لماذا التصعيد وماذا تريد تركيا والسعودية؟
ناصر قنديل
– لا يُخفى على متابعي شؤون المنطقة أنّ ثمة شيئاً يتحضّر مع بداية العام، سواء في الجبهة المتصلة بالحرب مع «داعش» وساحتيها سورية والعراق المشتعلتين، أو في الخليج وساحاته الملتهبة، خصوصاً البحرين واليمن، ويستحيل تفسير هذه الهبّة المفاجئة في فوران كلّ الجبهات بالصدفة، فالفوران أو التصعيد في أكثر من جبهة يعني وجود جهة عابرة لأكثر من جبهة وقادرة على الإمساك بتحريك الأوراق فيها من جهة، ويعني في كلّ جبهة قدرة القرار والتنسيق بين مكوّنات لا بدّ من جمعها ليتحقق التصعيد من جهة ثانية، كما يعني رصد الإمكانات التي يستدعيها التصعيد من جهة ثالثة وتوفير الغطاء اللازم لقواه.
– أن تتحرك جبهتا شمال المنطقة وجنوبها في أربع بلدان على الأقلّ فيجري التصعيد الأمني والقانوني ضدّ المعارضة في البحرين، ويجري التصعيد السياسي والأمني والقبلي ضدّ الحوثيين في اليمن، وتجري محاولات لإرباك النصر العراقي على «داعش» في محافظة الأنبار عبر تحريك مجاميع عشائرية معارضة لخطة الحكومة والجيش، وينفجر الوضع مجدّداً في القلمون في سورية ودرعا وريف حلب، وتزجّ طاقات مالية وتسليحية جديدة في هذه الجبهات وتظهر تسويات بين بعض المكوّنات، ليصير الحشد للتصعيد ممكناً، بينما تتقاتل ذات المكوّنات في مواقع وجبهات أخرى، كلّ هذا يعني أنّ تركيا والسعودية مباشرة على الخط.
– تفاهم تركي ـ سعودي للتصعيد يطاول مبادرة موسكو حول سورية غير كاف لتفسير ما يجري في الخليج، وتجميع أوراق تركية تفاوضية أو أوراق سعودية تفاوضية في زمن التجاذب التركي ـ السعودي شديد الصعوبة حدّ الاستحالة، والتخلي التركي عن «الإخوان» كمشروع في سورية على الأقلّ، يعني التخلي عن كلّ شيء، وأن تتخلى السعودية عن مصر يعني التخلي عن الكثير الذي يقارب كلّ شيء، إذن هو استدراك مشترك سعودي ـ تركي لضرورة حشد القدرات معاً استباقاً للاستحقاقات السياسية الآتية، وتحييد ساحات الخط الأحمر لكلّ من الفريقين، فيرتضي التركي تجميداً إخوانياً في مصر أو تخلياً عن دعمهم هناك على الأقلّ، وترتضي السعودية في المقابل تعويماً للإخوان في سورية، وهذا يعني إدارة سعودية لجبهة الجنوب، أيّ الخليج، وإدارة تركية لجبهة الشمال، أيّ سورية والعراق.
– الاستعداد للاستحقاقات السياسية التي تطاول المنطقة يعني ما هو أكبر من مبادرة موسكو الخاصة بسورية، ليطاول الخريطة الجديدة للأدوار في المنطقة، وهذا مكانه الوحيد التفاوض مع إيران، في قلب المهلة التي حدّدها وزير الخارجية الأميركي جون كيري منذ نهاية تشرين الثاني العام الماضي، من فيينا، بأربعة شهور تنتهي مطلع نيسان المقبل، لإنجاز التفاهم السياسي، وهذا يعني الحاجة الأميركية لتعاون وتنسيق تركي ـ سعودي يمهّد للتفاوض مع إيران، بصيغة أقرب إلى الشراكة بعد استنهاض أوراق القوة، ولمنع الاستفراد الإيراني بكلّ منهما على حدة تفاوضياً والإفادة من تناقضاتهما وتنافسهما على دور المرجعية.
– توزيع المرجعية بين الشمال والجنوب يبدو قد حسم لتركيا في شأن سورية والعراق ولمصلحة السعودية في شأن الخليج وصار شمال أفريقيا تعويضاً للسعودية عبر مصر ومعها عن الخروج من سورية والعراق بعد الفشل، مقابل تجيير القدرات المتبادلة بين كلّ من تركيا والسعودية لتقوية الوضع التفاوضي للفريقين معاً.
– يبقى السؤال التقليدي عن لبنان، في قلب هذا التقسيم للأدوار حيث النفوذ الفعلي للفريقين هو نفوذ سعودي والبيئة المحيطة هي مستقبل سورية، حيث الدور بين الفريقين لتركيا، ما يعني ترك لبنان إلى آخر المراحل.