاب بفكر وهابي ودعم سعودي ـ أميركي منذ سبعينات القرن الماضي بمسمّيات متعددة: القاعدة وجماعة عبد الله عزام ـ وتجسّد هذا الفكر في عشرات البلدان بمسمّيات مختلفة أبو سياف في الفيليبين، بوكوحرام في نيجيريا، القاعدة في أفغانستان، داعش في العالم العربي وكذلك النصرة والأنصار وفتح الإسلام .
هو إذاً واحدٌ فماذا يريد؟
يريد تطبيق الشريعة بحسب القراءة الوهابية بديلاً من القوانين الوضعية والدساتير في أنظمة الحكم، وكلّ الجماعات الإرهابية متفقة إيديولوجياً على هذه المسألة على رغم عدم وجود تقاطعات تنظيمية في ما بينها. فالفكر واحد موحد، والإدارة بحسب مقتضيات كلّ منطقة وظروفها. وهذا الكلام تؤكده كلّ وسائل الإعلام والسلطات السياسية… ومصر واحدة من الدول المستهدفة، تسلّل إليها الإخوان المسلمون وابتلعوا السلطة بغدر مستفيدين من براءة جماعات الثورة، وعدم امتلاكهم مالاً ووسائل الإعلام. وحاولوا «أخونة» مصر لقرون مقبلة، مصرّين على إلغاء الحياة المدنية وفاتحين على «إسرائيل» والولايات المتحدة.
وعندما أسقطهم الشعب المصري في الشارع والانتخابات تحوّلوا إلى الإرهاب بضرب الجيش والحياة المدنية والاجتماعية.
ويصادف أنّ الجيش المصري اعتقل من خلايا إرهابية تدرّبت في سورية ـ ألا يستحق هذا الخبر التأمّل ـ والاستفادة من أبعاده؟ إنه إرهاب مصري تدرّب في سورية على يد منظمات تتموّل من السعودية وقطر وتركيا، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل الآتي: إذا كان العدو واحداً، فلماذا لا يتحد المستهدَفون؟ أو يأتلفون في معادلة أمنية ـ سياسية تقيهم شرور هذا الإرهاب المتنامي والمتصاعد ـ بذرائع غير حقيقية ـ العدو هو «القاعدة» و«داعش» ومثيلاتهما تهاجم مصر وسورية ولبنان والعراق… فإذا كان لبنان مغلوباً على أمره بائساً وضعيفاً، لا يستطيع إنتاج قرار على هذا المستوى إلا بموافقة مجمل مكوّناته، فما بال مصر «أم الدنيا» لا تحمي نفسها ومعها سورية… لإنقاذ المشرق العربي من هجوم الأعراب المتحصّن بالسياسة الأميركية، و«الإسرائيلية»؟
وكيف تقبل مصر وجود جامعة عربية هزيلة تحكمها قطر والسعودية وتجمّد عضوية سورية فيها، وتستقبل الإرهاب السوري في جلساتها ومكاتبها، فالائتلاف السوري ليس إلا تسوية سعودية ـ قطرية ـ تركية تجمع بين قوى مدنية لا وجود لها في سورية وإخوان مسلمين يائسين وقوى إرهابية هي جزء من مجموع إرهابي عالمي يدمّر العالمين العربي والإسلامي.
وإذا كان الرئيس السيسي يعتقد بقدرة المال الخليجي على إنقاذ نحو خمسين في المئة من المصريين هم تحت خط الفقر، فهو بلا شك واهم، لأنّ هذا الرقم كان موجوداً في عصر السادات وخلفه مبارك وتضخم في العصر الحالي، لأنّ حبوب الأسبيرين لا تعالج الأمراض البنيوية. والكلّ يعرف أنّ السلطات المصرية المتعاقبة أسدت أميركا والسعودية و«إسرائيل» ما لم يفعله أحد من قبل، وبقي الفقر في مصر ثقيلاً غير محمول.
لذلك لا يمكن القاهرة أن تعالج أزماتها إلا بالحلول البنيوية التي تبتدئ عادة في مصر بالسياسة وتكتسب مصر التاريخية أهميتها من نهر النيل الذي يربطها بالقارة الأفريقية قبل وصوله إليها، والتاريخ الذي يوصلها ببلاد الشام من زاوية فلسطين المحتلة.
وأضيف إلى هذين العاملين قناة السويس كنفوذ اقتصادي ـ سياسي يضفي على «المحروسة» مميّزات إضافية، وفي المحصلة فمصر اليوم لا تأثير لها في أفريقيا حيث تحاول إثيوبيا اختلاس أكبر كمية من مياه النيل بمعاونة «إسرائيل».
وتدير القاهرة ظهرها لفلسطين المحتلة وتتهمها بتصدير الإرهاب، فيما الإرهاب «إسرائيلي» ـ أميركي ـ خليجي، وتستعدي دمشق… كما أن قناة السويس يستمرّ دورها إذا استمرّ هرمز وباب المندب صالحين للملاحة سياسياً.
لذلك فإنّ الحلّ في العودة إلى دمشق على قاعدة أنّ العدو واحد والمستقبل واحد. وبإمكان المشير السيسي أن يشكل مع الرئيس الأسد سداً منيعاً في وجه الإرهاب ومعرقلاً لضجيج خيل السلطان العثماني، وحائلاً دون الهيمنة الأميركية ـ «الإسرائيلية» على المنطقة.
أهلاً بـ«قاهرة المعز» حين تعود إلى تاريخها وتؤمن بأنّ البناء الصحيح هو الوسيلة الفعلية لإعادة إنتاج الاقتصاد، وليس من طريق التسوّل والريعية وإسداء الخدمات العسكرية والسياسية لأعراب الخليج… وإنما بإعادة إنتاج التحالفات التاريخية إلى منطقة أفقدها الأعراب كرامتها ودورها وتاريخها واقتصادها.