روما وسيدني ترسمان مستقبل العالم بين الانفراج والانفجار
كتب المحرر السياسي:
بين سيدني حيث العملية الأولى في عاصمة غربية لتنظيم «داعش» بعد إعلانه الإمارة، وروما حيث تواصلت محادثات وزيري خارجية أميركا وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف، كان العالم موزع الأنظار والاهتمام.
في سيدني إرهابي تكفيري يختطف رهائنه في قلب مقهى في وسط العاصمة الأسترالية، ويرفع علم «داعش»، معلناً من دون بيان، وبموته في المواجهة التي انتهت مع الشرطة بتحرير الرهائن، بدء نقاش مرير في وسط صنّاع القرار والرأي العام في الغرب عبّرت عنه «الإندبندنت» البريطانية بالقول، إنه بقدر ما تبدو المشاركة في الحرب على الإرهاب ضرورة لحماية أمن الدول الغربية، تبدو مصدراً لتحوّل عواصمها ساحات رديفة لهذه الحرب ومصدراً لخراب أمنها، وكحال العسكريين المخطوفين وأهاليهم، خرج من يقول لبّوا طلبات «داعش» لتجنّب شرورها، ومن قال العكس تماماً، إنّ الامتيازات التي مُنحت للفكر التكفيري خلال عقود لم تنجح بجعل عواصم الغرب أشدّ أمناً، وإنّ الرهان على جعل وجهة هؤلاء الإرهابيين بلادهم الأصلية، أو ساحات القتال في الشرق يسقط مع هذه العملية، فكلما اشتدّ ساعد هذه الجماعات قرّرت رحلة العودة، ومشهد الجزائر بعد حرب أفغانستان، قابل للتكرار في ثلاث دول غربية مهيأة منذ عقود، هي أستراليا وبريطانيا وهولندا، حيث تملك الوهابية مساجد وأحياء وشوارع تستطيع إقفالها لمريديها متى شاءت بتسهيلات من السلطات وأحياناً بغطاء من استخباراتها.
في روما نجح لقاء وزيري خارجية روسيا وأميركا في وضع اللمسات الأخيرة على نقطة البداية، لمنع الحرب المالية من الاندلاع بين حكومتيهما، وبدء مفاوضات حول العقوبات والتصعيد المتبادل الذي لوح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذا وقّع الرئيس باراك أوباما العقوبات الجديدة التي أقرّها الكونغرس، فقد تبلّغ لافروف من كيري وفقاً لمصادر وثيقة الصلة بمحادثات روما، أنّ أوباما لن يوقّع قانون الكونغرس الجديد الخاص بالعقوبات.
من هذه النقطة تمّت مقاربة الدعم اللازم لتفاهمات يجب أن ينطلق الحوار نحوها في أوكرانيا بعدما نجح تثبيت وقف النار، ومنها انطلقت أيضاً مقاربة مبادرة المبعوث الأممي لسورية ستيفان دي ميستورا، بتأكيد أولوية وقف النار المرتبط بإقفال الحدود التركية أمام السلاح والمسلحين، تمهيداً لحوار ينتظر ترتيب واقع المعارضة التي لم تعد تملك ميدانياً ما يخوّلها المساهمة في وقف النار ولا في الحرب على الإرهاب.
اليوم سيترجم التفاهم حول تسريع التفاهم مع إيران في محادثات يجريها المعاونون السياسيون، بداية الأميركي والإيراني، ومن بعدهما أطراف التفاوض السبعة، دول الخمسة زائداً واحد وإيران، وستلعب روسيا دورها في تدوير الزوايا وصولاً إلى ما هو متوقّع من تحقيق الاختراق الأهمّ لبلوغ التفاهم.
بين الانفجار والانفراج، العالم يمسك قلبه بيده، ومثله اللبنانيون وعينهم على قضية المخطوفين العسكريين، التي بدا أنّ عدوى كثرة الطباخين في خلية الأزمة الحكومية التي أفسدت الطبخة التفاوضية مراراً، قد انتقلت إلى صفوف الخاطفين حيث برز تضارب المواقف بصدد تحديد الجهة المخوّلة لعب دور الوسيط المفوض من قبل «جبهة النصرة».
كثرة الطباخين
وغداة تكليف «جبهة النصرة» الشيخ وسام المصري بالتفاوض في ملف العسكريين المخطوفين، صوّبت «هيئة علماء المسلمين» عليه لإفشال مهمته. بينما أعلن وزير الصحة وائل أبو فاعور أن المفاوضات عادت إلى نقطة الصفر، نافياً أن تكون الحكومة قررت اعتبار المخطوفين شهداء حرب.
وترافقت هذه الأجواء مع تصعيد لأهالي المخطوفين الذين قطعوا الطريق في وسط بيروت بالإطارات المشتعلة إثر تلقي زوجة العسكري المخطوف لدى «داعش» خالد مقبل اتصالاً منه ينبّه فيه إلى أن الخاطفين سيقتلون العسكريين في اليومين المقبلين، مطالبين الحكومة باستئناف المفاوضات للوصول إلى المقايضة.
في الأثناء، وقبل مباشرة مهمته أكد الشيخ وسام المصري أن «قبوله بمهمة التفاوض بملف العسكريين المخطوفين يأتي من منطلق إنساني بحت». وأشار في حديث تلفزيوني إلى أن «قبله توجه 30 وفداً إلى الجرود منهم معلن ومنهم غير معلن، لبنانيون وغير لبنانيين، والملف لم ينته، وأنا إذا تلقيت الإذن الرسمي سوف أتوجه إلى جرود عرسال للقاء شباب «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» وسأحرص على التفاوض لتحرير الجميع من دون تمييز».
وأوضح «انه ليس قريباً من حزب الله ولا يؤيده ولكنه ليس معادياً له»، كاشفاً انه «سبق إعلان جبهة النصرة عن اسمه اتصالات غير مباشرة مع النصرة عبر وسطاء لها، وقد تمت هذه الاتصالات بالتنسيق مع الدولة اللبنانية». فيما نفى الشيخ مصطفى الحجيري «أبو طاقية»المقرب من «جبهة النصرة» أن تكون الأخيرة قد فوضت المصري بهذه المهمة».
من جهته، اعتبر عضو «هيئة علماء المسلمين» الشيخ عدنان أمامة أن «تفويض الشيخ المصري، مؤشر غير ايجابي تجاه «الهيئة»، فهو ينتمي إلى «اللقاء السلفي» الذي وقع على ورقة تفاهم مع حزب الله، وسياسته وتوجهاته لا تلتقي أبداً مع توجهات «الهيئة»!
«هيئة علماء المسلمين» تنتظر جلسة مجلس الوزراء
وأرجأت «الهيئة» المؤتمر الصحافي الذي كان مقرراً أمس إلى ما بعد جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل». وأشارت مصادر «الهيئة» لـ«البناء» إلى «أن تأجيل المؤتمر الصحافي مرده إلى أن الهيئة تريد أن تعرف الموقف الرسمي للحكومة في شأن تكليفها رسمياً التفاوض مع الخاطفين لإطلاق سراح العسكريين أو عدمه قبل إصدار أي موقف». وإذ أكدت «أن مجلس الوزراء لن يفوض الهيئة رسمياً»، أشارت المصادر إلى أن الأمور وصلت إلى حائط مسدود وأن لا حل في المدى المنظور لملف العسكريين».
وقالت إن الشيخ المصري غير مكلف التفاوض مع الحكومة، وان «جبهة النصرة» أبلغت الشيخ مصطفى الحجيري أنها لم تفوض أحداً.
في غضون ذلك، كشف المدير العام السابق للأمن العام اللواء الركن جميل السيد أن «هناك استعداداً سورياً لإعطاء ممر آمن للمسلحين للعبور إلى داخل منطقة في سورية والخروج من جرود عرسال مقابل الإفراج عن العسكريين»، معتبراً أن «هذا الاستعداد تضحية كبيرة من سورية اتجاه موقفها من الجيش اللبناني والأمن السوري واللبناني على الحدود اللبنانية السورية».
في الشأن العسكري، جرى أمس في قيادة الجيش في اليرزة، توقيع ملحق اتفاقية الأسلحة والأعتدة العسكرية الفرنسية، في إطار الهبة السعودية المقدمة للجيش اللبناني، بين قائد الجيش العماد جان قهوجي عن الجانب اللبناني، والأميرال إدوار غيو ممثلاً شركة «أوداس» عن الجانب الفرنسي، وذلك في حضور السفير الفرنسي في لبنان باتريس باولي.
ويأتي هذا التوقيع بعد زيارة رئيس الحكومة تمام سلام إلى باريس الأسبوع الماضي من أجل تحريك موضوع الهبة.
لا لقاء قريباً بين عون وجعجع
على خط آخر، وبينما يواصل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع زيارته إلى السعودية حيث التقى ولي العهد سلمان بن عبد العزيز وولي ولي العهد مقرن بن عبد العزيز، لفتت أوساط التيار الوطني الحر إلى انه لا دلائل حتى الآن على عقد اللقاء بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون وجعجع مرجحة تأجيله إلى العام الجديد كلقاء تيار المستقبل و«حزب الله.
وفيما عاد مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري إلى بيروت من الولايات المتحدة، أكد النائب عمار حوري لـ«البناء» «أن التواصل سيستأنف بين الحريري ووزير المال علي حسن خليل لاستكمال البحث في جدول أعمال الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل» المرتبط موعده بما سيتم التوصل إليه من تفاهم حول جدول الأعمال».
الحراك الدولي بلا بركة
وأكدت مصادر قواتية لـ«البناء» أن «لا جديد في الملف الرئاسي في المدى المنظور»، لافتة إلى «أن «عجقة» الحراك الدولي، هو حركة بلا بركة». وشددت المصادر على «أن لا لقاء قريباً بين جعجع وعون في القريب، لافتة إلى «أن اللقاء لن يعقد إلا إذا قبل الجنرال عون أن يبحث في تسوية الرئيس التوافقي، وهذا غير وارد عنده الآن».
وإذ تمنت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«البناء» أن يؤتي الحراك الدولي ثماره، إلا أنها أشارت إلى «أن لا شيء جديداً في الملف الرئاسي، في ظل العناد الموجود عند فريقي 8 و14 آذار، فكل منهما لا يزال على موقفه».
مساع فاتيكانية
في الأثناء، أكّد السفير البابوي في لبنان المونسنيور غبريال كاتشيا «أن الفاتيكان يبذل مساعيه مع السياسيين اللبنانيين من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت، فيما دعا حزب الكتائب بعد اجتماع مكتبه السياسي أمس إلى «تجاوز الانسداد في الأزمة الرئاسية والقيام بالحد الأدنى من الجهد وملاقاة الحركة الدولية باتجاه لبنان، والإصرار على لبننة الاستحقاق من خلال العمل على إيجاد بيئة صديقة لانتخاب رئيس للجمهورية.
وبعيداً من الجدالات السياسية العقيمة، ترجم رئيس مجلس النواب نبيه بري صرخته النفطية إلى اتصالات واجتماعات لاتخاذ إجراءات تحول دون استيلاء «إسرائيل» على ثروة لبنان من الغاز والنفط في غمرة الفوضى التي تعم المنطقة.
وترأس بري اجتماعاً أمس في عين التينة ضم وزير الطاقة أرتور نظريان ورئيس لجنة الأشغال والطاقة النائب محمد قباني وهيئة إدارة قطاع النفط.
وأوضح نظريان أن الغاية من الاجتماع «تحريك المرسومين التطبيقيين وملف النفط والغاز الذي ينام في الأدراج منذ فترة طويلة، أن التعليمات والنصائح التي زودنا بها دولته هي مهمة للغاية خصوصاً أن هناك عدواً من الممكن بل من المؤكد سيستفيد من الغاز والبترول الموجودين في المياه اللبنانية».
بدوره أعلن النائب قباني أنه لن يكون هناك خلاف بين مجلس النواب والحكومة حول المرسومين. وسنتفق على المراسيم وعلى قانون الضرائب في أسرع وقت ممكن.
وكان بري شدد على وجوب إقرار مرسومي النفط في أسرع وقت. وأكد أمام زواره «أن الخلاف على موضوع تلزيم التنقيب عن النفط في البلوكات اللبنانية في المنطقة الاقتصادية الخالصة قد ذُلّل بعدما كان البعض يقترح التلزيم في بعض البلوكات. وأوضح أن التلزيم يجب أن يكون في كل البلوكات».
خطة لبنان للاستجابة للأزمة
في مجال آخر، أطلق الرئيس سلام ونائب الأمين العام للأمم المتحدة يان إلياسون في السراي الكبير خطة لبنان للاستجابة للأزمة، وتهدف الخطة التي وضعت بشكل مشترك بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة إلى ضمان استفادة لبنان بشكل ملموس من الاستجابة للأزمة السورية والمساعدة على تثبيت الاستقرار في البلاد خلال هذه المرحلة الصعبة. وتتابع الخطة العمل الضروري من أجل توفير الحماية والمساعدة الإنسانية للعائلات النازحة من سورية وفي الوقت نفسه توسيع الخطط للاستثمار في الخدمات والاقتصاد والمؤسسات اللبنانية في المناطق الأكثر فقراً والمعرضة للخطر. وتأمل الخطة التي تتطلب تمويلاً يصل إلى 2,1 مليار دولار أميركي تقريباً، أن تشمل نحو 2,9 مليون شخص من الأكثر حاجة، نصفهم من اللبنانيين.
وكان الياسون التقى بري وسلام، ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، وقائد الجيش العماد جان قهوجي، وأكد «أن سلامة وأمن لبنان هما أولوية للمنطقة وللعالم».