خزينة التراث السوريّ جرعة دعم لأصحاب الحرف الدمشقية المعرّضة للاندثار
تصعب المقارنة بين ما كان عليه البيت الدمشقي القديم في حي الميدان «الجزماتية»، الذي كان مهدّداً قبل أشهر قليلة بالانهيار بعد سنوات من الإهمال واللامبالاة، وما آل إليه حالياً، حيث تحوّلت قاعاته أمكنة حيّة، احتضنت مجموعة من الحرف الدمشقية واستقبلت عدداً من الحرفيين الذين تعرّضت ورشاتهم للتدمير خلال الحرب، متيحة لهم ممارسة مهنهم وكسب أرزاقهم من جديد.
يضمّ «بيت الشرق للتراث»، وهو الاسم الذي اختارته جمعية الوفاء التنموية السورية والاتحاد العام للحرفيين بعد أن وقّعا اتفاقية تعاون تضمّنت بعض بنودها إنشاء هذا المشروع عقب ترميم بيت الشرق مع نهاية العام 2018، مركزاً لتدريب جيل الشباب على الحرف وتعريفه بأهمية تراثه الوطني مع تطوير إمكانيات الوافدين الجدد لهذه المهن التي توزّعت على القاعات السبع والقبو في البيت، وهي: الموزاييك الخشبي والصدف، الفسيفساء الحجري، الحفر والنقش بكل أصنافه، الخيط العربي والمقرنصات والزجاج المعشق، الدهان الدمشقي والخط العربي، نول البروكار ونول السجاد اليدوي، إضافة لكون المكان وسيلة لكسب عيش كريم.
يقول الحرفي ماهر بوظو لـ «سبوتنيك» بأن صاحبة الفكرة السيدة رمال الصالح رئيسة جمعية الوفاء التنموية السورية، قدّمت تسهيلات كبيرة للحرفيين، لأن هدف المشروع إنساني أولاً، غايته الأهم تقديم العون لأصحاب الورش الذين فقدوا محالهم خلال الأزمة وخسروا أدوات عملهم وما ادّخروه سابقاً، مؤكداً صدق المبادرة في دعمها الحرفيين، لكونها لم تضع عليهم شروطاً ولم تطلب مقابلاً سوى تعليم حرفهم لأبناء الشهداء والطلاب وكل مَن يرغب بتعلم حرفة تساعده على كسب قوت يومه، لذلك قام الحرفيون في «بيت الشرق للتراث» بتدريب مجموعة من الأطفال على مراحل تطبيق الفسيفساء والدهان الدمشقي بشكلهما الأولي، وكانوا سعداء بما أنجزوه.
يضيف بوظو: الجمعية ساعدتني بأن وفرت لي مكاناً للعمل في حي الميدان العريق وأتاحت لي خدمة وطني بتعليم أبنائه مهنة شريفة، هي حرفة الدهان الدمشقي والتي يسمّيها البعض خطأ «العجمي»، واللافت أنه سيتاح لزوار المكان رؤية مشغولات ومنتجات أقل ما يُقال عنها جميلة ومذهلة، فهي عدا عن كونها تراثية عمرها مئات السنين، تتمتع بالجودة والصنعة المتقنة والمتانة، ولا مبالغة في القول بأن «بيت الشرق للتراث،» خزينة فنية للبلد، ونعمل حالياً على إقامة مكتبة تراثية في المكان نفسه.
ويستضيف بيت الشرق 12 حرفة اشتهرت بها سورية بشكل عام ودمشق بشكل خاص تعمل عليها أيد ماهرة لأصحاب مهن عريقة تضرّروا من الارهاب الذي استهدف مصدر رزقهم وحياتهم.
بدوره يمتهن الحرفي زكريا الصافي، حرفة الموزاييك والصدف، ويتحدث لـ «سبوتنيك» عن سعادته بإقامته في بيت دمشقي يُعنى بالحفاظ على مهنة تاريخية، ويشرح طريقة شغله التي تبدأ عادة مع نصف كرة خشبية تليها مرحلة الموزاييك، والتي ساهمت الحضارة العربية الإسلامية في تطويرها كجزء من الفن الخشبي، يظهر ذلك من خلال فن البناء في العصرين الأموي والعباسي، في صروح منها الجامع الأموي والمسجد الأقصى وقصور الأندلس، حيث طعّم العرب الخشب بالعظم والصدف، والخشب بالخشب بألوان مختلفة.
أما حرفة الصدف فهي تُقسم إلى أربعة فروع: المشجر، الخيط العربي، الطلس، الهندسي، كما يشرح الحرفي ياسين أبو زيتون، مشيراً إلى اعتماد حرفته على أخشاب الزان والجوز، واللذين تقوم عليهما أيضاً مهنة النقش والحفر على الخشب، حسبما يقول الحرفي محمد سعيد كريمو، منوهاً لضرورة استخدام الإزميل والمطرقة حصراً في هذه المهن، ولا يفوته التأكيد على دور المكان الذي يجمع حرفاً عدة، تالياً يتيح للزائر الاطلاع على جانب غني من التاريخ السوري.
ومن ضمن التوليفة الدمشقية الخاصة التي يقدّمها البيت تأتي حرفة الخيط العربي والمقرنصات، ووفقاً لما يقوله الحرفيون «لم تكن فكرة الخيط العربي موجودة في عالم الفن فهي نتاج حضارة كونت لنفسها مدرسة لا مثيل لها في عالم الفن، وتتمثل فكرته في أن يمر خيط مستقيم من الخشب بانكسارات وتداخلات ليشكل في محتواه أشكالاً هندسية غاية في الروعة والإتقان، أما المقرنصات فهي قديمة متجدّدة وجدت بجميع الحضارات السابقة لكن التطور الأكبر لهذا الفن ظهر على يد الفنانين العرب فعرفت البشرية على أيديهم أشكالاً جديدة تبرز مهارة الحرفي السوري».
سبوتنيك