أعمال الفنان التشكيلي التركي أوزجور جمهور… استرجاع استنباطيّ لتشكيل الجسد الإنساني ككلّ!

طلال مرتضى

في معرضه التشكيلي الأخير في مدينة فيينا، ينحاز الفنان التركي جمهور أوكاي أوزجور إلى فكرة التكوين الأول للإنسان ومن ثم حالة الغياب التي تعيده كهباء منثور، ربما يذرو كالتراب حين عصف النهايات.

«تشكيلات جسدية» عنوان ربما يدلي من دون جهد بمدلول ترميزاته والتي ربطها الفنان بشكل تتابعي لحركات جسد غيبيّ يتوسّل المواربة وهو يعيش بين فكرة القيام أو الغياب..

اتخذ الفنان جمهور جسد الإنسان مفتاحاً أوليّاً للدخول لتفصيلات ـ لربماـ غائبة عن عين الرائي، فمضمون المعرض، عبارة عن لوحات تحمل تشكيل جسد، تتخذ فكرته من موضع ما من جسم الإنسان يراه كمدخل أولي نحو ما يبتغي. وهنا تبدأ براعة الرسام في استنباط ما هو مخبوء داخل تكوين هذا الجزء من الجسد من خلال انعكاسات ارتدادية وانكسارات متشظيّة وتوثيقات مقروءة لظلّ قد يعطي جواباً لكثير من أسئلة صامتة قد يستشفها الرائي بعد وهلة الوقوف الأولى أمام أي عمل!

لعلّ «الفنان جمهور ابتعد بعض الشيء عن كل ما هو تجريدي وللحقيقة قد يقع القارئ – ببعض الأعمال- التي قد تنحو من غير دراية نحو التجريد، لكن الإيغال في تركيبة خطوط جمهور عميقاً لا بدّ لها إلا أن تعيد الرائي إلى وعي الفكرة من خلال التقاطه لتفصيل متوارٍ لجسد ينهج في مرحلة ما طوّر تكوينه ويذهب في أخرى نحو هالة الذوبان داخل الإطار..

ثمّة لازمة وجب تدوينها هنا في مقام القراءة، ألا وهي قراءة العمل الفنّي من عيون الرائي، فأعمال الفنان التركي جمهور، جلّها تعطي كانطباع أول طاقة قاتمة وهو ما يتلمّسه القارئ المراقب من حالة تجهّم في وجوه زائره من باب أن فكرة المعرض كلها واحدة تأخذ رائيها مباشرة نحو فكرة فناء الجسد من ناحية أولى، ومن ناحية تالية هي اعتماد الفنان على لون اشتغل عليه بعناية فائقة جداً ليكون بصمة له وحده. وهي فكرة أو بدع يرد إليه، عندما مزج بين اللون الأبيض «أكرليك» مع الحبر الأسود، حيث تم استخراج لون بديل يذهب ما بين البنّي المحروق الفاتح والرمادي الذاهب إلى الازرقاق، وهي فعالية كما أسلفت تحسّب له، من باب أن للحبر وحده سلطة خاصة على صدر اللوحة الفنية وكذلك الأكرليك أيضاً له سطوته، ولهذا عندما تنظر ملياً في وجه قارئ الفنان جمهور، تتوقف طويلاً علك تعيد ما قد انعكس عليه في مرآه العمل الفنّي الذي يقف في حضرته وبين ما علق في ذهنك كمراقب عن الحالة النفسيّة التي تشبه الانقباض الحسّي لدى المرء..

«تشكيلات جسدية» يحتاج لوقفة طويلة لاسترجاع الكثير من الأفكار العالقة في دوح الإطارات التي تأسر ضمن مضاميرها إشارات ودلالات، قد تبدو في عين القارئ الرائي غائبة، لكنها عبثاً حاضرة في يومي الحياة، قد نعبُرها من دون اكتراث، استطاع جمهور توثيقها ضمن منظومة خاصة تتمثل رصد دورة الحياة الكاملة وذلك ضمن مدار المشهديات التي تشكّلت كعلامات فارغة للمفارقة وتبيان نقاط وبؤر الفتنة الجسدي لدى المرأة من جانب والرجل من جانب آخر، وهذه دلالة وكناية تعود لـ «جمهور» وحده، عندما كسر غالب المعتاد، حيث يبحث المتلقي دائماً – وأعني الرجل تحديداً، عن فسحة الفتنة من خلال إيغاله في تركيب جسد الأنثى. هنا نتلمّس اشتغال الفنان على إظهار مكنونات جسد الرجل، عبر خطوط تتوه بين ما هو بدع خيالي وما هو واقع يمكن ملامسته بالعين أو من خلال حاسة اللمس، حيث نجد بعض الأعمال قد تشاكل بأنها مشغولة بما نسمّيه «الكولاج» أو عملية الحروف النافرة والتي تبدو كترهلات جسدية حقيقة حين ملامستها..

يستمر المعرض لمدة أسبوع في مدينة فيينا، وذلك في صالة ومقر المؤسسة المشرقية النمساوية للثقافة والاندماج «CUP OF CULTUERS» التي يديرها المؤلف الموسيقي اللبناني مفيد نعمة، حيث تُعنى المؤسسة بتجسير الثقافي بين البلد المضيف النمسا والوطن الأم للمبدعين والتي استطاعت استقطاب الكثير من المواهب العربية والأوروبية معاً هنا في فيينا.

الفنان جمهور أوكاي أوزجور أكاديمي تركي، له معارض فردية عدة بين تركيا ودول أخرى.

كاتب عربي/ فيينا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى