المفاوضات النووية الإيرانية وملفات المنطقة
د. عدنان منصور
يربط العديد من المحللين السياسيين والكتاب والمعلقين أثناء تناولهم المفاوضات النووية الإيرانية بين طهران ودول المجموعة 5 + 1، الملف النووي الإيراني بملفات عدة في المنطقة، منها الأزمة السورية، الانتخابات الرئاسية اللبنانية، الأزمة في البحرين والوضع في العراق، أو العلاقات مع تركيا والسعودية وغير ذلك من القضايا الإقليمية الأخرى.
إن الربط بين الملف النووي الإيراني والملفات الإقليمية الأخرى لا يجد طريقة إلى المفاوضات النووية بين إيران والمجموعة 5 + 1، لأن إيران ـ ومن خلال المعلومات الدقيقة المتوافرة ـ تنظر إلى ملفها النووي، على أنه ملف مستقل يتعلق بالمصلحة الإيرانية القومية العليا، وهو شأن سيادي يعالج بمعزل عن الملفات الإقليمية الأخرى.
بالنسبة للإيرانيين، لكل ملف وضعه الخاص، وطريقة معالجته الخاصة. بالتالي فإن تناول إيران ملفاً أو أكثر خلال المفاوضات النووية ترى فيه طهران أنه سيضعف المفاوض الإيراني وقد يجره إلى تقديم تنازلات وامتيازات للطرف الآخر في ما بعد. وهذا ما لا ترضاه طهران، وهي الحريصة كل الحرص على عدم التنازل عن حقها السيادي في الملف النووي الإيراني.
إن متابعة المفاوضات النووية بين طهران والغرب لا تعني أن طهران غير مهتمة في الوقت الحاضر، أو متوقفة عن متابعة القضايا الإقليمية وملفاتها مع أصحاب الشأن، أكان ذلك على الصعيد الإقليمي أو الدولي.
قبل أيام أجريت محادثات في طهران مع وفد ألماني، ومع وفد فرنسي في ما بعد برئاسة مدير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية فرانسوا جيرو يوم 8 من الشهر الجاري. وقد سبق لجيرو أن قام بزيارة إلى العاصمة الإيرانية قبل أسابيع حيث أجريت محادثات مطوّلة مع الجانب الإيراني تناولت ملف الانتخابات الرئاسية في لبنان. وهذه المحادثات تأتي في سياق مستقل تماماً عن المحادثات والمفاوضات النووية الإيرانية.
وإذا كان البعض في لبنان يربط خطأ، الانتخابات الرئاسية اللبنانية بتقدم ونتيجة المحادثات النووية بين إيران والمجموعة 5 + 1، فإن هناك في سورية أيضاً من يسأل الجانب الإيراني عما إذا كان يتم البحث في مستقبل سورية أثناء المفاوضات النووية بين طهران والغرب.
الإيرانيون أكدوا للجانب السوري أن المفاوض الإيراني لا يتناول خلال المحادثات النووية الأزمة السورية، وهذا من منطلق توجيهات مرشد الثورة الإيرانية الإمام علي الخامنئي، التي تقضي بعدم الإجازة للفريق الإيراني المفاوض ببحث أي موضوع خلال المفاوضات النووية، غير البرنامج النووي الإيراني. والسوريون يعرفون ذلك جيداً ويشعرون بالارتياح حيث عبر الرئيس السوري بشار الأسد عن ذلك عندما اعتبر القرار الإيراني هذا قراراً حكيماً، لأن الإيرانيين إذا ما أرادوا إقحام الملف السوري في المفاوضات النووية، فإنه سيكون عليهم تقديم تنازلات وامتيازات للطرف الآخر على حساب سورية وهذا ما لن تقبله إيران ولا سورية.
هذا لا يعني أبداً أن إيران بعيدة عن الساحة السورية وعن العمل على إيجاد الحل السياسي للأزمة السورية. فمنذ ثلاثة أسابيع كان نائب وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان في موسكو حيث تباحث مع المسؤولين الروس في الشأن السوري. وقد خرج الوفد السوري بعد المحادثات مرتاحاً من استمرار وتواصل الدعم الروسي لسورية، وأن هذا الدعم لا يزال قائماً وبقوة ولم يتراجع، لأن هذا الموقف ـ وكما عُلم ـ يستند إلى قرار اتخذه الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً والقاضي بتوفير الدعم السياسي والعسكري والدبلوماسي، إضافة إلى القرار الأخير الرامي إلى تقديم الدعم الاقتصادي. فموسكو إلى جانب دعمها لدمشق، تبحث عن حل سياسي أيضاً، وهي ترسل إشارات إلى الولايات المتحدة لتقول إنها إلى جانب دعمها لدمشق، فهي تبحث عن الحل السياسي للأزمة السورية من خلال ما تحضره من اجتماع للمعارضة السورية. وليس مهماً بالنسبة إلى موسكو أن يشارك جزء من المعارضة السورية، أو لا يشارك، المهم أن تلتقي فصائل معارضة سورية من أجل الحوار. وإذا ما تمخضت عن هذا الحوار المرتقب نتائج إيجابية، فإن موسكو سترحّب بها.
مسعى روسيا إلى حل سياسي في سورية، يأتي في وقت بدأ الأميركيون يدركون أو يعتقدون أن لا بديل عن الرئيس بشار الأسد. وهم الذين ـ حتى الآن ـ ابتعدوا عن فكرة تنحّي الرئيس السوري. وليست لديهم اليوم مشكلة مع بقاء الرئيس الأسد حتى نهاية ولايته.
إيران تلمس لدى الأميركيين رغبة قوية للتفاوض معها حول قضايا المنطقة. وهم يستندون بذلك إلى رسالة الرئيس الأميركي أوباما للإمام الخامنئي تصب في هذا الاتجاه. ولو أن أوباما يتحدث بكلام مغاير ويدلي بتصريحات متناقضة لوسائل الإعلام. حتى أنه خلال المفاوضات النووية يقوم جون كيري ورندي شرمان بتلميحات وإرسال إشارات للجانب الإيراني حول ذلك من أن على إيران الإسراع في التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي لكي يتم التطرق للقضايا الإقليمية الأكثر أهمية. ولكن حتى الآن لم يحصل أي تفاوض مع الأميركيين حول القضايا الإقليمية.
وفي ما يتعلق بالسعودية، فإن إيران لم تغلق باب المحادثات معها. والسعوديون ـ يقول الإيرانيون ـ حريصون على مواصلة المحادثات مع طهران، وقد سبق لطهران أن باشرت العمل كي يقدم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على زيارة السعودية في عيد الأضحى الفائت. إلا أن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أطلق تصريحات إعلامية طالب خلالها إيران برفع يدها وإنهاء احتلالها لسورية والعراق واليمن، مما خلق توتراً وامتعاضاً في الداخل الإيراني لا سيما في البرلمان الإيراني. وقبل أيام قام الوزير ظريف بإرسال رسالة إلى نظرائه في العالم، في شأن المحادثات النووية الأخيرة مع مجموعة 5 + 1. وقد أرسل الأمير سعود الفيصل رداً على هذه الرسالة، الذي أكد فيه انتظار زيارة ظريف إلى الرياض. إيران طلبت وقبل زيارة ظريف ترطيب الأجواء من خلال مقابلة إعلامية، تهيئة للزيارة المرتقبة ولو أن الاتصالات بين الجانبين متواصلة عبر القنوات الدبلوماسية حيث تعمل طهران على تمهيد الأرضية من جديد لزيارة وزير الخارجية ظريف إلى السعودية.
سبق للإيرانيين أن أبلغوا السعوديين على أنهم مستعدون إذا ما تهيأت الأجواء لمناقشة كل القضايا الإقليمية بما فيها لبنان. وطهران ترى أن الأجواء مؤاتية اليوم أكثر بعد الاجتماعات التي ضمّت حزب الله وحزب «المستقبل» التي ستساعد كثيراً في تسريع الحل.
طهران تنقل عن جيرو قوله لها إنه ينبغي على مجلس النواب اللبناني أن ينشط في هذا الخصوص. وقد قدم مقترحات للإيرانيين من أجل تفعيل دور مجلس النواب في الملف الرئاسي. وفي هذا المجال فإن طهران متفائلة إزاء مستقبل لبنان الذي ترى فيه أنه تجاوز المراحل الصعبة في ظل الظروف الخاصة التي تمر بها المنطقة.
وعلى الجانب التركي، ترى طهران أن تركيا بدأت تتجه تدريجياً نحو تغيير مواقفها إزاء سورية، خصوصاً بعد اكتمال حلقة محاصرة حلب من قِبل الجيش السوري، وقطع الطريق أمام إرسال الإمدادات اللوجستية.
الملف السوري الذي يحظى باهتمام كبير من قِبل طهران وأنقرة تجري حوله اتصالات ومحادثات مستمرة، لا سيما قبل سقوط الموصل في يد «داعش». إذ كان هناك برنامج عمل بين تركيا وإيران حيال هذا الموضوع. وكانت هناك عشرة بنود جرى البحث فيها، وكانت وجهات النظر بين الطرفين تتوافق على تسعة بنود باستثناء بند واحد كان لا يزال موضع خلاف بين الجانبين. فالأتراك يصرون على تنحّي الرئيس الأسد والإيرانيون يرفضون ذلك. إلا أن الإيراني والتركي اتفقا على حذف هذا البند من النقاش وإن احتفظ كل فريق بما يقتنع به.
الإيرانيون الذين طالبوا الأتراك بالتوقيع على البنود التسعة، على أن يترك البند العاشر جانباً، استأنفوا المحادثات مع تركيا، حيث لدى الجانبين قواسم مشتركة كثيرة لجهة التفاهم حول الأزمة السورية. وطهران مستمرة في التواصل والحوار مع أنقرة، وهي على علاقة جيدة مع الحكومة التركية ورئيسها أردوغان والعلاقات الثنائية تتطور على مختلف المستويات والقطاعات إلا أن نقطة الخلاف الوحيدة بين البلدين تدور حول رؤية كل منهما تجاه الأزمة السورية ومن زاويته الخاصة.
تركيا كما الولايات المتحدة، لديها مشكلة مشتركة بالنسبة للأزمة السورية، إذ إنه مع بداية اندلاع الأحداث السورية، وتطور الأوضاع، وجّها إنذارات وتحذيرات وأدليا بتصريحات ضد الرئيس السوري والنظام السوري. لذلك ليس بوسعهما اليوم التراجع عنها بسهولة. كان عليهما ـ برأي الإيرانيين ـ أن لا يتسرّعوا بالقول إن الرئيس بشار الأسد ونظامه قد انتهى، حتى لا يواجها اليوم هذا الحرج وهذا المأزق.
أما على الجانب العربي، فإن نظرة العالم العربي للمحادثات النووية الإيرانية مع الغرب ـ يقول الإيرانيون ـ تتجاذبها وجهتا نظر. فبعض المسؤولين في الدول العربية يسألون الإيرانيين عما إذا كانوا يتناولون أثناء المفاوضات النووية ويناقشون الملفات الإقليمية العربية لأن مفاوضات كهذه ـ بنظر هؤلاء المسؤولين ـ والدول العربية ليست داخلها تشكل مشكلة كبيرة لها… وهناك على خط آخر، بعض المسؤولين العرب قال للإيرانيين إنه إذا تمت المفاوضات النووية ولم تبحثوا فيها القضايا الإقليمية وتأتون بحل لها فهذا يشكل مشكلة كبيرة لنا!.
يبقى الملف الرئاسي اللبناني، حيث يتناول الإيرانيون هذا الملف مع دول عدة، ويعتبرون أن فرنسا هي الدولة الأكثر فعالية واهتماماً بموضوع الانتخابات الرئاسية في لبنان. والاتصالات والمحادثات الإيرانية جارية منذ وقت مع الجانب الفرنسي الذي يقوم أيضاً بالتنسيق مع الجانب السعودي والتواصل معه. لأن الفرنسيين ـ كما يرى الإيرانيون ـ يدركون جيداً أن أي اتفاق في وجهات النظر بين طهران وباريس حول الانتخابات الرئاسية لا بد لها أن تحظى مسبقاً بموافقة ورضا الرياض. ويبدو أن قناعة وتوجهاً فرنسياً واضحين يرميان إلى إبعاد العماد ميشال عون وكذلك رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عن الرئاسة من أجل إفساح المجال أمام مرشحين لا يثيرون حساسية سياسية لدى الأطراف الرئيسة. لكن الجانب الإيراني في المقابل يدرك أيضاً الحساسيات السياسية الضاغطة على الساحة السياسية اللبنانية الناجمة عن مواقف لبنانية مختلفة. فإذا كان جيرو أثناء لقائه العماد ميشال عون مؤخراً في لبنان قد لمس منه موقفاً صارماً يتمثل بعدم استعداد الجنرال بأي حال من الأحوال التراجع عن ترشيحه للرئاسة، فإن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مصرّ بدوره على ترشيح العماد عون ودعمه وفاء لوعده له من جهة ووفاء للعماد الذي كان إلى جانب المقاومة من جهة أخرى في الأوقات الصعبة التي واجهها لبنان خصوصاً في عام 2006.