تجربة الهند الصاروخية تؤكد سباق التسلح المحموم في الفضاء
تسارعت وتيرة التحذيرات والقلق الأميركية في الآونة الأخيرة من «تفوّق» دول أخرى علييها ومنافستها على تلك المرتبة في تقنية الأقمار الاصطناعية والأسلحة المضادة لها، رصدتها وكالة الفضاء «ناسا» ووزارة الدفاع، البنتاغون، عقب تجربة ناجحة أجرتها الهند، 27 آذار الماضي، أسقطت فيها قمراً اصطناعياً هالكاً لها في الفضاء الخارجي بواسطة صاروخ هي التجربة الأولى للهند.
مدير وكالة «ناسا»، جيم بريدينستاين، اعتبر التجربة «عملاً رهيباً… تشكل خطراً على محطة الفضاء الدولية»، موضحاً أنّ منسوب خطر اصطدام الحطام بالمحطة الدولية ارتفع «بنسبة 44 بعد 10 أيام» من التجربة الهندية.
وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، باتريك شاناهان، التزم الهدوء الصوَري قائلاً لمجموعة من الصحافيين إنه «ينبغي أن لا نزعزع استقرار الفضاء.. إنه مكان يجب أن يتمتع فيه الجميع بحرية العمل».
الهند بدورها أيضاً اختارت التهدئة عبر وزارة خارجيتها التي سعت لطمأنة العالم بأنّ التجربة «.. جرت على ارتفاع 270 كلم من الأرض.. وستتحلّل بقايا الحطام وتسقط أرضاً في غضون أسابيع» معدودة. رئيس وزراء الهند حرص على التذكير بأنّ بلاده «.. ستكون رابع دولة فقط تستخدم تلك الصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية»، بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين.
في خلفية التحذيرات الأميركية نشير إلى سلسلة متواصلة من الدراسات والتقييمات العسكرية بهذا الشأن، إحداها كانت للبنتاغون مع نهاية عام 2017، أبرزتها يومية «واشنطن تايمز»، قائلة إنّ تقنية الاتصالات الأميركية بالأقمار الاصطناعية العسكرية «.. تواجه أزمة تهدّدها مجموعة من الأسلحة الأجنبية، تتراوح بين الإعاقة والتدمير» والتي تتضمّن الهجمات الالكترونية وأشعة الليزر والتشويش الالكتروني «والأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية».
وكشف ذاك التقرير وحزمة كبيرة من دراسات وتوصيات تصدرها البنتاغون تباعاً، مباشرة أو عبر مؤسّسات متعاقدة معها، عن مواطن الضعف في التقنية الأميركية منها «.. أنّ محطات التحكم الأرضية الحالية تفتقر إلى قدرات فعّالة لمكافحة التشويش وينبغي الإسراع في إنتاج وتجهيز المحطات المتطورة للاتصالات عالية التردّد والسرعات الفائقة».
تفاقم قلق المؤسسة العسكرية الأميركية في الأسابيع الأخيرة عقب إقدام ضابط هندي متقاعد رفيع المستوى على نشر صور مفصلة بالأقمار الإصطناعية عن موقع صيني تكشف عن مجمع متكامل «للأسلحة المضادة للأقمار بأشعة الليزر» على أراضيها. سنعالج المسألة أدناه بالتفصيل .
واكب ذلك نشر دراسات حديثة صادرة عن أبرز مراكز الأبحاث الأميركية، المختصة بالشؤون العسكرية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، 4 نيسان الحالي، بعنوان «تقييم المخاطر في الفضاء لعام 2019»، صوّبت بوصلتها على تحديد دول أربع «تشكل الخطر الأكبر على الولايات المتحدة: الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية». كان لافتا أنّ الدراسة، رغم حداثتها تفادت التطرق للهند وتجربتها المذكورة آنفاً. كما أنه ليس مصادفة أن يقدم الضابط الهندي عينه على نشر تلك الصور عن الموقع الصيني الحساس بعد نجاح تجربة بلاده لتفتيت قمرها المتقادم.
بيد أنّ المركز تناول بدقة تفاصيل ما وصلت إليه الصين من وضع متقدّم مما أهّلها «للتفوّق على الولايات المتحدة في عدد التجارب الفضائية لعام 2018»، 38 تجربة نفذتها الصين مقابل 34 لأميركا، دشنتها الأولى في «الهبوط الناجح لمركبة فضائية على الجانب المظلم من القمر».
وأشار المركز الأميركي السالف الذكر إلى التجارب الروسية المتطورة منها «.. إجراء التجربة السابعة على منظومة صاروخية مضادة للأقمار الاصطناعية من طراز PL-19 Nudol،A-235 ونظام الدفاع الجوي S-500 والمقاتلة ميغ-31 الموكلة بحمل الصواريخ المضادة جواً».
في السياق عينه، صدر عن اليابان ما يفيد بتحقيقها تجربة «للبحث العلمي» في الفضاء الخارجي تضمّنت توجيه شحنة متفجرة استهدفت كويكباً لدراسة تكوين كوكبنا الأرضي في المنظومة الشمسية.
منذ تسلم الرئيس ترامب مهام منصبه حافظ على وعوده لتعزيز القوات الأميركية عتاداً ونوعية متطوّرة، بما فيها «إنشاء قوة للفضاء»، رافقها جدل واسع حول الصلاحيات والميزانيات المطلوبة. بيد أنّ «مبادرته» لم تكن وليدة مهامه الجديدة، إذ كلف الكونغرس وزير الدفاع الأسبق، دونالد رامسفيلد، 2001، ترؤس «لجنة لشؤون الفضاء»، لتفادي ما وصفوه «قصور آليات التواصل بين وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع»، أسفرت دراسة لجنته عن توصية بإنشاء «هيئة للفضاء داخل قيادة القوات الجوية.. تتحوّل مع الزمن إلى إدارة قائمة بذاتها» دشنتها البنتاغون بتمديد خدمة قائد سلاح الجو لستة سنوات العام الماضي.
سينضمّ لطواقم «القوة الفضائية» الجديدة كبار علماء الفضاء والفيزياء وخبراء الأسلحة والصواريخ، حسبما جاء في سلسلة تصريحات لقادة البنتاغون مهمّتها العمل خارج نطاق الاتفاقية الدولية لعام 1967 التي أكدت على الاستخدام السلمي للفضاء.
وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون الهندسة والبحوث، مايكل غريفين، أوجز قبل بضعة أسابيع، في شهر آذار الماضي، استراتيجية بلاده لبسط تفوّقها التي «.. قد تلجأ لتفعيل خطط قديمة تعود لثمانينيات القرن المنصرم من بينها إطلاق مركبات فضائية مزوّدة بمدافع إشعاعية قادرة على استهداف الصواريخ التي تطلق من مراكز على الأرض واستهداف أجسام في الفضاء في نفس الوقت».
خرجت حرب الفضاء من باب التكهّنات والتحليلات إلى الواقع الملموس بفضل استراتيجية واشنطن للتشبّث بسياسة تفوّق القطب الواحد وحرمان الآخرين من امتلاك ناصية العلم والتقنية والمنافسة.
يعتبر خبراء الصواريخ وأسلحة الفضاء أنّ الصين هي موطن ولادة «أقمار اصطناعية صغيرة قابلة للتحكم وتغيير مداراتها والقيام بعمليات اعتراض متعدّدة ضدّ أقمار أخرى»، بخلاف السردية السائدة أنّ روسيا هي المبادرة، وذلك استناداً إلى تجربة محورية دشنتها الصين عام 2007 بإطلاق صاروخ من الأرض باتجاه قمر FY-1C وتدميره وتحويلة لآلاف القطع المتناثرة.
يُشار إلى أنّ الصين لم تكن مشمولة بالاتفاقية الدولية لعام 1967 بين القوى النووية آنذاك، واستغلت نصوصها الرمادية «باستخدام الفضاء لأغراض سلمية وعسكرية على حدّ سواء».
في سياق سبر أغوار برنامج الصين المضاد للأقمار الاصطناعية، استضاف مركز الدراسات الأميركية والعربية أحد الخبراء المتقاعدين العاملين في مجال قراءة وتحليل صور الأقمار الاصطناعية، وقدّم مشكوراً قراءته التحليلية للصورة المنشورة عن الموقع الصيني الحساس، المثبتة أعلاه، ونورد أدناه بعض استنتاجاته:
قفزت تقنية الصين لتتبع الأقمار بسرعة البرق، ولديها عدة محطات مراقبة منتشرة على أراضيها، توفر لها بيانات دقيقة حول الأقمار المستهدفة تصوّب باتجاهها أسلحة بالغة الطاقة الحرارية، تعمل بأشعة ليزر الكيميائية، أنشئت في خمس مواقع مختلفة، أحدها في مقاطعة شينغيانغ.
سلاح الصين أعلاه نموذج محلي للسلاح الأميركي «الإسرائيلي»، سلاح ليزر تكتيكي بطاقة فائقة، المصمّم لاستهداف وتدمير صواريخ ذات مديات قصيرة، مثل قواذف الكاتيوشا والطائرات متدنية الارتفاع. يتميّز السلاح الجديد بمدياته البعيدة وقدرته على تدمير الأقمار الإصطناعية في مدارات متدنية.
سلاح «الليزر الكيميائي»، العامل بمركب فلوريد الدوتيريوم، يعرف أيضاً بليزر الكاوبوي لدى الأميركيين، ينطوي على تقنية عالية رغم قوّته التدميرية، لكن الصين تغاضت عنه، مفضلة إنتاج سلاح يعمل ضمن موجة متوسطة من الأشعة تحت الحمراء، وغاز ثلاثي فلورايد النيتروجين ينتج غاز الاثيلين عند احتراقه.
بالنظر إلى التطوّر التقني في مجال الليزر الكيميائي الذي توصل إليه الجانب الأميركي، نستطيع الافتراض أنّ الصين توصلت لتطويع التقنية عينها بطاقة تحسب بعدة ميغاوات والتي لديها ميزة حرق واختراق أجسام مدرّعة وقادرة على إلحاق الأذى بمجسّات الأقمار الاصطناعية عن بعد.
صور الأقمار الاصطناعية تشير أيضاً إلى أنّ الصين تجاوزت العمل بأسلحة ليزرية تعمل بالطاقة الكهربائية.
بالإضافة إلى الدول الأربع أميركا، روسيا، الصين والهند ، يمكن أيضاً إضافة اليابان، ومن المرجح امتلاك دول أخرى للتقنية عينها مثل «إسرائيل»، التي لديها نظم دفاعية مضادة للصواريخ الباليستية بطاقة عالية، وكذلك الهند، قادرة على تطويع ترسانتها الصاروخية لاستهداف أقمار اصطناعية في المدارات المتدنية.
تلك كانت أبرز الاستنتاجات التي توصّل إليها الخبير الذي أحجم الكشف عن هويته نظراً لحساسية المسألة، وفق رؤيته.
مركز الدراسات الأميركية والعربية