مواطنون يخشون شبح الحرب الأهلية ويطالبون الدولة بتطبيق القانون على من يفرض الخوّات ويطلب الهويات ويرفع السواتر الترابية على الطرقات
تحقيق ـ عبير حمدان
يأخذنا المشهد المتصاعد في الشارع إلى زواريب من المفترض أن نكون بغنى عنها ونحن شعب أثقلته الحروب والتقاتل على مدى سنوات حيث كانت المتاريس تقطع أوصال البلاد وكلّ جماعة تتحكّم بشارع فارضة منطقها التدميري، فمن المستفيد من استحضار شبح الحرب الأهلية؟ ومن ينقذ الناس من عربدة بعض الميليشيات المرتهنة لمشروع معروف هدفه القضاء على ما تبقى من أمل اللبنانيين بوطن آمنٍ وحياة كريمة وهويته مقاومة للعدو.
الصرخة الشعبية المدوية التي بدأت بشكل عفوي استحقت كلّ التقدير والدعم وربما كانت فرصة تاريخية لتحقيق التغيير ونيل المطالب المحقة من سلطة مطلوب منها مراجعة حساباتها في ما يتصل بالضرائب وسياسات الإفقار والفساد، ولكن هذه الصرخة لم تلبث يومين حتى تمّ العمل على تحريفها بشكل واضح من قبل جهات عديدة معروفة من الجميع وكم من تاجر مأجور ركب الموجة إلى جانب جزء كبير من الإعلام، هذا الإعلام البارع بصبّ الزيت على نار الفتنة في أكثر من منطقة وبشكل مفضوح ووقح.
اليوم تدخل الثورة يومها الثالث عشر، وحتى الآن لم تتخذ القوى الأمنية المعنية بالحفاظ على أمن المواطنين قراراً حاسماً بشأن فتح الطرقات أمام الناس الذين يرزحون تحت نير العوز وجُلّ ما يريدونه الحفاظ على لقمة عيشهم وعدم خسارة وظائفهم، ناهيك عن المؤسسات الخاصة الصغيرة التي تضرّر أصحابها بشكل كبير، ويتمّ تناقل الكثير من الأخبار عن حواجز تطلب الهويات والخوّات في أكثر من منطقة، فهل هكذا تكون الثورة على الظلم كما ينادي البعض ممن تبقى في الشارع؟ وكيف يرى المواطن العادي المشهد بعيداً عن الهواء المباشر لبعض القنوات التلفزيونية؟
البناء سألت عدداً من المواطنين في مختلف المناطق اللبنانية وكانت ردودهم على النحو التالي:
لتتحمّل الدولة مسؤولياتها
علي الحاج حسن موظف قال: الفقر والعَوَز يهدّدُ السواد الأعظم من اللبنانيين. والناس تنوء تحت وطأة سياسات الإفقار والتجويع والهدر والفساد والنهب الممنهج، والمطلوب أن تتحمّل الدولة مسؤولياتها للخروج من الأزمات الاقتصادية، لا أن تضيف أزمة جديدة من خلال غضّ الطرف عن الزعرنات والتجاوزات التي يقوم بها قطاع الطرق بحق المواطنين في عدد من المناطق.
أنا مع التظاهر من أجل مطالب محقة، أرفض الضرائب، أرفض الخصخصة، أرفض سياسات تجويعنا، لكن اية مطالب محقة حين نسمع المتظاهرين في الساحات يهتفون نصرة للمجموعات الإرهابية في إدلب ونسمع شتى أنواع الشتائم التي تعبّر عن فساد أخلاق من يطلق هذه الشتائم …
أضاف: أنا أرى أنّ قطع الطرقات على الناس لا يخدم المطالب المحقة، بل هو جنوح من قبل البعض لإدخال لبنان في الفوضى، الناس قد تتغاضى عن هذه الاعتداءات أسبوعاً أو أكثر، لكنها لن تقبل بأن تستمرّ هذه الحالة المقرفة والمقززة.
في ظلّ ما يحصل من اعتداءات وقطع طرق باسم حق التظاهر، يؤكد حقيقة أنّ هناك دول توفر الدعم لجهات محلية ولوسائل إعلام لركوب موجة المطالب المحقة، بهدف تنفيذ أهداف مشبوهة تستهدف وحدة لبنان واستقراره وسلمه الأهلي .
وتابع: أنا مواطن في هذا البلد، الدولة بمؤسساتها مسؤولية عن حماية حقي في الانتقال وفقاً للدستور، فلتتحمّل المؤسسات المعنية مسؤولياتها، ولتقم بما عليها، منعاً لسيادة شريعة الغاب.
وختم: ما أودّ قوله في هذا السياق، أنّ المسّ بكرامات الناس وبمنع الناس من تحصيل لقمة العيش، هو فعل شائن، لذا نناشد الدولة أن لا تسمح بحدوث ردة الفعل، وأن تطبّق القانون، لأنّ القانون هو الذي يجب أن نحتكم إليه جميعاً.
أغبى الناس مَن يستغبي الناس…
محمد حمية قال: الأزمات المعيشية والاقتصادية تطال معظم اللبنانيين لا سيما الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، وعلى الدولة أن تقوم بكلّ ما عليها، لإيجاد الحلول، لا أن تزيد الأعباء على المواطنين بحرمانهم من حرية الانتقال إلى أعمالهم.
إنّ قطع الطرق على المواطنين من قبل أشخاص يتوزّعون على أكثر من منطقلة لبنانية، أمر مريب، خصوصاً أنّ اشخاصاً لا يزيد عددهم عن عدد أصابع اليد الواحدة يقطعون الطريق في ايّ منطقة، وأمام ثكنات عسكرية لقوى الأمن الداخلي كما يحصل في منطقة فردان. فهل هناك قرار بعدم التعرّض لقطّاع الطرق وعدم محاسبتهم على أفعالهم التي تستبيح حرية المواطنين؟
إننا نسأل من يقف وراء قطّاع الطرق؟ ومن يقف وراء قرار عدم تطبيق النظام ولجم قطاع الطرق؟
ونسأل عن طبيعة دور وسائل الإعلام التي تمارس التحريض وتوجه المتظاهرين وتحدّد نقاط التحرك وقطع الطرقات؟»
اضاف: «إنّ ما يحدث في الشارع لم يعد يعبّر عن مطالب محقة، بل صار موجهاً ويستهدف استقرار البلد، ونحن لا نعرف من هي الدول والقوى التي تموّل التظاهرات. نحن الفقراء نكافح من أجل لقمة العيش، ونرفع الصوت لإنصافنا، لكننا لسنا أغبياء. إنّ أغبى الناس هو من يستغبي الناس. والأمور أصبحت مكشوفة، ومطلبنا من الدولة أن تؤمّن لنا الطرق للحصول على لقمة العيش، ولتحصيل العلم لأولادنا.. لا أن تتفرّج على احتجازنا لساعات على الطرق، لأنّ حفنة من المأجورين قرّرت قطع الطريق علينا وابتزازنا.
إنني أناشد القوى الأمنية والعسكرية وكلّ مؤسسات الدولة بأن تطبّق القانون، وأن تتحمّل مسؤولياتها، ومثلما تصون حرية التظاهر وتصون أمن المتظاهرين، عليها أن تصون حرية التنقل وحماية أمن الذين يريدون التنقل الى أعمالهم.
الضغط لم يعد على السلطة
وقالت شهناز الطفيلي مهندسة : «بالنسبة لي أرى أنّ قطع الطرقات يؤثر بشكل سلبي على الطبقة الفقيرة التي لا تملك إلا قوت يومها وحين تتعطل أشغالها يزداد وضعها سوءاً ولا يخدم المطالب المحقة للناس، والسؤال هنا ماذا يستفيد من يقطع أوصال البلاد إذا ساهم تصرّفه في خنق الفقراء؟
أما في ما يتصل بالحواجز المشبوهة التي تطلب هويات المارة فهذا التصرف يذكرنا بأيام الحرب الأهلية ويكرّس المنطق الطائفي بدل ان يجابهه، من هنا أرى أنّ هذه «الثورة» تحوّلت من صرخة محقة إلى تحركات مشبوهة تدفع إلى الخراب والمزيد من الانهيار الاقتصادي وتؤدّي إلى الانفجار الأمني والاجتماعي، وهذا الضغط لم يعد على من هم في السلطة بل تحوّل سيفاً مسلطاً على رقاب الناس».
وتختم قائلة: «حين تعمّ الفوضى يكثر المستفيدون ولو بطرق مرفوضة مثل فرض الخوّات على الناس الذين يعبرون من منطقة إلى أخرى بحجة العوز من قبل البعض، ولكن الأغلب أنّ هذا التصرف ميليشياوي وله أناس يحركونه لأهدافهم الخاصة».
استقالوا وحرفوا الحراك عن أهدافه
وقال نشأت طالب مهندس : «أنا ضدّ إقفال الطرقات لأنها تفاقم السلبيات ولا تخدم الشعب الفقير، الثورة الحقيقية تكون أكثر حضارة ويمكن الضغط على أهل السلطة والفاسدين فيها من خلال البقاء في الساحات دون التضييق على الناس الذين يخرجون الى أعمالهم بهدف الحفاظ على ما تبقى من لقمة عيشهم».
أضاف: «الحراك في بدايته كان محقاً وكلنا كنا معه للمطالبة بحقوقنا ومنعهم من إفقارنا أكثر، ولكنها انحرفت بعد يومين بهمة الجهة التي استقالت من الحكومة ومن يتفق معها من الذين هم خارج السلطة من أمراء الحرب الذين ركبوا هذه الموجة ووظفوها لخدمة مصالحهم ومشاريعهم التخريبية القديمة الجديدة وما طلب الهويات من الناس وفرض الخوات إلا وجه من وجوه الحرب الأهلية التي لا نريدها إطلاقاً».
تصرفات ميليشياوية قاتلة!
من جهتها قالت غنوة ماجد ربة منزل : «قطع الطرقات ما هو إلا وسيلة لقطع أرزاق الناس الفقيرة، انا أبنة الجنوب حين أقصد بيروت أشعر بأنني في حالة حرب مع أشخاص لا أعرف ما هي أهدافهم، التظاهر حق ولكن خنق الناس مرفوض، صرختنا هي صرخة الناس فلماذا يريد البعض تهميشنا ليفرض سياسته المشبوهة برداء الحراك».
وأضافت: «عمل زوجي في إطار يومي وهو الآن لا يستطيع التنقل والعمل فمن يعوّض علينا خسارتنا، وماذا عن طلاب المدارس الذين قد يخسرون سنة من عمرهم، ولماذا التصويب على المقاومة، وأين القوى الأمنية من ضرورة تحمّل مسؤولياتها، لقد أصبح هذا الحراك في مكان آخر، وبات بعيداً كلّ البعد عن هدفه الذي من المفترض ان يخدم الناس لا ان يصبح سلاحاً قاتلاً وميليشياوياً في وجه الفقراء بحيث يمكن لولد ان يقفل شارع ويطلب الهوية والخوّة من مواطن هو في الأساس أخوه في المواطنية».
هل هي «ثورة» ضدّ الناس؟
وسألت آيات الحاج حسن مهندسة مساحة : «ثورة ضدّ من؟ بعد 13 يوماً من الاعتصامات في الساحات اللبنانية على اختلاف المناطق، وبعد رفض المعتصمين الورقة الإصلاحية المقدمة من الحكومة والمطالبة المستمرة بإسقاط النظام… لاح في الأفق شبح الحرب الأهلية التي لطالما سمعت عنها ولكني لم أعشها بحكم أني من مواليد 1995، حيث بدت ملامحها واضحة… فوضى، تعطيل مؤسسات البلد، تغيير مسار الانتفاضة وانقسام الحراك في كثير من المناطق… وصولاً إلى إغلاق الطرقات الذي ظننت في البداية أنه فقط أداة ضغط على الحكومة للاستقالة، ولكن بعد رحلة بسيطة من بيروت نحو البقاع مثلاً نجد انّ الأمر مختلف تماماً حيث انّ من يغلق هذه الطرقات هم مجرد شباب ثائر بعمر السادسة عشرة، يتكلم مع الشعب – الذي من المفترض انه يتمّ إغلاق الطرقات لتحصيل حقوقه المنهوبة – بهمجية واستعلاء دون مراعاة لعمر او حالة صحية او حتى بدلة عسكرية! لذا، السؤال المطروح هنا: ما هو تأثير إغلاق الطرقات على المواطنين اقتصادياً مع ذكر انه في كثير من المناطق يتداول حول طلب مبلغ معيّن من المال او التذاكر الشخصية للسماح لهم بالمرور؟
وأضافت: «انّ معظم الطرقات التي تقطع هي إما باب رزق لكثير من سائقي الفانات وسيارات الأجرة أو ممر أساسي لعمال وموظفين وعسكريين يتنقلون عليها يومياً للذهاب إلى أعمالهم في العاصمة بيروت، وبالتالي فإنّ شلّ هذه الحركة يقطع أكبر شرايين الاقتصاد اللبناني ناهيك عن خسارة العمال… فمثلا، سائق الفان او سيارة الأجرة الذي يكسب رزقه بشكل يومي من عمله والذي هو بعمله يعيل عائلة كيف سيتمكن من إتمام مسؤوليته تجاههم انْ لم يعمل.. ولا بدّ من الإشارة هنا الى انّ المظاهر التي تمارس اليوم في الطرقات اللبنانية من طلب التذاكر ومبالغ مالية معينة للمرور كذلك ظهور الأسلحة بين بعض المعتصمين على الطرقات وكلّ هذا الضغط الذي يمارس على من لا يشارك او لا يستطيع ان يشارك في العصيان المدني سيؤدّي الى نتيجة محتملة ومنطقية ومكرّرة لهذا الضغط الممارس على الشعب قبل الدولة وهي انفجار شارع آخر يطالب بفتح الطرقات وإنهاء الثورة… فهل سيكون لهذا الانفجار نتائج غير حرب أهلية جديدة تعيد رسم خارطة لبنان؟ وهل التقسيم السياسي الجديد اليوم في لبنان وظهور أطراف جديدة لم تكن موجودة في السبعينات يمكن ان يكرّر حرباً جديدة؟»
وقال فضل طالب: «نحن مع مطالب الشعب المحقة ولكن قضية قطع الطرقات ستنعكس سلباً على الحراك لأنّ الطبقة الفقيرة ستزداد فقراً وجوعاً لأنها المتضرّر الأكبر وترتدّ على الحراك وينقسم الشارع وهذا لا يخدم ما يسمّى الثورة.
والأخطر في الأمر أنّ ظاهرة قطع الطرقات سرعان ما يستغلها الزعران وتصبح مصدر عيشهم من خلال أخذ الخوّات وفرض إبراز بطاقة الهوية وإهانة كلّ من يعترض.
لذا أقول هذه الممارسات مؤداها واحد وهو الخراب والذهاب إلى حرب الأهلية».
دخلنا في نفق مجهول…
وقالت كاترين راشد حمدان مدّرسة : «حين بدأ الحراك الشعبي المطلبي شعرت بالحماس وظننت أننا سنتمكن من تغيير الواقع المعيشي الصعب الذي أوصلتنا إليه سياسات الافقار المتبعة من الفاسدين في السلطة، ولكن لم يمرّ يومان حتى تحوّل هذا الحراك إلى مكان آخر ولم نعد نفهم ما هي الغاية من إقفال الطرقات أمام الناس وقطع أرزاقهم، بينما المطلوب الضغط على السلطة التي تقدّمت بورقة إصلاحية في محاولة لتلقف صرخة الناس، وبدل ان نذهب إلى الحوار دخلنا في نفق مجهول وتمّ استثمار وجع المواطن من قبل جهات سياسية مرتهنة لمشاريع مشبوهة، وبدأ حفل الشتائم والسباب والتصويب على المقاومة بهدف زرع الفتنة وتكريسها اكثر وقد ساهم جزء من الإعلام بهذا الأمر».
أضافت: «جميعنا يعلم لعبة الأرقام وهي ليست جديدة على ساحات لبنان، وإذا نظرنا جيداً سنرى انّ العدد يتناقص يومياً ومن يبقى في الشارع كلّ ما يفعله هو قطع الطرقات على الناس وتهديدهم في لقمة عيشهم، أنا مثلاً أغامر بالتوجه الى عملي وأبحث عن منافذ في ظلّ قطع الطرقات، ومن هنا أسأل كلّ من يعترض طريق الموظف الذي لا يملك إلا راتبه هل يمكنه أن يدفع لي راتبي مثلاً أو هل يعوّض عليّ إذا خسرت وظيفتي؟»