هل السياسة الأميركية الجديدة تطبيق لنصيحة فرانكلين أم مناورة إسرائيلية مستترة؟
اياد موصللي
هل انّ ما يجري في أميركا اليوم هو بداية لصحوة ويقظة تردّد صدى الاستجابة لنداء وتحذير بنيامين فرانكلين.. الذي خاطب الأميركيين، وهو الرجل السياسي البارع والمخترع والكاتب المفكر والذي شغل منصب سفير فوق العادة في فرنسا، وهو صاحب الدور الكبير في استقلال الولايات المتحدة من الحكم البريطاني، كان رجلاً متسامحاً رقيقاً متديّناً قرأ التوراة والانجيل ودرسهما وأدرك خطورة اليهود على أيّ مجتمع يحلون فيه.
وكان يؤمن بوجود إله وخالق للكون يتولاه بعناية، ولذلك قال: أومن بإله واحد خالد في الكون، والذي يتولاه بعنايته الالهية وهو المستحق للعبادة. وإنّ أفضل ما نقدّمه له هو تقديم الخير لعباده والآخرين، كما أومن أنّ روح الإنسان خالدة، وسوف تعامل بعدل في الحياة الأخرى، حسب سلوكها في الحياة الدنيا.
وفي خطابه أمام الكونغرس الأميركي عام 1789 أوضح فرانكلين مخاوفه من الخطر اليهودي على بلاده، وتنبأ بوقوع الولايات المتحدة فريسة سهلة للسيطرة اليهودية إذا لم يتمّ التصدي لهم ومنعهم من الهجرة لأميركا حسب رأيه وقتها، وإلا سوف يلعنهم أحفادهم، وقال متوجهاً إلى أعضاء الكونغرس: أيها السادة هناك خطر كبير يتهدّد الولايات المتحدة الأميركية، وهذا الخطر هو اليهود يعملون على تدني المستوى الاخلاقي والتجاري فيها. وعلى مدى تاريخهم الطويل ظلوا متقوقعين على أنفسهم في معزل عن الأمم التي يعيشون فيها ولم يندمجوا في حضارتها بل كانوا يعملون دوماً على إثارة الأزمات المالية وخنق اقتصادها كما حصل في البرتغال واسبانيا. لأكثر من 1700 سنة وهم يبكون على قدرهم ومصيرهم المحزن، أعني طردهم ونفيهم، ولو انّ العالم المتحضّر أعادهم إلى فلسطين الآن فإنهم على الفور سيخلقون الأعذار والحجج الواهية ليبرّروا عدم رغبتهم في ما يستدعي تواجدهم بين المسيحيين من غير جنسهم».
ثم يضيف بصراحة ووضوح وتحذير: «انْ لم يطردوا من الولايات المتحدة بموجب الدستور فإنهم وخلال مائة عام على الأقلّ من الآن سيتوافدون الى هذه البلاد بأعداد كبيرة، وبتلك الأعداد سوف يحكموننا ويدمّروننا من خلال أنظمة الحكم لدينا والتي بذلنا نحن الأميركيين من أجل تطويرها على مرّ السنين الغالي والنفيس من دمائنا وأرواحنا وممتلكاتنا وحريتنا.
وان لم يتمّ طردهم فبعد مائتي سنة من الآن فإنّ أحفادنا سيعملون في الحقول ليل نهار من أجل إشباع بطونهم وجيوبهم بينما يجلسون هم في قصورهم يفركون أيديهم فرحاً واغتباطاً مما حصدوه من أرباح ومكاسب .
وها أنا أحذركم أيها السادة انْ لم تطردوا اليهود من هذه البلاد الى الأبد فإنّ أولادكم وأحفادكم سيلعنونكم في قبوركم.
ومع انهم يعيشون بيننا منذ أجيال فإنّ مثلهم العليا ما زالت تختلف كلياً عما يتحلى به الشعب الأميركي من مُثل. فالفهد الأرقط لا يمكنه تغيير لون جلده .سوف يعرّضون مؤسسساتنا ومقوماتنا الاجتماعية للخطر».
هل كانت قرارات مجلس الشيوخ الأميركي التي أقرّت بالإجماع مشروع رئيس لجنة العلاقات الخارجية والقاضي بتحميل ولي العهد السعودي مسؤولية قتل الصحافي جمال الخاشقجي وكلّ ضالع معه… وكذلك الموقف الذي اتخذه مجلس الشيوخ بتأييد مشروع القانون القاضي بإنهاء الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وينتقد هذا القانون السعودية للمرة الأولى.. هل كان هذا الموقف الجديد صحوة ضمير في السياسة الأميركية واستجابة لتحذير بنيامين فرانكلين من الخطر اليهودي خاصة قوله: «سوف يعرّضون مؤسساتنا ومقوماتنا الاجتماعية للخطر».
كذلك يدفعنا قرار الرئيس الأميركي ترامب بسحب القوات الأميركية من سورية حيث تتمركز في الشام والعراق.. الى نفس السؤال.. هل انّ ما يجري في أميركا اليوم هو بداية لصحوة ضمير ووجدان مع انّ هذا من رابع المستحيلات. ام انّ هذه المواقف الأميركية فتحت نوافذ التسلل الى الداخل العربي في السعودية والخليج عبر مواقف بدأها نتن ياهو بـ «الدفاع» عن «بلاد الحرمين» وولي العهد ابن سلمان فقال: «من المهمّ جداً لاستقرار العالم والمنطقة ان تظلّ السعودية مستقرة»، مؤكداً «أنّ علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب تتحسّن بشكل دراماتيكي».
جاء ذلك مع الأخبار التي نشرت في الصحف والتي تقول: «انّ السيسي ونتنياهو قاما في الأيام الأخيرة بإجراء اتصالات بمسؤولين رفيعين في إدارة الرئيس دونالد ترامب، للإعراب عن دعمهما لولي العهد السعودي الذي وصفه نتنياهو بأنه «حليف استراتيجي».
كما ذكرت صحيفة «هارتس» الصهيونية انّ محمد ابن سلمان هو الزعيم الذي كانت تتنظره إسرائيل منذ خمسن عاماً، وعزله يُعتبر مدمّراً بالنسبة لإسرائيل».
وتقول الصحيفة «انّ الإسرائيليين ظلوا لخمسة عقود يصلّون من أجل حضور زعيم عربي رئيسي يوافق على توقيع اتفاق مهمّ مع إسرائيل»، مؤكدة «انّ هذا القائد قد وصل اخيراً ممثلاً بمحمد بن سلمان».
تحرك نتنياهو العلني لمحاولة إنقاذ ابن سلمان عبر دعوته الى ضرورة الحفاظ على استقرار نظام الحكم في الرياض، هو المستوى الثالث من مستويات التدخل «الإسرائيلي» الطامح الى تحقيق هذا الهدف.
ومنذ صعوده مع تنصيب والده ملكاً مطلع عام 2015، والأمير محمد بن سلمان يحاول جاهداً تسريع وتيرة ذلك الصعود نحو العرش عن طريق كسب الرضى الأميركي بصفقات بلغت مئات المليارات من الدولارات من جهة، ومحاولة التقارب مع «إسرائيل» عبر الاعتراف بيهوديتها وتجريم المقاومة الفلسطينية، فيما يعتبره محللون انقلاباً على أدبيات الدولة السعودية والانتماء الديني والقومي.
والأخطر من كلّ ذلك، لقاء ابن سلمان خلال زيارته الى الولايات المتحدة أواخر نيسان الماضي بعدد من مسؤولي اللوبي اليهودي الأميركي، وحديثه آنذاك عن «انّ الإسرائيليين لهم الحق في العيش بسلام على أرضهم»! مضيفاً انّ «على الفلسطينيين ان يفاوضوا وان يصمتوا ويكفوا عن التذمّر»، مؤكداً انّ القضية الفلسطينية لا تقف على رأس أولويات الحكومة او الرأي العام السعودي». والى الآن لم نسمع منه اعتراضاً على الاعتراف بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل»، ولم نسمع منه كلمة تحذير من المساس بالمسجد الأقصى..
حديث ابن سلمان أصاب الإسرائيليين أنفسهم بالصدمة، وهو ما أكد عليه معلق الشؤون السياسية في القناة العاشرة الإسرائيلية باراك رابيد، من «انّ هذه الدولة «ليست ايّ دولة عربية.. انها السعودية»، في إشارة واضحة الدلالة على حجم التحوّل الجذري في المواقف السعودية تماهياً مع الرؤية الإسرائيلية.
وفي زمن التراجع العربي وانتصار الثورات المضادة، صار رئيس الوزراء الإسرائيلي هو من يدافع عن «بلاد الحرمين الشريفين» وخادمهما المرتقب. ولعلّ التعديل الوزاري الأخير في السعودية جاء من هذا الباب.
نحن أمام احتمالين الأول هو انّ المسؤولين الأميركيين الآن سلكوا مساراً جديداً في سياستهم ورعاية مصالحهم بعد ان لمسوا الاستغلال الصهيوني اللامحدود للدعم الأميركي، وانّ هذا المسار في النهاية يضرّ بمصالح أميركا اذ انّ إسرائيل سوف تستغلّ تسللها الى الخليج وتكوّن علاقات مع حكامه مما يجعلها في وضع وقوة تستفيد منها في بسط سيطرتها على محيطها واستغلاله سياسياً واقتصادياً منفردة. هذا احتمال.. والاحتمال الثاني هو التراجع عن هذه المواقف بعد ان تحقق «إسرائيل» مخططها وتحالفاتها مع العرب وبذلك تكون أميركا بخطوتها قد ساعدت «إسرائيل» بإخافة حكام الخليج من البعبع الإيراني مما يعجل بتحالف كامل مع «إسرائيل» ضدّ إيران وروسيا وتقديم المساعدات والتسهيلات للسيطرة على المنطقة.
انّ كلّ الاحتمالات ممكنة مع الأميركيين وأرجحها عدم التراجع عن ممالأة «إسرائيل» بكلّ الطرق، ولعلّ زيارة ترامب للعراق بهذا الشكل تفسّر قراره بالانسحاب من الشام فيما يعلن بقاء قواته في العراق.. فالشام مجاورة لفلسطين المحتلة ولبنان والمقاومة فيهما ناشطة متأهّبة.. قراره البقاء في العراق مخطط «إسرائيلي».. يكون الجيش الأميركي قريباً من إيران بحدودها الجغرافية… والمناطق الكردية.. بذلك يسيطر على الحدود مع الشام وما يمرّ منها وإليها ويشدّد حصاره على إيران.. وتدريجياً يضعف الدعم الإيراني للحكومة السورية في الشام وكذلك دعم حزب الله عبرها..
كلّ هذه الاحتمالات مطروحة وقابلة للتحقيق.. كلّ الحسابات تمّ وضعها الا حساب ردة الفعل التي سيجابَه بها المخطط الأميركي الذي يرسمه ترامب و»إسرائيل»…
نحن في جميع الأحوال ثقتنا تنبع من ذاتنا من إيماننا بأنه ليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا إلا اليهود.
ونعود دائماً لما قاله سعاده: «يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. وإذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».