الردّ السوري سيكون مزدوجاً

روزانا رمال

يدور النقاش في الدوائر السياسية والإعلامية حول ما إذا كانت سورية ستردّ على الغارات الإسرائيلية التي تعرّضت لها مناطق قريبة من دمشق مساء أول أمس، والنقاش المشكك ينطلق من التعمية النمطية التي لا تزال تعيش أجواء القدرة «الإسرائيلية» التي لا تقهر، وترى فيها قدراً لا يُردّ رغم كلّ الهزائم التي مُنيت بها من لبنان إلى غزة، كما تنطلق من تصوير القيادة السورية كقوة تخشى التصادم مع «إسرائيل»، أو تقيم معها تفاهمات ضمنية تسمح لـ«إسرائيل» بالعربدة كيفما ومتى شاءت من دون أن تلقى رداً على عربدتها.

لا أحد يستطيع إنكار حقيقة أنّ معادلة العلاقة بين سورية و«إسرائيل» خلال الأزمة حكمتها ثنائية، أول أبعادها الإفادة «الإسرائيلية» من الأزمة على عدة جبهات، من ضرب الدفاعات الجوية واستهداف الطيارين المحترفين ومراكز التنصت والحرب الإلكترونية بواسطة جماعات المعارضة، والسعي إلى العبث بالنسيج الوطني السوري عبر تشجيع القوى المتطرفة كـ»جبهة النصرة» فرع تنظيم «القاعدة»، الذي لم يُحرج «إسرائيل» بلسان وزير حربها الإشادة به، كما أفادت «إسرائيل» حكماً من نتائج الأزمة بإرباك حلف المقاومة الذي تشكل سورية صلة الوصل بين ركنيه إيران وحزب الله، وقاعدته السياسية الرسمية المعنية مباشرة كدولة بمستقبل الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، وتملك جيشاً مجهّزاً لحرب مقبلة، ولذلك فالواقع الذي لا يمكن إنكاره لمن يتطلع نحو طبيعة الحلف الذي قاد التصعيد ضدّ سورية، أنّ «إسرائيل» ليست بالصدفة حليفاً مباشراً لكلّ المنخرطين في التحالف الذي سُمّي أصدقاء سورية لقيادة الحرب عليها، بحيث انّ معيار الانضمام ودرجة الحماس إلى هذا الحلف، كانت تقاس بين حكومات العالم بدرجة التعاون والتنسيق مع «إسرائيل»، وصولاً إلى دخول «إسرائيل» مباشرة على خط حماية «جبهة النصرة» ودورها في جنوب سورية وخصوصاً في الجولان وإعلان تورّطها المباشر في الحرب المسمّاة داخلية.

العامل الثاني في ثنائية معادلة سورية و»إسرائيل» كان السعي «الإسرائيلي» الدائم لاستنزاف المقاومة التي يمثل حزب الله رأس حربتها، والرهان على ما تمثله الحرب في سورية لإضعاف قدراتها، وقياس مدى تأثير هذه الحرب على قدرة الردع التي تملكها المقاومة من جهة، وقدرة الهجوم البري التي تعرف «إسرائيل» أنها معنية بالجليل في أيّ حرب مقبلة، من جهة أخرى، لكن فوق كلّ هذا المتصل بخيارات الحرب التي ترغب «إسرائيل» استرداد القدرة على خوض غمارها ضدّ المقاومة، بقيت عين «إسرائيل» على ما تقدّمه سورية من سلاح وعتاد حديثين للمقاومة، خصوصاً من الترسانة الروسية التي تتزوّد سورية بأحدث ما فيها في سلاح الصواريخ البرية والبحرية والجوية.

الغارات «الإسرائيلية» تتصل بالثنائية نفسها، لكن من جانب سورية والمقاومة اللتين تدور حول علاقتهما الحرب على سورية والغارات «الإسرائيلية»، واللتين واجهتا هذه المعادلة الثنائية بثنائية موازية، فالواضح من كلام سيد المقاومة أنّ قدرات المقاومة خصوصاً في العتاد والسلاح قد زادت كمّاً ونوعاً، وهذا إنجاز تعترف به المراجع «الإسرائيلية»، ما يعني أنّ الغارات الهادفة إلى التهديد لم تنفع في ثني سورية عن تقديم المزيد ولا في تخويف المقاومة من استيعابه وزجّه في الخطط القتالية أو منظومة الردع، والغارات الهادفة إلى التدمير سواء أصابت أهدافاً أم لا فهي لم تؤثر في الحصيلة الإجمالية لزيادة قدرات المقاومة، وعلى ضفة موازية تمثلت ثنائية سورية والمقاومة، بامتصاص الغارات «الإسرائيلية» المرتبطة بالبعد الداخلي للحرب في سورية، إلى حين تحقيق الإنجاز الميداني الذي تريد الغارات تعطيله أو توجيه الإنذار لمنع الإقدام عليه، كما جرى في غارات جمرايا لمنع حرب القصيْر، فكان القرار إنهاء القصيْر ثم الردّ بعمليات الجولان، وفي غارات جمرايا الثانية قبل حسم يبرود لمنع الحسم فيها، فكان الردّ حسم يبرود ثم عملية مزدوجة في مزارع شبعا والجولان، واليوم واضح أنّ الغارات المتعدّدة الأدوار ستلقى وفقا لمعلومات مؤكدة رداً متعدّد الأبعاد، فالسير بالحسم في جوبر والقلمون وحلب أولوية لسورية والمقاومة، والردّ المناسب المباشر كما يبدو هذه المرة لن ينتظر إنجاز الحسم، فنكون على موعد ليس بعيداً لردّ يحسم الجدل، بانتظار حسم يثير المزيد من الجدل.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى