توازن الردع «بكل ما يخطر على البال من سلاح…»
د. عصام نعمان
تهدد «إسرائيل» حزب الله بالتدمير الشامل للبنان في حال اندلعت الحرب بين الطرفين. تهديداتها تزايدت بعد العملية الإرهابية التي تعرّضت لها أخيراً صحيفة «شارلي إيبدو» المتهكمة في قلب باريس.
حزب الله ردَّ بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله قناة «الميادين» التلفزيونية 15/1/2015 مهدّداً «إسرائيل» بأنّ لدى المقاومة في لبنان «كلّ ما يخطر على البال من أنواع الأسلحة»، وأنها قادرة على «التقدّم إلى الجليل وما بعد الجليل».
«إسرائيل» لم تكشف في تهديداتها عمّا لديها من أسلحة فتاكة وفي مقدِّمها القنبلة النووية. اختارت، بلسان رئيس حكومتها ووزير حربها ورئيس أركان جيشها بديلاً ملائماً، التشديد على التدمير الهائل الذي سيتكبّده لبنان جرّاء احتضانه المقاومة. ولتبرير ردّ فعلها الوحشي المحتمل، لجأت «إسرائيل» إلى لغة تعظيم قدرات حزب الله، لا سيما الصاروخية منها، بأقلام بعض خبرائها الاستراتيجيّين الذين قدّروا مخزون المقاومة من الصواريخ الموجّهة والقادرة على الوصول إلى كلّ أنحاء فلسطين المحتلة بما لا يقلّ عن 150 ألف صاروخ. كما أكدت مصادر استخبارية «إسرائيلية» «أنّ المعركة المقبلة مع حزب الله ستكون الأعنف في العصر الحديث» صحيفة «معاريف» 13/1/2015 .
حتى قبل أن يتحدث السيد نصرالله عن القدرات العسكرية المتقدمة للمقاومة في البرّ والبحر والجوّ، نسبت صحيفة «معاريف» إلى المصادر الاستخبارية نفسها أنه في مقابل ترفيع «إسرائيل» إلى مستوى ردعها في حربها الثانية على لبنان عام 2006 ضدّ حزب الله، اغتنم الأخير بعدها الهدوء على الجبهة ليملأ مخازنه بأسلحة إيرانية لم تواجه «إسرائيل» مثيلاً لها من قبل.
إذا كان من الحصافة التوقف أمام ما كشفه السيد نصر الله عن المستوى العالي المتقدّم لأسلحة المقاومة، فإنه من المهم أيضاً معرفة معلومات «إسرائيل» عما تمتلكه المقاومة من أسلحة وتقويمها لقدراتها وآثارها المحتملة على الكيان الصهيوني.
تقول «معاريف» إن أسلحة نوعية جديدة وصلت إلى المقاومة، من بينها طائرات من دون طيار انتحارية، وصواريخ دقيقة وأسلحة مضادة للسفن والطائرات، وإن مدى هذه الأسلحة يصل إلى منطقة شمال الأرض المحتلة، كما يشمل منطقة الوسط والجنوب النقب حتى إيلات أيضاً. ووفقاً لتقديرات أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» فإن لدى المقاومة قدرات هجومية عالية جداً وقادرة على تهديد الجبهة الداخلية على نحوٍ واسع وغير مسبوق. هذا التهديد لا يكسر، بحسب المصادر الاستخبارية، التوازن القائم بين الطرفين، «قادر بالفعل على كسر الروح المعنوية والمناعة الوطنية في «إسرائيل» خلال الحرب، ما يؤدي إلى الإضرار بقدرة القيادة «الإسرائيلية» على توسيع المناورة البرية، كما يؤثر سلباً في الخطط القتالية للجيش «الإسرائيلي»».
إلى ذلك، نقلت «معاريف» عن المصادر الاستخبارية تقديرها أن جزءاً كبيراً من القدرات الإيرانية بات فعلاً في مخازن المقاومة، وأن المفاجآت التي تحتفظ بها المقاومة للحرب المقبلة قد لا تفاجئ الجيش «الإسرائيلي»، لكنها ستكون مفاجئة جداً للمواطنين «الإسرائيليين» الذين لا يعرفون إلاّ قدْراً بسيطاً مما ينتظرهم في الحرب المقبلة مع حزب الله.
في ضوء هذه المعطيات، ينهض سؤال: لماذا تتبادل «إسرائيل» وحزب الله كل هذه التهديدات في الوقت الحاضر؟
بات واضحاً مما تنشره الصحف العبرية وقنوات التلفزة وتعليقات الكتّاب والخبراء وتصريحات القادة الصهاينة أن ثمة خوفاً وقلقاً لدى «الإسرائيليين» من أخطار ومفاعيل أي حرب تنشب بين الكيان الصهيوني والمقاومة في لبنان وحليفتها المقاومة في قطاع غزة. لذا لجأت القيادة «الإسرائيلية» إلى مواجهة هذه الظاهرة المتنامية بطرائق ثلاث: إطلاق تصريحات تطمينية من كبار القادة السياسيين والعسكريين لتنفيس مخاوف السكان، وإطلاق تهديدات مدوّية ضد المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وتعظيم قدرات المقاومة في لبنان وفلسطين ودور إيران في تسليحها وذلك لحمل الولايات المتحدة على رفع اهتمامها بـِ «أمن إسرائيل» باعتماد سياسة مواجهة تقوم على ركائز ثلاث:
الأولى، عدم توقيع تسوية مع إيران بشأن برنامجها النووي تسمح لها بتخصيب اليورانيوم مخافة أن تمكّنها، عاجلاً أو آجلا، من تصنيع أسلحة نووية، وتشديد العقوبات الاقتصادية والمصرفية عليها وعدم رفعها عنها قبل التأكد من رضوخها لبنود تسوية لا تؤذي أمن «إسرائيل».
الثانية، إبقاء الضغط السياسي والأمني على سورية فاعلاً بمختلف الوسائل لضمان فك تحالفها مع إيران وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين حتى لو تطلّب ذلك إزاحة نظامها السياسي أو تقسيم البلاد إلى كيانات متمايزة ومتناحرة.
الثالثة، ضمان تفوق «إسرائيل» المطلق بمنحها أقوى وأفعل ما تمتلكه الولايات المتحدة في ترسانتها من أسلحة نوعية فتاكة برية وجوية وبحرية.
هذه الأهداف والأخطار والاحتمالات لا تغيب عن تفكير قيادات المقاومة، ولا سيما في لبنان، وقد ردّ عليها السيد حسن نصرالله في حديثه الأخير لقناة «الميادين». غير أن ثمة حقيقة من حقائق الصراع لا تتحدث عنها «إسرائيل»، كما تفضّل قيادات المقاومة، تواضعاً أو تحسّباً، عدم الخوض فيها. إنها يقين القيادة «الإسرائيلية» بأن لدى قادة المقاومة، ولا سيما قيادة حزب الله، إرادة قتالية قاطعة وحاسمة، وأنها لن تتردّد لحظة واحدة، إذا اقتضى الأمر، في إمطار «إسرائيل» «بكل ما يخطر على البال» من أسلحة نوعية فتاكة لها فعالية تدميرية هائلة لم تضعها في حسبانها، وذلك في حال كانت هي البادئة بشن الحرب. بعبارة أخرى، ما قصده السيد حسن نصرالله بحديثه القوي، الصريح، والهادف ردع قادة «إسرائيل» عن وَهْم الاعتقاد بأنه ما زال في وسعهم ترهيب المقاومة وجمهورها في لبنان وفلسطين والإفلات من عقاب بالغ القسوة وهائل التداعيات.
بهذا الموقف الجاد والحازم يؤكد السيد نصرالله للجميع، في الشرق والغرب، بأن ميزان ردعٍ حقيقياً قد استوى فعلاً بين العرب و«إسرائيل»، وأن عصر الهزائم قد ولّى إلى غير رجعة.
وزير سابق