حلف وارسو الجديد… لكن ضدّ إيران
ناصر قنديل
– في استعارة للمكان يريد وزير الخارجية الأميركية أن يلعب على الذاكرة باستعادة صورة حلف شديد القوة كان يحمل اسم حلف وارسو عاصمة بولندا أيام الاتحاد السوفياتي السابق، بالإعلان عن حلف يستهدف مواجهة إيران من العاصمة نفسها ليحمل الاسم نفسه، حلف وارسو، متوجاً بالدعوة للاجتماع المفترض منتصف الشهر المقبل زيارته للمنطقة التي ملأها كلاماً عن حزم وعزم إدارة الرئيس دونالد ترامب على منع تحول اليمن وسورية إلى لبنان آخر بالنسبة لكل من السعودية و«إسرائيل»، مخفياً المهمة التي تحدث عنها بالتلميح بقوله إنه يجب توحيد جهود الجميع في الشرق الأوسط بوجه إيران، دون أن يلفظ الكلمة السحرية التي ستظلل مؤتمر وارسو، وهي الحلف السعودي الإسرائيلي.
– بالنظر للدعوات التي وجهت والتي ستوجه، والتي طالت مصر والسعودية والبحرين والإمارات والمغرب، وما قد يعقبها من دعوات لبعض دول أميركا اللاتينية، والمقارنة مع مؤتمر أصدقاء سورية الذي رعته واشنطن عام 2012، لتنسيق الجهود لإسقاط الدولة السورية، والذي ضم كل الدول الأوروبية وأغلب الدول العربية، وغابت عنه إسرائيل لضمان نجاحه، ودول إسلامية وازنة كأندونيسيا وتركيا وباكستان، سيبدو مؤتمر وارسو هزيلاً، وتعبيراً عن حجم التراجع في النفوذ الأميركي ليس في المنطقة فقط، بل وفي العالم، حيث سيكون كافياً غياب حلفاء أميركا الأوروبيين، وشركائها الكبار في حلف الأطلسي وفي مقدمتهم مع الدول الأوروبية تركيا، وسيكون الحضور لدول هامشية في القدرة على خوض المواجهات المؤثرة على إيران، ويصبح للمؤتمر وظيفة واحدة، أن يكون الشكل الوحيد المتاح لحشد يضم حلفاء واشنطن من العرب مع «إسرائيل» لمهمة مشتركة عنوانها مواجهة إيران وقوى المقاومة.
– علّق وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف على المؤتمر بنشر صورة تظهر المشاركين في القمة الدولية بشأن التسوية الشرق الأوسطية ومحاربة الإرهاب والتي عقدت في شرم الشيخ المصرية عام 1996، بمن فيهم الرؤساء السابقون للولايات المتحدة بيل كلينتون وروسيا بوريس يلتسين ومصر حسني مبارك و«إسرائيل» شيمون بيريز، والتي خصصت يومها لمواجهة إيران وقوى المقاومة، وكتب ظريف تحت تلك الصورة: «أذكّر مَن سيستضيف وسيشارك في المؤتمر ضد إيران: هؤلاء الذين حضروا العرض الأميركي الأخير الموجّه ضد إيران إما ماتوا أو وُصموا بالعار أو هُمّشوا، في وقت أصبحت فيه إيران أقوى من أي وقت مضى».
– لم ينتبه بومبيو ربما إلى أنها ليست المرة التي يجتمع فيها الحكام العرب المعادون للمقاومة في مؤتمر واحد مع قادة كيان الاحتلال، بل لم ينتبه ربما إلى أن اجتماع العام 1996 كان قمة رئاسية، لن تتاح لمؤتمر وارسو، الذي سيعقد على مستوى وزراء خارجية، وأن ما تغير من يومها إلى يومنا هذا من ضعف وتراجع في حال أميركا وحال الحكام العرب وحال «إسرائيل»، كافٍ لتفسير التوقعات كيف سيكون الفشل مضاعفاً قياساً بالفشل السابق، خصوصاً أن أهم ما تكشفه الدعوة للمؤتمر هو خلافاً لكل كلام آخر، العجز عن السير قدماً بجدية في مسار ينتهي بحل القضية الفلسطينية التي راهن الأميركيون على صفقة القرن لإنهائها بشراكة فلسطينية يؤمنها عرب أميركا، لينتج عن المشهد الجديد تغيير جذري في توازنات المنطقة، فيأتي المؤتمر عودة للصيغ التقليدية اعترافاً باليأس من نجاح الصيغ الجديدة التي بقيت أهدافاً بلا خريطة طريق واقعية لتحقيقها.
– سينتهي مؤتمر وارسو، ولن يحصد نتائج أفضل من قمة شرم الشيخ عام 1996 ولا من مؤتمر أصدقاء سورية 2012، وهو أشد هزالاً من كل منهما على مستوى الحضور، وحال أميركا والمشاركين أشد هزالاً مما كانت في الحالتين.