الثور الهائج… والفرصة الذهبية

د. حسام الدين خلاصي

عندما يتعلق الأمر بالتصرف العسكري، يجب توخي الدقة في التحليل السياسي، وخصوصاً أننا لا نزال في خضم المعركة، وعلى كلّ من يؤمن بأنّ الجيش السوري والمقاومة هما من ثوابت الوطن والنصر أن لا يشكك، ولو للحظة، في ردّ الفعل، ويجب أن تبقى الثقة مطلقة بالجيش لأنه من عناصر النصر مهما امتد بحر التمنيات.

منذ هجمات الإرهاب المصطنعة في باريس، مؤخراً، على الصحيفة التي تمسّ كلّ المقدسات، يحاول الكيان الصهيوني مدّ رأسه ليقول: ها أنذا شريك في محاربة الإرهاب، لا بل زعيم في هذا المجال، في محاولة منه لتبرئة نفسه أمام الرأي العام العالمي الذي تتراكم أمامه الأدلة على تورط الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في دعم الإرهاب الدولي، وأبرز دليل على ذلك إلقاء الأسلحة لإرهابيي «داعش» في العراق وسورية ودعم «جبهة النصرة» في الجولان.

من هذا النصر الوهمي الديبلوماسي للكيان الغاصب في باريس، انطلقت كلمة الرئيس بشار الأسد للصحيفة التشيكية، تبعتها كلمة السيد حسن نصر الله، ليؤكدا وحدة المسار والمصير وليزيد السيد نصرالله إلى ذلك تهديداً صريحاً وعميقاً في البعد الجغرافي لهذا الكيان.

ولأنّ نتنياهو المأزوم انتخابياً، يسعى منذ حادثة باريس إلى إثبات أنه الأفضل في الكيان الغاصب بالمقارنة مع منافسيه، أوعز بقصف القنيطرة في سورية ليستهدف هذه المرة مقاتلين من حزب الله وقيادي عسكري إيراني. وبغضّ النظر عن الأسماء المهمّة للشهداء، فإنّ نتنياهو يهدف من خلال هذا الاستهداف إلى التالي:

أن يقول للعالم أنه يقصف الإرهاب الدولي، كما الولايات المتحدة الأميركية، لأنّ حزب الله، ووفق المعتقد الصهيوني المنفرد في العالم بالإضافة إلى بعض العربان وبعض الناشطين السياسيين المأجورين، حركة إرهابية يجب محاربتها حتى ولو لم يعترف له العالم بذلك.

أن يقول لناخبيه أنا أضرب ولكم أن تحكموا على مدى جدية تهديدات حزب الله لنا في معركة ما بعد الجليل، على مبدأ أنا هنا الأقوى وأستطيع حمايتكم بدليل أني هجمت ومستعد للدفاع.

يعتقد نتنياهو أنّ الوقت ملائم جداً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وخصوصاً أنّ الولايات المتحدة الأميركية «تضرب الإرهاب» في المنطقة، والجيش السوري منهمك في المعركة المستمرة مع هذا الإرهاب. أي أنّ نتنياهو يعتبر أنه آن الأوان لقطف ثمار الربيع العربي، فالكلّ المدافع منشغل والبقية المتخاذلة معه ولن تحرك ساكناً.

وبعد عملية القنيطرة، تسود حالة من الترقب وهناك من هو متحمس بشدة للردّ الفوري، ومتعقل حريص على طبيعة الردّ بعد الوقاحة «الإسرائيلية». فعملية القنيطرة مؤشر إلى الاختراق الأمني الذي أشار إليه السيد نصرالله، فهو لم يخف هذا الأمر واعتبره من ضرورة الأشياء ولا بدّ من حدوث اختراقات خلال التجربة الطويلة للمقاومة.

إنّ نتنياهو على ثقة تامة بأنّ الردّ لن يأخذ شكل ردّ الفعل، لأنه مدرك عقلانية المقاومة اللبنانية ويعلم أنها لن تنجر إلى حرب، نسميها فرعية، بالمقارنة مع ما يجري على الأرض السورية والتي تعتبر بوابة محور المقاومة، وأنّ الحرب هذه هي جزء أهم من الدخول في حرب ذات وقت مستقطع توقفها الولايات المتحدة الأميركية عبر مجلس الأمن والوساطات الدولية في حال تعرض الكيان الصهيوني لضربات موجعة، في مقابل انشغال تام ومطلق للجيش السوري بمواجهة العصابات الإرهابية، والذي يتوقع من خلال التحالف التركي الصهيوني في حال نشوب هذه الحرب الإلهائية أن تفتح الحدود التركية على الغارب لقوافل الإرهاب الدولي، فتنغمس سورية والمقاومة في الحرب المفتعلة من دون شركاء عرب.

لذلك فإنّ المقاومة اللبنانية والجيش السوري يعرفان ويدركان أنّ عمق الجبهة السورية لا يتوقف عند القنيطرة، بل يمتد إلى الحدود السورية التركية، فالمقاتل الارهابي واحد وهو يخدم الكيان الصهيوني سواء كان في العراق أم في سورية أو في الشمال اللبناني.

إنّ الحلم الصهيوني المتهالك على الأرض السورية نتيجة صمود محور المقاومة ودحر «داعش» وإخوانه بالقتال المستمر وبعين مترقبة لحرب جدية مع الكيان الصهيوني بشروط وطنية، يدفع القيادة الصهيونية إلى التخبط في توجيه هذه الضربات المكشوفة تماماً، رغم الحماسة الشديدة لدى الأشراف العرب الراغبين في الردّ الحاسم على الكيان الصهيوني.

ولنتذكر أنّ «إسرائيل» ما كانت لتجرؤ على عدوانها، لولا العدوان العالمي الوقح على الجيش السوري، وهي هنا مثل الفأر الذي يطلّ برأسه من الجحر لأنه جاع وحان وقت التهامه الطعام، ولننتظر حتى تنتهي نزعات نتنياهو الانتخابية والتي قد تنقلب عليه وبالاً، وخصوصاً أنه يتناغم مع الجمهوريين في الانتخابات الأميركية ليرفع من رصيده لديهم بتوسيع عدوانه على سورية لأكثر من مرة.

ختاماً، الثقة بقدرات المقاومة والجيش السوري متعلقة أيضاً بالثقة في القرارات التي يتخذاها فيما يتعلق بطبيعة الردّ، إذا نظرنا إلى ما كانت عليه حال المنطقة والعالم فيما لو كان أداء الجيش السوري والمقاومة مختلفاً عما هو عليه خلال الأربع سنوات الماضية من عمر الربيع الصهيوني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى