زمن الهزائم ولّى وأتى زمن الانتصارات

شوكت الياس البشارة

إنّ الهيمنة الأميركية على العالم تجعل أمراً طبيعياً أن تترك الولايات المتحدة الأميركية بصمات مصالحها في جميع مناطق الصراع. إذ لا يمكن تجاهل الدور الأميركي في مختلف هذه الصراعات، من إيرلندا إلى تيمور الشرقية مروراً بالبلقان وتركيا والقوقاز والشرق الأوسط بكامله.

نستطيع أن نعرض بعضاً من الدور الأميركي من خلال:

1 ـ تأكيد القدرة على التحكم في منابع النفط وتقنين صادراته بما يوافق مستوى السوق، عن طريق الوجود الأميركي المباشر والعسكري.

2 ـ الحفاظ على الأزمات الساخنة في المنطقة وتحريك الراكد منها، وهو حفاظ بات يختصر استراتيجية الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، وأبرز هذه الأزمات :

أ حرب العراق.

ب تحريك مشكلة حقوق الإنسان والأقليات.

ج تصنيف دول المنطقة.

د العمل على إشعال حروب دائمة في المنطقة.

و الدور «الإسرائيلي» والصراع الدائم مع العرب.

3 ـ إبقاء النفط خارج السلع المدرجة في إطار سلع منظمة التجارة العالمية.

4 ـ الحفاظ على ربط الدولار بالنفط بترودولار كهدف لا يمكن الاستغناء عنه ولو كلفها الأمر حرباً عالمية جديدة.

من هنا نأتي إلى انعكاسات هذا الدور على حلف المقاومة. فما لا شك فيه أن الرد الحاسم لمحور المقاومة على معظم ما تقدم كان من خلال الصمود السوري وتَحطم سائر الخطط على أبواب دمشق، غير متناسين دور المحور المتحالف معها مُنطَلِقاً من حرصه على انتصار سورية الذي يعتبره، عن قناعة، حماية له وانتصاراً إضافياً يفيد منه في اللعبة الدولية. مُحققاً من خلال الانتصار السوري مزيداً من النجاحات التي تخدمه وتدفع تطلعاته المستقبلية إلى الأمام.

بالعودة إلى النقاط الأربع السابقة نرى:

1 ـ سقطت من يد الأميركي منابع النفط الجديدة، وسقط معها مشروعه «خط الغاز»، كما سقط معه الوجود العسكري الوحيد في المنطقة، فاسحاً المجال لقوة أخرى أن تحلّ مكانه فكان الروس الأقدر والأقوى على شغل هذا المكان.

2 ـ لم يعد خافياً على أعمى بصر وبصيرة، الدور الأميركي الفاعل والمحرك لأغلب مشاكل هذه المنطقة، بمعنى أن اللعب أصبح على المكشوف ولم تعد الماكنة الإعلامية الجبارة التي يديرها الأميركي تجدي نفعاً. في معنى آخر، تكشفت الأمور وسقطت هذه الاستراتيجيا من حسابات الأميركي. ها هي العراق تتعافى، ولم تعد مشكلة الحقوق والأقليات بعبعاً يخيف، وبات التصنيف الأميركي لدولة أو منظمة غير مجدٍ، وإشعال الحروب في المنطقة أمسى واقعاً، وما هي إلّا سنوات قليلة ويصبح وراء ظهرنا.

3 ـ التحالفات الجديدة للدول الصاعدة والمعادية للأميركي وغطرسته، خاصة الدول المنتجة للنفط ستكسر هذا القيد وستعمل على إدراج النفط ضمن السلع المدرجة في إطار سلع منظمة التجارة العالمية، ما يعني التسعير وفق السياسة الدولية وليس وفق السياسة الأميركية.

4 ـ بدأت بوادر التحرر من البترودولار تظهر عالمياً، وخير دليل الاتفاقيات المبرمة حديثاً بين الصين وروسيا والحبل على الجرار.

لم نغفل الدور «الإسرائيلي» وسنتناوله بشيء من التفصيل من خلال عنوان قدم له الباحث محمد أحمد النابلسي من خلال كتابه «النفس المغلولة» لنستعرض ما كتبه تحت عنوان «من فيتنام إلى الأراضي المحتلة» تحديداً الشريط الحدودي . كتب الباحث النابلسي :

« قبل تعداد وجوه الشبه بين التجربتين لا بد من تسجيل فارق أساسي بين الوضعيتين. فقد تحولت فيتنام إلى عقدة أميركية، لأنها كانت صدمة أولى في التاريخ الأميركي. أما الشريط فهو مرض «إسرائيلي». لأن الذاكرة اليهودية مملوءة بذكريات الاضطهاد المرضي والهذاء العظامي الذي يجترّ المذابح اليهودية من دون الاعتراف بجنون العظمة والتفوّق اليهودي المؤدي لهذه المذابح.

أما أوجه الشبه بين فيتنام والشريط فمن أهمها :

أ شعب يعيش رفاهية اقتصادية يواجه أصحاب أرض وعقائد مستعدين للموت بالشكل الذي تفرضه عليهم الظروف.

ب دولة عاجزة عن دفع الثمن السياسي للحرب، خصوصاً لجهة تقديم الضحايا البشرية التي تقتضيها الحرب.

ج رأي عام لا مبال بالمكاسب الاستراتيجية الباهظة الثمن، خصوصاً أنها أراض واقعة خارج بلده.

د طابع حرب العصابات المفتوحة التي لا يمكن التنبؤ بعدد ضحاياها ولا بحجم خسائرها ولا بسيناريو منطقي لنهايتها.

هـ التستر بالسكان المحليين وخوض الحرب من خلالهم، بحيث لا يمكن ضمان ولاء هؤلاء مع عداوتهم لأبناء جنسهم لفترة طويلة، أو على الأقلّ تنامي احتمالات اختراقهم مع الوقت.

نقاط التشابه هذه تبرر إطلاق تسمية «فيتنام الإسرائيلية» الأراضي المحتلة، وخاصة، وهذا لبّ الموضوع، «الشريط الحدودي».

أميركا اعترفت بخسارتها هناك وهي في أوج قوتها العسكرية ومجدها الاقتصادي. وبالتالي فإن الشريط لا ينتظر تهاوي القدرات العسكرية «الإسرائيلية» حتى يعود إلى جسد الوطن. وإذا كان الكيان «الإسرائيلي» الراهن عاجزاً، بسبب فقدان التوجه الاستراتيجي، عن تحقيق انسحاب استراتيجي من بعض النقاط فإنه سوف يجد نفسه مضطراً إلى الرجوع وبتسارع إلى ما قبل حدود النكسة بفعل عمل المقاومة وضغطها على واقع استعداد أفواج جديدة من المقاومين للمشاركة في عملية التحرير.

وهذا بطبيعة الحال أمر لن تقف عنده المقاومة بل ستستمر في التقدم معلنة الحرب الشاملة والتحرير الكامل».

مما كتبه الباحث النابلسي، وبضوء التطورات الجديدة التي حدثت وأبرزها الانتصار السوري وكسر الهيمنة الأميركية وانتصارات حزب الله المتتالية وتهاوي المشاريع الإسلاموية والوهابية، تصبح مقولة السيد حسن نصر الله «إن الكيان «الإسرائيلي» أضعف من خيط العنكبوت».

قانون جديد للمرحلة القادمة، بلى زمن الهزائم ولّى وأتى زمن الانتصارات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى