هل يعود المجتمع الدولي إلى الحلّ السياسي في سورية؟
جمال العفلق
طالما هناك سلاح، فإنّ الحديث عن حلّ سياسي هو مجرد لعب على الوقت وعامل الزمن، فمنذ إعلان الحرب على سورية واجتماع منظومة الدول تحت الرعاية الأميركية، في أول مؤتمر تحت اسم «أصدقاء سورية»، وارتفاع النبرة المعادية للشعب السوري تحت حجّة محاصرة النظام، اتضحت الصورة ليتبين أنّ الهدف هو تدمير سورية الطبيعية وتقسيمها ضمن مخطط سايكس- بيكو جديد.
أما البيت الأبيض، فإنّ موقفه، ومنذ إعلان وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون وجهة نظر بلادها حول الحلّ السلمي، وكشفها أنّ واشنطن اقترحت على المعارضة عدم رمي السلاح ورفض المبادرة، لم يتغير حتى اليوم، وما جنيف 1 وجنيف2 إلا عمليتان كانتا تهدفان إلى ابتزاز حكومة دمشق سياسياً، تلك الحكومة التي كانت مرنة في قبول أوراق الحوار، وذكية في وضع الأولويات، ذلك أنّ محاربة الإرهاب أولوية أمنية تنعكس على كل الأطراف السوريين، إذا ما كانت لديهم الرغبة في بناء وطنهم.
واليوم تعقدت الأمور أكثر، فالمموّل الخليجي دفع الكثير من المال وانسحابه الآن يعني خسارة من دون أي تعويض، أمّا الجار التركي فقد وجد فرصته لإنشاء حديقة خلفية له ذات امتداد جغرافي من سورية حتى العراق، يكون فيها قادراً على اللعب متى يشاء وعلى تصفية خصومه التقليديين وخصوصاً الأكراد الذين يرفضون الخضوع لحكومة أنقره وشروطها، عدا عن العائد المادي الكبير الذي تستفيد منه تركيا من النفط المسروق وتوريد السلاح وعمليات الإتجار بالبشر التي تمرّ عبرها.
إنّ ما طرحته موسكو منذ أربع سنوات، عاكسة وجهة نظر دمشق، بأنّ المعارضة الوطنية يجب أن تدخل إلى الحوار الغير مشروط، لإعادة الأزمة إلى مسارها الصحيح والتوصل إلى حلّ سياسي عبر الحوار السوري السوري وبدعم من الأطراف الإقليميين، لتقريب وجهات النظر لا تأجيج النار، يعاد طرحه اليوم، رغم تحفّظ الأميركيين الذين يجدون في الحرب فرصة لإضعاف كلّ الأطراف، لذلك فإنّ إعلان المعارضة قبول الحلّ السياسي أمر مرفوض أميركياً وغربياً، لأنّ هذا الإعلان سينزع الغطاء الشرعي عن المسلحين المموّلين خليجياً ودولياً. فالميليشيات الكثيرة التي تقتل السوريين ليست تحت سيطرة ما تسمى «المعارضة» فعلياً، ورفض تلك «المعارضة» الدخول في حوار سياسي يعطي شرعية للميليشيات، على الأقل إعلامياً، على أنها معارضة مسلحة.
وما التقارير التي أعدّها الصحفيون المستقلون عن المناطق الساخنة، إلا جزءاً بسيطاً من الأحداث الفعلية على الأرض، فهناك تجار مخدرات وتجار سلاح لا يمتّون إلى «المعارضة» بأية صلة، ولكنهم يسيطرون على طرق ومناطق بقوة السلاح، أما «داعش» الأميركي فليس إلا شبحاً إعلامياً يمكن القضاء عليه إذا رفعت الشرعية عن توريد السلاح إلى سورية بحجّة دعم «المعارضة».
إنّ استقبال موسكو للرئيس السابق «للائتلاف المعارض» معاذ الخطيب، والاستماع إليه، وتصريحه حول دخول المفاوضات من دون شروط مسبقة، يدلّ على عودة «المعارضة السورية» إلى التشرذم، وسبب هذا التشرذم أنّ تلك المعارضة رهنت موقفها الوطني، إذا كان موجوداً في الأصل، للخارج وقبلت بما أملته عليها قطر والسعودية، فكانت تنفذ أوامر ولا تمارس قناعات. ولا نستغرب أن نسمع قريباً، ما يكفي لصناعة مسلسل من آلاف الحلقات عن اختلاسات وسرقات حصلت باسم الشعب السوري، وبحجة دعم اللاجئ السوري أو تمويل ما كان يسمى بـ«الجيش الحر».
إنّ المجتمع الدولي المنقسم اليوم تجاه الحلّ في سورية، لا يمكن الاعتماد عليه في هذا الحلّ إلا إذا تبرأت «المعارضة السورية» من كل الميليشيات المسلحة وقدمت للشعب السوري قبل الحكومة، ورقة تؤكد فيها أنها لا تعترف بأية ميليشيا أو سلاح على الأرض السورية، وأنّ الجيش السوري هو فقط المخول بحمل السلاح والدفاع عن سورية، وأنها تقف خلف الجيش في مهمته، وأن تقرّ بأنّ أي سلاح يصل إلى السوريين هو سلاح من أجل قتل الشعب السوري، حينها فقط يكون المجتمع الدولي، وخصوصاً أميركا والغرب، ملزماً بقبول الحلّ السياسي التفاوضي على أساس المواطنة والبناء.
ويبدو أنّ الاتجاه اليوم هو نحو تأجيج الحرب في الشمال وتهديد جبهة الجنوب، وما التهديد المتكرّر بإشعال لبنان، إلا رسائل أميركية- إسرائيلية ضدّ الشعب السوري، فأميركا لا يعنيها إطلاقاً عدد الضحايا ولا يعنيها منع وصول الغذاء والدواء إلى لشعب السوري، بل كلّ ما يعنيها هو استمرار الحرب وبقاء الخزينة الخليجية مفتوحة، بينما تفرّغ مصانع السلاح الأميركية مخازنها لأطول وقت ممكن.
لكلّ هذه الأسباب، لسنا ملزمين بانتظار عودة المجتمع الدولي إلى الحلّ السياسي، إنما نحن مُجبَرون، كسوريين، على إيجاد الحلّ الوطني الذي يصبّ في مصلحة السوريين ومصلحة الدول العربية المحيطة بنا.