أعمال عدنان مردم بك الشعريّة تختزل ذاكرة سورية الأرض والتاريخ
اختارت الهيئة العامة السورية للكتاب أن تختتم إصداراتها الشعرية للعام المنصرم بطباعة ديوان الشاعر الراحل عدنان مردم بك ويتضمن مجموعة أعماله الكاملة: «نجوى» و«صفحة ذكرى» و«عبير من دمشق» و«نفحات شامية» و«صور من التاريخ» مضافاً إليها ديوانه المخطوط «عالم الليل».
في قصائد الديوان التزام بنظام شعر الشطرين، وفق أسلوب كلاسيكي تتبدّى فيه مهارة لغوية عالية وقدرة على استخدام الحروف والدلالات، وفي معظم القصائد تغنٍّ بالطبيعة وجماليات الكون، إلى بعض الحالات الاجتماعية القليلة التي لا تتجاوز البيت والأسرة.
في مجموعة «نجوى» يبدو الوصف الجمالي في القصائد واحداً من أهم مقومات النصوص، محاولاً بلوغ درجة الابتكار مثل الشعراء الأقدمين، ما جعل العاطفة الشعرية تتراجع أمام الاهتمام بمحسنات الشكل والوصف وتنميق العبارة والتشبيه، كقوله في قصيدة «عيناكِ»:
«ضحكت بعينيك الحياة فأرسلت عيناك من قبس الحياة شهابا
عشيت بمرآه العيون فأطبقت أجفانها وتفتحت إعجاباً»
كما برع الشاعر الراحل في الشعر القصصي الذي تناول فيه حوادث تاريخية يروم الوصول عبرها إلى حكمة اجتماعية يحكم فيها ضمائر البشر، رافعاً الحدث في خط بياني يعرف طريقه إلى نهاية الموضوع، كما في القصة السردية لدى عمر بن أبي ربيعة أو الأخطل الصغير وقوله في قصيدة «يوسف وزليخا»:
«ليل يكاد به البصي ر يضل عن جدل الطريق
مستغلق كالغيب في ال إبهام والصمت العميق
فبدت ليوسف أية كالشمس في ضاحي الشروق
وأبى عليه وفاؤه ال كفران في ذمم الصدي»
أما في مجموعة «صفحة ذكرى» فتتجلى العاطفة وتتفوّق المجموعة على سابقتها. العاطفة الشعرية تستدعي بحميمية العلاقة بين النص والمتلقي، فضلاً عن اهتمامه بالأسس التركيبية لجمال شكل النص الشعري كتوافق البحر والروي وانسجامهما مع الدفق الشعري، على ما جاء في قصيدة «أبي»:
«أبي ما ضل سعي النا س في المجد الذي وهموا
أكان المجد غير أب ه في الخطب يعتصم
وهل يعدو النعيم حما ك ما عصفت بي النقم
رأيت الله في عينيك حين رنوت تبتسم»
يدمج الشاعر العاطفة بالوصف في كتاباته للوطن، لكنه يغدو تنافساً بين العنصرين في الحدث الدرامي الذي يحركه الشاعر حتى تتراجع العاطفة أمام تفرد الألفاظ وأحرف الروي الغريبة والدالة على الاجتهاد والاهتمام بالموضوع كقوله في قصيدة «دمشق»:
«بلد كأحلام الشباب جنانه وأديمه التاريخ للمتأمل
خلع الزمان عليه ثوب مهابة فغدى يصول من الوقار بجحف»
يلتقط الشاعر بعض الصور التي يراها في الحياة الاجتماعية وتأثر بحياة الإنسان، محاولاً رصد جمالياتها كي تظل دليلاً على ما أحبّ، فهي رمز من رموز الحضارة والجمال، قائلاً في «ربوة دمشق»:
«وافيتها والشمس مائلة نحو المغيب ودمعها يجري
عطفت على الدنيا مودعة في شجو ملتاع وفي ذعر»
يرصد كذلك ظواهر الطبيعة بما فيها من جمال ومؤثرات على حياة الإنسان، كالبرق الذي يملك جمالاً وحضوراً ينذر أحياناً بالخوف، نظراً إلى الرعد الذي يتبعه، لكنه في النتيجة يسخر لصناعة الخير في الأرض ولمواسم العطاء والبركة وخدمة الإنسان:
«للبرق دون الأفق أجنحة في كل ميدان لها سبق
والرعد يجأر كالطعين شجى تعلو زمامه ويختنق
والأرض في سنة النزيف غفت لكنما اغفاؤها الفرق»
يعرج الشاعر في مجموعته «صور من التاريخ» على الحوادث في تاريخ العرب، موظفاً معرفته بالوقائع التي انتصر فيها العرب وظهرت براعتهم في القتال وحضارتهم وحبهم للكرامة ولانتصار الأخلاق، فيصف مجريات معركة عين جالوت وتسطير العرب ملاحم البطولة والفداء قائلاً:
«ينصرم الماضي حيالك والغدو وتليد مجدك كالزمان مخلد
سطر الفخار على ثراك ملاحما تروى على كر الزمان وتنشد»
هذا الديوان الذي يضمّ جميع قصائد الشاعر عدنان مردم بك وبالصادر في منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب يقع في 680 صفحة قطعاً كبيراً.