ماذا ينتظر أميركا في عام 2015… نظرة استشرافية
بزوغ عام جديد ينطوي النظر إليه وجملة أحداثه في سياقها الموضوعي وكجزء من التطورات العالمية الشاملة، أبرز عناصره احتدام الصراع بين الولايات المتحدة، كمركز النظام الرأسمالي والهيمنة العالمية، والدول الصاعدة ممثلة بأقطاب دول «بريكس» المتجهة نحو بناء نظام مغاير للمنظومة الغربية. صراع رافقه رسائل تهدئة أميركية «موقتة» لكل من ايران وكوبا، وشحذ سهام العقوبات الاقتصادية ضدّ روسيا هذه المرة وتجنيد وكلائها الإقليميين من دول النفط الخليجية لشنّ معركة خفض أسعار النفط، بقرار سياسي وليس وفق معادلات «السوق الحرة.»
«التنبّؤ» بأحداث العالم المقبلة مسألة تختصّ بها المؤسسات الإعلامية والرسمية الساعية إلى التضخيم والمبالغة ما نرمي اليه هو استشراف التطورات الاميركية الداخلية وانعكاساتها عالمياً، في ضوء تفاقم الصراع الداخلي بين المؤسسة الرئاسية والمؤسسة التشريعية، على ضوء «اختلال» موازين القوى لصالح التيارات الأشدّ محافظة وعدوانية في المجتمع الاميركي، دشنه الرئيس اوباما بإصداره «إجراءات تنفيذية» تكتسب الشكل القانوني حسب تفويض الدستور، متحدياً الهيكلية الجديدة وسيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي الكونغرس.
قطاع الاقتصاد
الحالة الاقتصادية هي محور اهتمام غالبية الشعب الأميركي، إذ أثبتت نتائج الانتخابات النصفية وهزيمة مرشحي الحزب الديموقراطي صحة الفرضية، ولا تزال المعاناة اليومية قائمة على خلفية تراجع الأداء الاقتصادي. بارقة الأمل الوحيدة التي برزت أخيراً هي انخفاض أسعار الطاقة، بنحو 50 لوقود السيارات، وانتعاش قطاع الاستهلاك نتيجة لذلك. بعيداً عن الأبعاد والدوافع السياسية لذلك الإجراء، في معادلة صراع الولايات المتحدة مع روسيا وإيران وفنزويلا، فمن شأنها تعديل انهيار نسب شعبية الرئيس أوباما وسياساته بشكل عام.
الإحصائيات الاقتصادية الرسمية تشير الى تراجع معدلات البطالة، بيد انّ اليد العاملة خارج سوق العمل تشهد ارتفاعاً مضطرداً مما يرخي ظلالاً من الشك حول توقعات تعافي الاقتصاد. سوق الأسهم، عصب النظام الرأسمالي، يشهد نمواً وارتفاعاً نظراً إلى انخفاض معدلات الفائدة الى نسب متدنية من قبل «الاحتياط الفيدرالي.» على الرغم من انتعاش سوق الأسهم، إلا أنّ حالة من القلق تسود أوساط المستثمرين لخشيتهم من انتكاسة اقتصادية جديدة، ربما أشدّ قسوة من عام 2008.
ويلاحظ انتهاز أوباما لفرصة تحسّن بعض المؤشرات الاقتصادية للقيام بجولة على بعض الولايات للترويج الدعائي لنفسه مقابل الحزب الجمهوري ولإظهار بعض الإنجازات الخاصة به مع اقتراب موعد خطابه السنوي أمام الكونغرس حول حال الأمة.
آلية عمل أوباما مع الجمهوريين
استبق الرئيس أوباما نتائج فوز الحزب الجمهوري للإعلان عن نية لتقديم التنازلات ولمدة محدّدة. وأوضح مراراً أنه ينوي استخدام حق الفيتو لإبطال مفعول مشاريع قرارات لا تروق له يرسلها إليه الكونغرس، حتى وإنْ أيّدها بعض النواب الديمقراطيين.
يدرك الرئيس أوباما تحرّره من القيود الانتخابية في ما تبقى له من ولايته الرئاسية وينتظر ان يصدر سيل من «الإجراءات التنفيذية» للالتفاف على معارضة الكونغرس، خاصة في المسائل الخلافية بينهما: إجراءات لحماية البيئة، مزيد من قرارات لتقييد اقتناء السلاح الفردي، وتفعيل قوانين ناظمة للقطاع الخاص، وتقييد حرية قطاع الاتصالات.
بيد ان طريق الإجراءات التنفيذية أحادية الجانب لا تخلو من العقبات، لا سيما عند الأخذ بعين الاعتبار تحكّم مجلس النواب بإقرار بنود وصرف الميزانيات واستغلالها إلى أبعد الحدود لإفشال مخططات الرئيس أوباما. على سبيل المثال، تمّ إقرار ميزانية وزارة الأمن الداخلي لنهاية شهر شباط المقبل فقط، كما يتعيّن على الكونغرس إصدار موافقته لرفع سقف الدين العام في الأشهر القليلة المقبلة كي يتمّ التوصل إلى إقرار الميزانية السنوية مع نهاية شهر أيلول المقبل.
غنيّ عن القول إنّ الرئيس أوباما يسير على خطى من سبقوه لإرساء تركة وارث سياسي خاص به على الحياة العامة، وهو بحاجة ماسة إلى إنجاز إيجابي في مجال السياسة الخارجية بشكل خاص. كان من المفترض ان يشكل برنامج الرعاية الصحية الشامل نواة الإرث المطلوب داخلياً، لكن الكونغرس بطبعته الجديدة سيسعى إلى لقضاء عليه واللجوء إلى المحكمة العليا الموالية للجمهوريين والمحافظين إنْ تتطللب الأمر ذلك.
تحقيق طموح الرئيس اوباما يتطلب إرساءه علاقة عمل ودية على الأقلّ مع الكونغرس، الأمر الذي لم يفلح فيه للحظة حتى في ظلّ سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس الشيوخ. استصدار إجراءات تنفيذية قد يؤسّس للتغيير المطلوب مع إدراك الثغرة القانونية الكامنة انّ الرئيس المقبل باستطاعته تعديل او إلغاء الإجراءات بكاملها.
مجال السياسة الخارجية هو المرشح الأكبر كي يحقق الرئيس أوباما بعض الإنجازات طويلة الأجل، لا سيما أنها من اختصاص الرئاسة دستورياً. تعدّدت وتشعّبت الانتقادات لسياساته الخارجية، خاصة حيال إيران والدولة الاسلامية وكوبا وروسيا، مما ينذر بتقويض فعاليتها. وقف تدهور التأييد لسياساته الخارجية يستوجب منه تغيير البوصلة بغية كسب تأييد بعض الجمهوريين إلى جانبه، او الاقدام على مبادرات جريئة تخفف من حدة التوتر القائم مع روسيا وبوتين.
تركيبة الكونغرس الجديدة
المكاسب السياسة ترافقها عادة بعض الإخفاقات، خاصة في ما يتعلق بسيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي الكونغرس. من ناحية، باستطاعة الكونغرس الضغط على المؤسسة الرئاسية للموافقة على بعض القوانين، كما شهدنا في إقرار الميزانية العامة نهاية العام المنصرم. وتجدر الإشارة إلى قدرة الكونغرس تحييد فعالية «فيتو» الرئيس عبر آلية سنّ قوانين من شأنها كسب تأييد العامة وابتزاز المندوبين عن الحزب الديمقراطي في ثنائية قاسية: أما التمسك وتأييد قرار فيتو الرئيس وما يرافقه من تداعيات لدى القواعد الانتخابية، او التصويت مع نظرائهم لإبطال الفيتو بنسبة الثلثين من المندوبين.
في المقابل، تنطوي استراتيجية الجمهوريين لتقييد المؤسسة الرئاسية على ثغرات قاسية منها اضطرارهم إلى تحمّل مسؤولية الحفاظ على استمرارية عمل المؤسسات الحكومية من دون تهديد انقطاع التمويل، وما يرافقه من التفاف على أحد الأهداف السياسية بتقليص حجم الجهاز الحكومي واللجوء إلى الاقتراض ورفع سقف الدين العام الذي ترفضه قاعدتهم الانتخابية.
لا يُعرف عن الحزب الجمهوري التحلي بالكياسة والحنكة السياسية، لا سيما قياداته الراهنة التي ما برحت تزايد على بعضها في ابعاد التشدد ومعاداة الآخر. نخبة الحزب القيادية أدخلت نفسها في مأزق قد لا تستطيع الخروج منه دون خسائر بيّنة: السير بروية وتمعّن بين خيار إقفال المؤسسات الحكومية والضغط على الرئيس أوباما لنيل توقيعه ومصادقته على قرارات تتضمّن بنوداً خلافية بينهما.
الحزب الديمقراطي أيضاً ينقصه الانسجام الداخلي، خاصة بعد اشتداد التموضع بين القطب اليساري، ممثلاً بالسيناتور اليزابيث وارين، والقيادة التقليدية المتأرجحة دوما بين أقطاب رؤوس الاموال والطبقة الوسطى التي تتغنّى بالدفاع عن مصالحها، بينما تمضي في عقد صفقات سياسية واقتصادية مع الجمهوريين من شأنها تقويض تلك الشريحة الاجتماعية.
الانتخابات الرئاسية المقبلة تؤشر على مزيد من الانقسامات والاستقطاب داخل الحزبين، وسعي الساسة إلى استرضاء الجمهور الغاضب، وربما التوصل إلى حلول وسطية بدء العام الجاري، والذي قد تتغيّر ظروفه إلى الأسوأ قبل أفوله وبدء الموسم الانتخابي.
الانتخابات الرئاسية
سيشهد العام الجاري سباق إعلان المرشحين نيتهم دخول سباق الحملة الانتخابية، التي ستتوّج بمؤتمر الحزبين السنويين صيف 2016.
الحزب الديمقراطي في حالة انتظار طويلة للتيقن من إعلان السيدة هيلاري كلينتون عن نيتها بالترشح من عدمه. طول الانتظار قد يتسبّب بكلفة عالية تؤثر على مسار الترشيح على الرغم من تمتعها بدعم شعبي واسع داخل قطاع المرأة بشكل خاص، والتيارات المحافظة في الحزب، رغم انّ الترشح لا يقود إلى الفوز بالضرورة. تلكؤ السيدة كلينتون في الإعلان رسمياً عن ترشحها يضغط على المرشحين المحتملين للبقاء خارج التداول وحرمانهم من المضيّ في حملات التبرّعات المالية الضرورية لاجتياز السباق الرئاسي.
خارطة مرشحي الحزب الجمهوري زاخرة بالطامعين، تتضمّن جيب بوش مايك هاكابي سكوت ووكر ريك بيري راند بول وربما ميت رومني. كما أنّ آخرين ينتظرون بشغف دخول السباق.
انضمام جيب بوش إلى قائمة المرشحين يثير تحفظ وعدم رضى أجنحة الحزب الأخرى نظراً إلى خطورة ما يرونه من إرساء إرث سلالة حاكمة في النظام الجمهوري. اما في حال اجتيازه المحطات الانتخابية بنجاح وفاز بترشيح الحزب ستصطفّ القاعدة الانتخابية وراءه بصرف النظر عن التحفظات السابقة.
الشرق الاوسط
بوسع المراقب للسياسة الأميركية استشعار التخبّط والمناورة لدى الساسة الاميركيّين، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار الوعود الانتخابية التي أدّت إلى فوز أوباما في ولايته الأولى تعهّد فيها بإعادة القوات الأميركية من العراق وافغانستان. بيد انّ الدلائل تشير الى تنامي انخراط القوات الأميركية في شؤون المنطقة، فضلاً عن الحضور الدائم لسلاح الجوّ الاميركي في شنّ غارات وهجمات يذهب ضحيتها مزيد من الأبرياء يومياً.
قادة الكونغرس الجدد أفصحوا مبكراً عن نواياهم للحيلولة دون التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران حول الملف النووي، مع إدراكهم أنّ اوباما باستطاعته تطبيق صلاحياته الدستورية وتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. في المقابل يحتفظ الكونغرس بحقه في «إبطاء» الموافقة على تخصيص الميزانيات المطلوبة لإعادة فتح البعثات الديبلوماسية الأميركية في إيران، والمصادقة على تعيين سفير أميركي كسلاح إضافي في وجه المؤسسة الرئاسية. سيبقى الملف النووي الإيراني وإمكانية التوصل الى تسوية في المفاوضات الجارية المؤشر الحاسم على قدرة أوباما على تحقيق اختراق في السياسة الخارجية، ويبدو انّ لديه رغبة في ذلك، ولكنه لم يظهر المرونة والجرأة الكافيتين حتى الآن لتحقيق مثل هذا الإنجاز النوعي.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى تزامن هجمات باريس مع إدراج الكونغرس تجديد التصويت لتفعيل قانون «الباتريوت،» الذي واجه انتقادات شتى في الفترة السابقة تطالب بالحدّ من سلطاته وسيطرته عقب الكشف عن تجسّس وكالة الأمن القومي على الداخل الأميركي. وتسارعت الدعوات عقب الهجوم لتحذير أعضاء الكونغرس من التعرّض للقانون وتحث على مزيد من التشدّد ومعارضة تقييد أيدي الأجهزة الأمنية.
روسيا
تصعيد حالة التوتر مع روسيا مسألة تجد صدىً لها بين الطرفين، أوباما والكونغرس. المؤسسة الروسية الرسمية وصفت تعزيز «الناتو» لقواته على أبواب روسيا بانه يشكل أكبر تهديد لاستقرار البلاد. ولأول مرة سمحت العقيدة القتالية الروسية لنفسها باستخدام أسلحة دقيقة «في سياق تدابير الاستراتيجية الردعية،» من دون تقييد صناع القرار في الكرملين بتفاصيل قد تنال من حرية قرار التصدّي والمواجهة.
العداء المتأصّل لروسيا وكلّ ما تمثله من ثقل وازن على المسرح الدولي مسألة تتقاطع فيها رؤى المؤسسة الرئاسية وقادة الكونغرس، خاصة السيناتور جون ماكين، مما سيوفر هامش مناورة ومرونة للرئيس أوباما لطبيعة الردّ العسكري على روسيا. فمن ناحية، لن يواجه اعتراضاً أو إبطاءً في تمويل سياساته المقبلة لنشر مزيد من القوات الأميركية في دول أوروبا الشرقية، فضلاً عن جهوزية الكونغرس لتمويل إجراءات إضافية تتضمّن تطوير هيكلية الوحدات العسكرية.
في جعبة أوباما أيضاً أسلحة ضغط إضافية ضدّ روسيا والرئيس بوتين: تخفيض أسعار النفط بقرار سياسي ترك تداعيات سلبية على المشهد الروسي بشكل عام، وربما ساهم في تأجيل الردّ العسكري الروسي، كما كان مفترضاً، وأضرّ بنفوذ روسيا لدى دول أوروبا الشرقية التي تعتمد على مصادر الطاقة الروسية لتشغيل اقتصادياتها الأمر الآخر هو استدارة أوباما لتطبيع العلاقات مع كوبا على خلفية تراجع أسعار النفط مما قد يخفّف من قدرة روسيا على ممارسة نفوذها التقليدي في الحديقة الخلفية لأميركا على افتراض انّ القيادة الكوبية ستثق بالتوجهات الأميركية بعد تاريخ طويل من التآمر والعداء والعدوان على أراضيها.
محصلة الأمر انّ الولايات المتحدة فاقمت حدة الصراع مع روسيا عبر تخفيض أسعار النفط وتعزيز تواجد قوات حلف «الناتو» على حدود روسيا مما يستدعي مراجعة روسية قد تفضي الى تقديم بعض التنازلات، والذي قد يصبّ في مصلحة «إنجازات السياسة الخارجية» للرئيس اوباما.
كما لا يجوز استبعاد اضطرار أوباما الى إظهار مرونة في التعامل مع روسيا لتخفيف التوتر حرصاً على توقه إلى تحقيق إرث خاص به قبل نهاية عهده. الاختبار سيكون في أوكرانيا، وإذا عجز عن إحداث تفاهم مع بوتين في الأشهر القليلة المقبلة سيصبح أمر تحقيق درجة من الانفراج مع روسيا بعيد المنال.
تجسّدت في السنوات الأخيرة حدة الصراع بين الفئات الشعبية والمؤسسة الرسمية بتصاعد موجة الاضطرابات المدنية والمواجهة مع أجهزة الأمن المحلية في مناطق متعدّدة من الولايات المتحدة. يُذكر انّ بداية العام 2014 لم يسجل اي مظاهرات أو اشتباكات مع أجهزة الشرطة ذات أهمية.
تبدّل المشهد بسرعة انطلاقاً من حادثة اغتيال شاب أسود على أيدي رجل شرطة أبيض في مدينة فيرغسون، وامتدّت التظاهرات سريعاً كالنار في الهشيم، مما يدلّ على نضوج إرهاصات كامنة داخل المجتمع كانت بانتظار شرارة لإشعالها. واندلعت المواجهات في المدن الأميركية الكبرى: نيويورك، اوكلاند ولوس انجليس بولاية كاليفورنيا، وشيكاغو. باستطاعة المراقب ان يشهد «تراجعا» في حدة الاحتجاجات أخيراً، وذلك مردّه إلى الاحوال الطبيعية وموجات البرد القارص التي تجتاح أميركا الشمالية من أقصى الغرب الى السواحل الشرقية، بيد انّ المواجهات شبه اليومية لم تنقطع وإنْ كانت محصورة في بعض الأماكن العامة.
ما تقدم يوفر دليلاً لتنامي موجة الاحتجاجات والصدامات في العام الجديد يعززه الحضور البارز لقوى اجتماعية وسياسية كانت الى وقت قريب إما مهمشة او غائبة، لا سيما «حزب الفهود السود الجديد،» بعد إعادة تشكيله، والذي برز بوضوح خلال المواجهات المستمرة في مدينة فيرغسون. رُصد أيضاً مناشدة الحزب للمواطنين السود الإقبال على اقتناء السلاح والتدريب على استخدامه «تهيئة للاضطرابات المدنية» المقبلة. الأجهزة الأمنية الأميركية تزعم توفر دلائل مادية لديها تخصّ تجنيد الدولة الإسلامية لعناصر محلية في مهمات مقبلة.
بموازاة حزب الفهود السود الجديد، حملت الأجهزة الأمنية مسؤولية مقتل رجلي شرطة في نيويورك الى مجموعة «الغوريلا السوداء،» الناشطة في مدينة بلتيمور بالقرب من واشنطن العاصمة. مفوض جهاز الشرطة في بلتيمور، انثوني باتس، أعرب عن تنامي قلق المؤسسة الأمنية حديثاً زاعماً أنّ «عصابة منظمة في مدينة بلتيمور ارسلت مشتبهاً به مسلحاً داخل مقرّنا لجسّ نبض الإجراءات الأمنية واختبار جهوزيتها. الأمر ينذر بالخطر بالنسبة لنا…»
المجموعات اليمينية والعنصرية المتطرفة ايضاً تعدّ نفسها لمواجهات مقبلة مع الأجهزة الأمنية الأميركية، أبرز دليل عليها تصريحات منسوبة أخيراً لأحد قادة «ميليشيات» ولاية متشيغان محذراً انّ عام 2015 سيشهد انفجار موجات العنف مناشداً أعضاء مجموعته الإقدام على شراء مزيد من الأسلحة والذخائر.
على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها المؤسسات السياسية لتعزيز وتحصين أجهزة الشرطة، بشكل خاص، من المساءلة الحقيقة، الا أنّ حدة المواجهات أدّت إلى حدوث شرخ في العلاقات بين المسؤولين السياسيين المحليين ورجال الشرطة، في مدينة نيويورك مثلاً، مما ينذر بتطوّر الأمور إلى الأسوأ قد تطاول مدناً أخرى. يُذكر انّ أجهزة الشرطة المحلية الأميركية تأتمر للقيادات السياسية المنتخبة محلياً، ومن شأن أيّ توتر في العلاقات بين الطرفين أن يثير القلق مما قد تحمله الأيام المقبلة.
آفاق عام 2015
الأشهر القليلة المقبلة ستشهد بدء سباق الانتخابات الرئاسية واصطفاف القوى والمصالح المختلفة للتحضير للجولات الأولى في ولاية نيوهامبشير، بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي، وولاية أيوا للحزب الجمهوري. المرشحين الأقوى للحزبين، هيلاري كلينتون وجيب بوش.
الأوضاع الاقتصادية حبلى بتغيّرات متعدّدة، أقلها تقلب أسواق الأسهم، وثبوت ارتفاع معدلات البطالة وبلوغها مستويات مقلقة. من المرجح ان يتمّ التفاف السياسيين على المسألة عبر الإشارة الى انخفاض أسعار الطاقة وانعكاساته بتحفيز إنفاق المستهلكين.
الصراع التاريخي بين المؤسستين الرئاسية والتشريعية سيشهد مطالبات القوى المختلفة لضرورة انسجام خطوات المؤسستين، خاصة في ما يتعلق بضرورة التوصل إلى صيغة توافقية تفضي الى تمويل الأجهزة الحكومية وعملها بصورة اعتيادية. غنيّ عن القول إنّ قضايا الاختلاف بين المؤسستين لا تطاول الرؤى والاهداف الاستراتيجية العامة، وتخضع لايقاعات الاستراتيجية بعيدة المدى.
تتشارك المؤسستان بالقلق من الاضطرابات المدنية وأبعادها، خاصة للجهود المضنية التي بذلت سوية لاحتواء الصراعات الاجتماعية خلال العقود الخمسة الماضية، على الأقلّ، والتي تهدّد باندلاعها مجدّداً وربما تضطران إلى تقديم بعض التنازلات الحقيقية عوضاً عن الإشعار بالمشاركة الشكلية للقطاعات المهمّشة. آفاق التوصل إلى سيناريو يرضي الطرفين لا تلوح في الأفق القريب نظراً إلى حدة الانقسامات الاجتماعية وشحّ الفرص الاقتصادية وتنامي معدلات الفقر والبطالة، وتركيز أعلى للثروة العامة بين أيدي فئة عددية متدنية. أيضاً، تجميد المؤسّستين لخلافاتهما الايديولوجية في ظلّ التحوّلات الأخيرة يبدو بعيد المنال، حتى لو توفرت النوايا الصادقة بذلك، يفاقمه تنامي نزعة التشدّد والعنصرية داخل صفوف الحزب الجمهوري.