جبران هداية: المرأة في أعمالي هي الوطن وينبوع الحياة
كتب محمد سمير طحّان من دمشق سانا : يعتمد التشكيلي جبران هداية الأجواء السحرية في لوحته التي تلعب المرأة فيها دور البطولة، فتمتزج الأنوثة المفعمة بالحياة بهالة من الضوء، في أسلوب واقعي تعبيرى يوحي التأمل والسلام بعيداً عن البهرجة المجانية في الخطوط واللون، فيغدو التكوين متآلفاً ومنسجماً مع محيطه.
يحتلّ التأمل لدى هداية حيزاً كبيراً من عمله الفني الذي كان رفيقه مذ كان في عمر الخامسة وكان يتأمل «أضواء لمبة الغاز وهي تتساقط على السجادة الشعبية خالقة أجواء سحرية جميلة». واليوم حين يرسم، يتأمل باحثاً عن مبرر لكل ضربة ريشة على سطح اللوحة، وعندما لا يجد ما يبحث عنه يتوقف عن الرسم إلى حين عودة البحث.
عن حضور المرأة الكثيف فى لوحاته يقول هداية: «إن المرأة تحتل مساحة كبيرة من أعمالي لأنني أرى فيها الوطن والأم والحبيبة والزوجة والإبنة. إنّها ينبوع الحياة». وحول أثر الأزمة في عمله الفني يوضح: «أن الأزمة تركت «تأثيراً بالغاً» فيّ على الصعد كافة، بما في ذلك عملي الفني، إذ توقفت عن الرسم ولم أتوقف عن التأمل الموجع في ما يحدث لذا تأخرت أعمالي نسبياً واخترت لها عنوان «بانتظار الصباح» لأن البطلة فيها امرأة متعاطفة ومتألمة غير مستسلمة، تترقب في حذر ما يحدث وهي متفائلة بظهور الصباح.
«إن واقع الفن التشكيلي السوري بعد مرور أكثر من أربع سنوات من الأزمة تأثر كثيراً فقسم من الفنانين اضطر إلى المغادرة إلى الدول المجاورة أو الأوروبية لمحاولة إيجاد فرص عمل تساعدهم في إعالة أسرهم أمام هذه الظروف الصعبة، وقسم أصر على البقاء رغم الظروف الصعبة، لذا من الطبيعي أن نرى تراجعاً واضحاً في الفعاليات التشكيلية».
يشير هداية إلى أن توقف نشاط معظم الصالات، سواء الرسمية أو الخاصة خلال السنوات الماضية، سببه الأوضاع التي تشهدها البلاد، إضافة إلى توقف قسم كبير من الفنانين عن الانتاج نتيجة الأزمة. ويرى أن المؤسسة الثقافية الرسمية، إلى جانب بعض المؤسسات الخاصة، بذلت جهوداً كبيرة لتستمر الحركة التشكيلية في نشاطها الفني من دون توقف، مضيفاً: «لم يتوقف معرضا الربيع والخريف اللذان يقامان سنوياً، وهذا ينطبق على بعض المحافظات مثل معرض الربيع في حلب، أما الصالات الخاصة فكان نشاطها محدوداً وبعضها توقف تماماً. إن «الغربة الموقتة لبعض التشكيليين السوريين في الخارج ساعدت في التعريف بالفن السوري، فضلاً عن نشاط بعض الصالات الخاصة التي نقلت نشاطها إلى الخارج فأقامت المعارض للفنانين السوريين ونظمت الفعاليات للتعريف بالفن التشكيلي السوري وتسويقه».
حول هوية الفن التشكيلي السوري يردف هداية قائلاً: «حاول الفنانون الرواد منذ البداية الوصول إلى هوية سورية في مجال الفن التشكيلي، فبينهم من استمد من التراث السوري القديم في مجال النحت والرسوم الجدارية وأعمال الفسيفساء، واعتمد آخرون الحرف العربي كمفردة في تشكيل اللوحة الفنية. هذه المحاولات بداية مهمة للحصول على هوية سورية خاصة بنا، وهنا يأتى دور مؤسسات الدولة ووزارة الثقافة في احتضان تلك التجارب وتشجيعها واقتناء الأعمال، فالفنان في نهاية المطاف وسيلة مهمة للتعريف بتاريخه وحضارته».
في ما يتعلق بتوجه بعض التشكيليين نحو الحداثة وما بعدها، يؤكد ابن مدينة حلب أن التنوع في المدارس الفنية والاختلاف في الرأي، بدءاً بالمدارس التقليدية وصولاً إلى الحداثة وما بعدها، يشكل المناخ الصحي للعمل الفني، موضحاً أن الإبداع في العمل الفني مصدره الواقع «فمن دون الواقع لا نملك خيالاً ولا حلماً، فالتعرف إلى الواقع ضروري وتجاوزه أيضاً ضروري ومحافظتنا على هويتنا تنطلق من معرفتنا بواقعنا وتاريخنا وحضارتنا وتراثنا ثم الانطلاق إلى حيث نشاء. إن مشروعي الفني راهناً ومشروع أي فنان سوري هو رد فعلنا على ما يحدث في بلدنا الحبيب، وهذا يستلزم تنوعاً في الرؤى بين فنان وآخر، وهو مناخ صحي للعمل الفني، كاشفاً أنه يعمل اليوم على مشروع «بانتظار الصباح» مكرساً الإنسان قيمة أساسية في عمله الفني، ومردفاً قوله: «لقد علمتنى الطبيعة أن أتعلم منها الخط واكتشف أسرار اللون وأن أرسم باستمرار من دون توقف، فالعمل المستمر يكشف كثيراً من المعارف التي يحتاجها الفنان في تنفيذ عمله الفني»، لافتاً إلى أنه يقدم تجربته الفنية ويمكن لمن يريد أن يأخذ بها ويفيد منها مع تلافي الوقوع في فخ التقليد.
يختم هداية كلامه قائلاً: «إن الشعب السوري الأصيل الذي استطاع أن يمتص تأثير الأزمة وظل متمسكاً بأصالته ومبادئه، لا يقدم التنازلات لأي كان وهو قادر على النهوض وبقوة ليقدم أعمالاً فنية مهمة تليق بأصالة تاريخه وحضارته».
جبران هداية من مواليد رأس العين عام 1946، خريج كلية الفنون الجميلة في دمشق، قسم التصوير الزيتي، بدرجة امتياز شرف عام 1979. درّس فى مركز الفنون التشكيلية وأكاديمية ساربان في حلب وعمل مدرساً لمادة التصوير في معهد إعداد المدرسين في حلب. متخصص في رسم الأيقونات وأدار صالة «آكاد للفنون الجميلة» بين عامي 1982 و1988، وهو عضو في اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين وأقام العديد من المعارض المنفردة والجماعية داخل سورية وخارجها.