سرجون كرم: نسعى كفريق للعودة إلى الجذور التي تشكّل إيديولوجية خاصة بشعب ونضيء على الإنسانية لديه لتقديمه إلى الغرب
رنا صادق
بعد اثني عشر مشروع ترجمة ناجحاً، من «بورتريه الموت»، و»انطولوجيا العالم في عيوننا»، و»الكائن والساحر والمتكلم»، وبعد تألّق على رحاب النجاح، يخطو مشروع الجنوب اللبناني خطواته الأخيرة ما قبل الولادة.
يعمل فريق الترجمة المؤلف من سرجون كرم، كورنيليا تسيرات، سيباستيات هاينه، بمشاركة محمد غازي والصحافي حسن م. العبدالله على مشروع الترجمة الجديد من العربية إلى الألمانية، ما بين القصائد العالقة في وجدان اللبنانيين والوجدان الجنوبي، إلى تلك القصائد لكبار الشعر الكلاسيكي، والمحكيّ التي وثّقت ذاتية هذه المنطقة والحقبات التي مرّت عليها وأنتجت شعباً مقاوماً ملتزماً ثابتاً على العقيدة. من هنا، اختار فريق الترجمة هذه المنطقة بحدّ ذاتها، لتمتّعها ببنية أيديولوجية خاصة، صمودها على مرّ الزمان إبان الانتداب والاستعمار والاحتلال، ووجود شعب قاوم الموت عاكسته الحياة واستمرّ على عقيدته.
هذه التجربة العلمية الجديدة التي تلوح في الأفق، هي استباط للفكرية التي كانت سائدة على مرّ الزمان في منطقة الجنوب، ويعود سبب ترجمة هذه الأعمال الشعرية اللبنانية تخصّ منطقة جنوبية عايشت الظلم، الاستبداد والاحتلال لفترة طويلة، قاومت، جاهدت وانتصرت، خصّها هذا المشروع بترجمة قصائد شعراء لبنانيين منهم من تركوا بصمة تاريخية في الشعر العربي واللبناني. هذا المشروع لم يكن للتعامل مع تلك المنطقة من الناحية العاطفية، بل تعامل أكاديمي علمي تاريخي. لأن هذه المنطقة لعبت دورها عبر التاريخ اللبناني، خصوصاً مع حكومة الملك فيصل، وفي إنشاء دولة لبنان الكبير، في عملية 6 آب.
«البناء» كان لها حديث مع فريق الترجمة العربية ـ الألمانية للتعرّف على هيكلية مشروع الترجمة الجنوبي الجديد.
تجربة محمد أنور غازي
يخطو محمد أنور غازي اللبناني الألماني المترجم المبتدئ تجربته الأولى في الترجمة، هو الذي يرتبط بجذوره بالجنوب اللبناني وحياته اليومية في الجنوب الألماني. وُلد في ألمانيا ودرس في جامعة هايدرون، ثم توجّه إلى المغرب حيث تعلّم اللغة العربية. وتخصّص بالترجمة في جامعة بون، حيث تعرّف إلى الدكتور سرجون كرم ويحضّر أطروحته عن سعيد عقل للدكتوراه.
ويقول: ما زلت ببداية تجربتي لكنني أعمد على تطوير نفسي رويداً حتى أصل إلى هدفي وهو تحقيق ذاتي في عالم الترجمة الألمانية العربية. اقتصرت بدايتي على ترجمة وثائق الزواج، رخصة قيادة وهكذا… وأشارك إلى جانب فريق الترجمة على المشروع الجنوبي، فهذه التجربة هي أولى المشاريع التي أشارك فيها، وأرجو التقدم رويداً في مسيرتي.
مشروع الجنوب اللبناني
يعتبر سرجون كرم أن هذا المشروع الذي سبقه أحد عشر مشروع عمل ترجمة من العربية إلى الألمانية إنتاج يستحق الانتشار والتوسّع. هذا المشروع الجديد الذي يعمل عليه كل من: سرجون كرم، حسن العبدلله، كورنيليا تسيرات، سيباستيات هاينه، ومحمد غازي.
يعود سبب ترجمة أعمال شعرية لبنانية تخص منطقة جنوبية عايشت الظلم، الاستبداد والاحتلال للى فترة طويلة، قاومت، جاهدت وانتصرت، خصّها هذا المشروع بترجمة قصائد شعراء لبنانيين منهم من تركوا بصمة تاريخية في الشعر العربي واللبناني. هذا المشروع لم يكن للتعامل مع تلك المنطقة من الناحية العاطفية، بل تعامل أكاديمي علمي تاريخي. لأن هذه المنطقة لعبت دورها عبر التاريخ اللبناني خصوصاً مع حكومة الملك فيصل، وفي إنشاء دولة لبنان الكبير، في عملية 6 آب. فهذه المجموعة كانت طيلة الحقبات مرتبطة بالتقدمية، الوطنية، الجهاد ضد الاحتلال.
كما أن العمل على مشروع حول الجنوب اللبناني جاء لأن صورته الغربية مرتبطة دائماً بالصراع والإرهاب والمقاومة والقضية الفلسطينية و»إسرائيل»، لذلك هذا المشروع سيحاول إعطاء الصورة المرتبطة بالإنسان الموجود على هذه الأرض، وتغيير الصورة الغربية العامة عن هذا المجتمع الجنوبي. ففي الجنوب هذا الإنسان يعاني، يُضطهد، ويتألم. وفي الكتاب لن تكون القصائد سياسية بل سيضيء على البقع التاريخية في إمكانيتها في التعبير عن نفسها واحتياجاتها، والتي تعتبر من أهم البقع في المنطقة.
في هذا المشروع وغيره من مشاريع الترجمة يعتبر سرجون كرم أنه معنّي بالدرجة الأولى بأهل شارعه وبلده في نقل لغتهم أولاً، تاريخهم وثمارهم الشعرية والأدبية في أي حقبة. وهذه التجربة تحتاج للنقل سواء كانت مواضع النقد جيدة أم غير جيدة، لكنه بالنهاية إنتاج. خلال السنوات السبع الماضية، أي مع بدء مشروع تجربة الترجمة استطاع سبعة عشر مترجماً أن يصدروا اثني عشر كتاب إلى الألمانية.
بانوراما تاريخية وايديولوجية
طبيعة الجنوب اللبناني ومعتقداته وانتمائه السياسي الموحّد ضد أي عدوان وأي اعتداء، إضافةً إلى طبيعة الأيديولوجيا الموجودة لدى الأهالي في تلك المنطقة منذ آلاف السنين لم تتغير، خصيصاً أنها بقعة عانت الدمار، الاجتياح والظلم.
وهنا ليس من السهل نقل هذه الأيديولوجبا الجنوبية إلى الألمان بكادر حقيقي يحقق الهدف المنوط من المشروع ككل حيث يقول سرجون عن ذلك: سنعمل على بانوراما لفترة التسعينيات، البانوراما الأولى للشعراء الأوائل الذين يعدّون المتنورين في جبل عامل كالشيخ أحمد رضا، سليمان ظاهر، محمد علي حوماني ثم العصبة العاملية كموسى شرارة، بعدها بانوراما فترة الثمانينيات والسبعينيات. تتضمّن هذه البانورامات الحقبية شعراء طبعوا الساحة اللبنانية والجنوبية وهم الذين ستقف عند قصائدهم الأنطولوجيا.
رسالة أكاديمية
الرسالة وراء مشروع ترجمة تجربة شعراء الجنوب بفعل أن هذا الشعر هو الأصدق، لأنه قائم من ناحية معاناة الشاعر بوجوده ككل، على الصعيد الشخصي لسرجون كرم، أما بالنسبة للناحية الأكاديمية هذه المنطقة عانت ولم يعش أهالي تلك المنطقة عصر النهضة، لذلك خلال هذا المشروع ستجري الإضاءة على هؤلاء الشعراء الذين تركوا إرثاً لبنانياً عربياً عريقاً.
عمليات نظرية الترجمة
يواجه المترجمون صعوبة في اختيار المفردات والكلمات العامة الصحيحة التي تخدم المعنى ولا تغيّر فيه من لغة إلى أخرى، لذا كل نصّ عربي له حساسيته ومفهومه الخاص كما لديه إمكانية في التعبير عنه بمفاهيم عدّة. فالقاموس العربي متشعّب، المفردة الواحدة يمكن أن تحمل معاني عديدة، كما يمكن أن يتغيّر معناها إذا أضيفت إليها الشدّة، أو حرف آخر، بحسب ما يشير محمد غازي.
وأضاف: الأمر يختلف من الألمانية إلى العربية، ومن العربية إلى الألمانية، فبعض المفردات تحتاج إلى الشرح المفصّل حتى لا ينتقص المعنى الكلّي للفقرة. وهنا تكمن صعوبة التحدّي في فهم وتحديد المعنى.
تختلف الترجمة الشعرية عن الترجمة النثرية، فالأخيرة يمكن ترجمتها بشرح مفصّل أو فقرة صغيرة، لكن ترجمة الشعر تحتاج إلى إيجاد الكلمات المعادلة المناسبة والموضوعية لها، يقول كرم.
وأضاف: قلّة قليلة من المتخصّصين في الترجمة الألمانية العربية، لذلك اتجهنا إلى التبادل الأدبي العربي الألماني، وتحديداً ترجمة الأدب والشعر العربي إلى الألمانية.
ويقول سرجون: تقع على عاتقنا كمترجمين مسؤولية كبيرة في العرض، من الدقة إلى الالتزام بالمعايير العملية لعرض المشروع…وتقديمه بطريقة علمية أكاديمية حول هذه المنطقة التي أنتجت أعمالاً فنية تلائمها، والأهم من ذلك أن كل قصيدة تركت بصمة في وجدان اللبنانيين عموماً وأهل الجنوب خصوصاً هي بالنسبة إلينا مهمة وضرورية لترجمتها. هذه التجربة العلمية مفتوحة على مصراعيها أي لا بدّ من قولبتها كليّاً حتى ننتهي منها وعدم العودة إليها.